(13) الوسطاء
مصطفى يوسف اللداوي
يبدو أن الوسطاء الدوليين بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي في هذه الحرب محدودون أو قِلَّة، إذ يصعب القول إنهم معدومون أو غير موجودين، ولكن الحقيقة أنهم قلة جدًا، ينتظرون أن يطلب منهم التدخل، أو يتقدَّمون على استحياء، ويعرضون خدماتهم بتردُّدٍ وبدلوماسيةٍ عالية..!
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية -
يبدو أن الوسطاء الدوليين بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي في هذه الحرب محدودون أو قِلَّة، إذ يصعب القول إنهم معدومون أو غير موجودين، ولكن الحقيقة أنهم قلة جدًا، ينتظرون أن يطلب منهم التدخل، أو يتقدَّمون على استحياء، ويعرضون خدماتهم بتردُّدٍ وبدلوماسيةٍ عالية..!
بعضهم غير فاعلٍ، أو ليس في عجلةٍ من أمره، فهو يضمن مهمته، ولا يخاف على مكانته، فهو قديمٌ وخبير، وعنده تجربة ولديه دراية، وله حصة، وعنده دور، وله على الطاولة أوراق، وأجندته حاضرة لا تغيب، يعرفها الأطراف ويُقِرّ بها المتحاربون، وعيونه تراقب وتتابع، وأجهزته ترصد وتُسجِّل، لكنه يترقَّب وينتظر اللحظة المناسبة، والتوقيت الأفضل بالنسبة له، إذ يرغب في أن يكسب، أو أن يشارك في اقتسام الغنيمة، ويريد أن تُراعى مصالحه، وتحفظ حقوقه عندما تضع الحرب أوزارها، وتعود الجيوش أدراجها، تلك هي مصر.
وبعضهم الآخر غير مقبول، من أحد الطرفين أو من كليهما على السواء، فلا يقوى على التدخل، ولا يستطيع عرض جهوده، أو تقديم خدماته، رغم أن عنده مغريات وعطاءات، وفيه مطمع ولديه مكسب، وقد لا تكون له حسابات خاصة، وليس لديه أوراق على الطاولة، ولا يطمع أن يُسجِّل سبقًا، أو أن يحقق كسبًا، بل كل همه أن تتوقف الحرب، وتنتهي المعاناة، وتعود الحياة إلى الجانبين، فلا يتهدد حياة المدنيين خطر حرب، ولا جوع حصار، ولا معاناة عقاب، إن منهم قطر وتركيا.
أما الوسيط الثالث فهم منحازٌ كليًا إلى جانب العدو الصهيوني، ويعمل له وبإمرته، وينفذ تعليماته ويعمل على تحقيق مصالحه، لا يهمه الإنصاف، ولا يعيبه تحالفه مع القاتل، ولا يؤنبه ضميره أن يقتل المدنيون بسلاحه، وأن يحتمي القاتل بقوته ونفوذه، وأن يكون ظهيرًا للباطل، وعونًا للظالم، وسكينًا في يد المجرم، فهو لا يرى نفسه إلا خادمًا للدولة العبرية، ومنفذًا لرغباتها، ومستجيبًا لتوجيهاتها، تلك هي الولايات المتحدة.
وآخرون يراهم الكيان الصهيوني عدوًا، وإن لم تكن بينهم عداوة، ولم تنشب بينهم حروب، وهم لا يملكون القدرة على الضغط على العدو، وربما لا يحبون خصمه، ولا يعنيهم نصره، بل يُخيفهم وجوده، ويريدون زواله، لكن بغير هذه الطريقة العنيفة القاسية، الهمجية الدموية المدمرة، فهي تُحرِجهم أمام شعوبهم، وتُضعِفهم أمام غيرهم، وتفضحهم أمام الرأي العام، وتُعرِّي حقيقتهم، وتكشف عن سوء نواياهم، لذا فإنهم يلجأون إلى المؤسسات الدولية، والدول الكبرى، لتصدر قرارًا أو تمارس ضغطًا، كي توقف الحرب وتمنع القتال، وإلا فإنهم لن يستطيعوا أن يدافعوا عن صمتهم، أو أن يُبرِّروا لشعوبهم عجزهم وسكوتهم، أولئك هم بقية العرب.
تعثَّر الوساطات، وتأخَّر الوسطاء، وعدم اتفاقهم على وسيطٍ فاعلٍ وقوي، محترمٍ ومقدر، وضامنٍ وكافل، يدل على أن الحرب ما زالت مستمرة، وأن الظروف لم تنضج بعد لقيام الوسطاء بالدور المطلوب منهم، والوظيفة المكلَّفين بها، وأنه ما زال في الوقت مُتَّسع للمزيد من الصواريخ والقذائف المتبادلة، ولعددٍ آخر من الضحايا والقتلى، والإصابات والبيوت المدمرة والمؤسسات والهيئات المخربة.
إذ عودتنا الحروبُ السابقة التي يُعلنها الكيان الصهيوني على غزة أو على لبنان، أنه يستمر في عدوانه، ويصم آذانه، ولا يُصغي لأحد، ولا يسمح لأي وسيطٍ بأن يلعب دورًا، في حال اعتقاده بأنه متفوق، وأن الغلبة له، وأن خصمه سيضعُف أو سيُهزَم، ولن تكون لديه القدرة على الصمود أو الثبات، وأن قدراته ستتراجع، ومخزونه من السلاح سينضب، وأن كثافة نيرانه ستقِلّ، وقدرته على إطلاق الصواريخ ستتقلَّص كثيرًا، بعد استهداف مِنصَّاته، وقتل مُشغلينها والعاملين فيها، تخزينًا وتلقيمًا وقصفًا، وأن الحاضنة التي ترعاه، والبيئة التي تحفظه، ستنتفض عليه وستغضب، وستُضيِّق عليه وستُطالِبه بموقفٍ يُنهي المعاناة، ويضع حدًا للقصف القتل.
في نهاية المطاف ستطلب حكومة الكيان الصهيوني من الوسيط الأول، القديم صاحب الخبرة والتجربة، الذي يملك القدرة على الضغط والإكراه، وممارسة السلطة والنفوذ، والذي يستطيع أن يضمن ويكفل، في اللحظة المناسبة، وفي التوقيت المُحدَّد، الذي تفرضه الجبهة الإسرائيلية المتآكلة، والإنهيار الشعبي المتزايد، الذي سيضغط على حكومة كيانهم، لتوافق على هدنةٍ تحميهم، وتُنهي حالة الاستنفار لديهم، وتصل إلى وقفٍ لإطلاق النار جديدٍ أو يُحيي القديم، ليُعيد إليهم الحياة ويُعيدهم إليها.