أمن القلب أم من الفهم؟!
أسأل نفسي كيف أثر القرآن في حياة السلف، ولم نعش نحن ذلك التأثير إلا من رحم الله؟ فهل الخلل من القلوب أم من الفهوم؟
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدلله القائل: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص29]، والصلاة والسلام على من كان يقرأ القرآن فيبكي؛ ويسمعه من بعض أصحابه فيبكي؛ بل يمر بمن يقرأ وهو لا يعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيستمع لقراءته ويبكي، وإذا صلى بأصحابه أو تلا عليهم بعض الآيات سُمع خنين بكائهم!
أما بعد:
فاللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تغير حالنا مع القرآن للحال الذي يرضيك عنا.
الحياة الحقيقية مع القرآن جنة قبل الجنة وسعادة وأي سعادة.
أسأل نفسي كيف أثر القرآن في حياة السلف، ولم نعش نحن ذلك التأثير إلا من رحم الله؟
فهل الخلل من القلوب أم من الفهوم؟
خذ مثالاً على كثرة من في المستشفيات ومن أصابتهم عوارض أمراض بسيطة في بيوتهم، إلا أني لم أسمع يومًا عن أحد ممن أعرف ولم أتشرف يومًا بزيارة مريض تلا آية أو آيات فأمرضته.
لكني قرآت أن أبا حفص عمر بن الخطاب الفاروق يقرأ الآية فيمرض فيعوده الناس! أليس فينا مثل أبي حفص؟!
ثم! من يتأثر منا؟ لماذا يكون التأثير عليه لحظي أو وقتي، فقط وقت القراءة أو الاستماع؟!
كانت الآية الواحدة فقط تُغير حياة إنسان بل تنقله من الكفر إلى الإسلام، بل انظر إلى كلام الشافعي رحمه الله عن سورة العصر حيث قال: "لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم".
ثلاث آيات فقط يرى الشافعي رحمه الله أنها تكفي الناس كلهم!
وأعظم من ذلك حال النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل بآية واحدة فقط يرددها وهو يبكي.
ونحن الآن في شهر رمضان فلنوجه سؤالاً لأنفسنا ونجيب مع أنفسنا أيضاً.. ما هي أطول فترة زمنية وقفتها في هذا الشهر خاصة مع آية من كتاب الله، أو مجموعة آيات؟ هل تأخرت في ختمتك لعدم استطاعتك تجاوز آيات فقمت ترددها وترددها، وتنام وتستيقظ وأنت تعيش معها وتتأمله.
فما بال أحدنا يقرأ القرآن من أوله إلى آخره ولا يحدث في نفسه ذلك الأثر.
وإذا حدث أثر في نفسه لماذا يذهب سريع؟! لا جدال ولا شك في تأثير كلام الله وقوته وبركته ونفعه.
لكن لماذا تخلف هذا الأثر عنا إلا من رحم الله، ويعود السؤال مرة أخرى من أين وقع الخلل، أمن قلوبنا أم من فهومنا؟!
دعونا نستبعد مسألة الفهم؛ لأن أغلب آيات القرآن واضحة الدلالة بينة المعنى.
صحيح قد لا نفهم بعض الآيات إلا بالرجوع لكتب التفسير وأهل العلم لضعف لساننا العربي!
إذًا الخلل من القلوب!
وخلل القلوب من أمرين:
الأول: ران الذنوب وشؤمها؛ وعلاجه التوبة والاستغفار والتزود من الصالحات.
الثاني: عدم حضور القلب والتركيز وقت قراءة القرآن أو استماعه.
فعلاج ذلك الإقبال التام بالقلب والمشاعر والجوارح على القرآن إذا قرأته أو استمعت له.
أما من يقرأ ويغرد وينظر للواتس فأنى له الخشوع! القرآن أعظم من أن تشتغل بغيره معه.
وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.
جرب أن تبعد عنك كل ما يشغلك حتى من ذهنك، ثم انظر كيف سيكون أثر القرآن عليك؟
وختامًا: اللهم هذا شهر الجود وأنت الجواد الكريم، اللهم وفقنا لحفظ كتابك حق الحفظ بحفظ الحروف والحدود، ووفقنا لتأمله وتدبره والعمل به والدعوة إليه.
اللهم إن حالي كحال مريض يصف مرضه لا حال طبيب يصف علاجًا.
اللهم فأحيي قلوبنا بالقرآن وأذقها حلاوة العيش مع كتابك.
اللهم في هذا الشهر المبارك وفي هذه الليلة المباركة تب علينا من ذنوبٍ حرمتنا بركة الحياة مع القرآن حق الحياة.
اللهم أزل عن قلوبنا كل ما حال بينها وبين فهم القرآن وتدبره وتأمله يا رب العالمين..
والسلام عليكم.
مصلح بن زويد العتيبي