[108] سورة هود (6)

محمد علي يوسف

تلك الطبقية المقيتة لا محل لها في واحات الهداية المظللة بظلال الأخوة الإيمانية الوارفة التي لا تُميِّز غنيًا ولا فقيرًا ولا قويًا ولا ضعيفًٌا ولا سيدًا ولا عبدًا.. الكل أمام الهداية سواء كأسنان المشط، لا يتفاضلون إلا بقبولهم لهدى الله الذي أنزل إليهم..

  • التصنيفات: التفسير - تزكية النفس -

وتلك الطبقية المقيتة لا محل لها في واحات الهداية المظللة بظلال الأخوة الإيمانية الوارفة التي لا تُميِّز غنيًا ولا فقيرًا ولا قويًا ولا ضعيفًٌا ولا سيدًا ولا عبدًا..

الكل أمام الهداية سواء كأسنان المشط، لا يتفاضلون إلا بقبولهم لهدى الله الذي أنزل إليهم..

فليرد نبي الله نوح، لعل الوقر يزول عن آذانهم، وتخرج قلوبهم من أكنتها..

{يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ . وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ . وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} [هود:28-30]..

وهل وصلت بكم الجرأة أن تطلبوا من نبي مُكلَّم ورسولٌ صاحب عزم أن يرد الناس عن دينه لأجل فقرهم؟!

وماذا يقول لربه إن فعل؟!

بماذا يجيب من أرسله بالهدى للعالمين حين يلاقونه ويلاقيه؟

أفيطردهم لأنهم فقراء؟!

هل تطلبون دينًا طبقيًا لا مكان فيه للبسطاء؟!

وحتى لو كنتم تتهمونهم بالسفول والدنو، فقد أقبلوا على الله وأنابوا إليه، فهل نقطع عليهم طريق هدايتهم بسبب رقة حالهم؟! أي منطق هذا؟!

بل أي ظلم وأي تجبُّر؟

وكأنكم أيها الأكابر الأغنياء! ترون أن أولئك البسطاء لا يرقون لمنزلة البشر، ولا يستحقون عيشًا كريمًا لا في الدنيا ولا حتى في الآخرة..!

لكنه الكِبر والعلو!

الكِبر الذي تمكّن من نفوسكم!

والعلو الذي استشرى في مجتمعكم فاستحققتم ما سيصيبكم!

استحققتم أن تُطهَّر الأرض منكم، وتغسِل ظاهرها من تعاليكم!

وليأتِ جيل جديد قد طَهُر من تلك الأفكار المريضة!

ولينشأ مجتمع لا مكان فيه لتفاضل بجاهٍ أو بمالٍ أو بنسبٍ أو بمنصبٍ..

ولو كان هذا النسب لأقربكم إلى الله..

ولو كان نسبًا مباشِرًا لنبيٍ ورسول..

ولو كان ابن نوح نفسه فلن تغنيه بنوته من الله شيئًا..

إنه المعيار الذي لم يعرفه الهالكون في الطوفان..

لم يعرفه الغارقون في أمواج العلو والاستكبار..

معيار التقوى والعمل الصالح..

المعيار الذي من دونه لم يغنِ نوح عليه السلام عن ولده وزوجه..

ولم يغنِ لوط عليه السلام عن امرأته..

ولم يغنِ إبراهيم عليه السلام عن أبيه..

ولم يغنِ محمد عليه السلام عن عمه..

بل حتى ابنته التي هي من خير نساء الدنيا؛ قال لها: «اعملي فلن أغني عنكِ من الله شيئًا»[1]!

ابنته التي قال يومًا أنها لو سرقت -وحاشاها أن تفعل- لقطع يدها..

هذا هو معيار التفضيل الحق، ومناط النجاة الوحيد الذي كان ينبغي أن يظهر في الأرض، وأن تطهر المعمورة من خلافه، فتغسل من أدران الطبقية والتعالي والتفاخر بالأنساب والأموال، التي جُعلت ردحًا طويلًا من الزمان حائلًا بين المتكبرين وتوحيد ربهم، وأغرقتهم في بحار الشرك..

قبل أن تغرقهم أمواج الطوفان المتلاطمة العاتية..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]- (رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها، والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأحمد، والترمذي بألفاظٍ متقاربة).

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام