[152] سورة الحجر (5)
محمد علي يوسف
تعالت الطَرقات المتتابعة -على باب لوط عليه السلام- مختلطة بضحكاتٍ ماجنة رقيعة؛ تلك التي يطلقها المخنثون وأشباه الرجال..! {أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ}؟
- التصنيفات: التفسير -
تعالت الطَرقات المتتابعة -على باب لوط عليه السلام- مختلطة بضحكاتٍ ماجنة رقيعة؛ تلك التي يطلقها المخنثون وأشباه الرجال..!
{أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ}[1]؟
أولم نُحذِّرك أننا لن نُراعي لك حرمة ولن نُقدِّر لك جِوارًا؟
الآن ستدفع ثمن اجترائك على تحدينا..
الآن ستعلم أن طهارتك وطهارة بناتك لن تنفعك بشيء..
{إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ} [الحجر من الآية:68]..
{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ} [الحجر:69]..
هؤلاء بناتي إن أردتم الزواج..
إن أردتم الفطرة النقية التي فطر الله الناس عليها..
صاح لوط من خلف باب داره، بينما يُدافع الباب، محاولًا إغلاقه، لمنع تلك المسوخ من الدخول..!
صاح بهم لعل كلماته تجد بقايا سمع أو بصر في غيابات نفوسهم السكرى..!
صاح بهم لربما صادفت حروفه لحظة وعي في عقول أترعت حتى الثمالة بالشهوات..!
لكن هيهات هيهات..
إنها السكرات.
سكرات الشهوة، وعمى البصيرة..
نعم إن للشهوة لسكرات..
يشهد بذلك كل من ابتُلي بتسلُّط خمر الشهوة عليه..!
يشهد إنه يجد نفسه أحيانًا كالسكير الذي لا يعي ما يفعل، ولا يُدرِك ما يقول، ولا يُفكِّر فيما يقترِف..!
لذا كانت الخمر أم الفواحش؛ فهي طريقٌ قصير لحجب العقل، وطمس الفطنة، وهي أسرع وسيلة لإسكار القلب وطمس البصيرة.
قد يكون عبد الهوى عالِمًا بخطورة تلك الشهوة المُحرَّمة على دينه ودنياه؛ لكنه رغم ذلك يُقبِل عليها حال سيطرتها عليها..!
يُقبِل عليها، ولا يجد في نفسه أدنى قدرة على الممانعة أو الدفاع، قد أُغلِقت أبواب الحكمة، وسُكِّرت أقفال البصيرة..!
تمامًا كالخمر..!
لها سكرة..
وعمى..
هكذا كان حال القوم، وهم يدفعون الباب محاولين اقتحامه..!
لا يُفكِّرون، لا يرعوون..
هم لا يعون من أمرهم شيئًا..
فقط يريدون قضاء وطرهم، وليكن بعد ذلك ما يكون..
لم تتبقَ إلا سطوة الهوى وإلحاح الرغبة النجسة الأثيمة وشهوتها العارمة فعميت البصائر، وغارت آبار الفكر، وانطمس الفهم خلف ضباب السكرات..
وحين يترك المرء العنان لشهوته، ولا يكبح جماحها بالشرع الذي يوافق الخُلق والفطرة التي فطره الله عليه، فإنه لا يدري إلى أي مدى يمكن أن تذهب به..!
إن في النفس باعثًا خفيًا به استعداد للفجور.
{بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} [القيامة:5]..
فلو لم يعلم متى يوقفه ويستجمع إرادته لردعه فإن هذا الباعث قد يتضاعف ويتعاظم، لدرجة تطغى عليه فتأسره، حتى يصل إلى تلك الحال..!
حال السكرة والعمى، ثم يئول إلي ذاك المآل؛ مآل البوار والهلاك والخسران.
وهذا بلا شك أمر ملاحظٌ ومطرد في تلك المجتمعات التي يترك لها العنان، حتى تتدنى لهذه الدركات من الفواحش، ويصير الجهر بها أمرًاعاديا، وهي مجتمعات على شفا جرفٍ هارٍ مُعرَّضة لعقوبة العزيز الجبار
لكن الأمر الأخطر والعقوبة الأشنع في تقديري هي تلك العقوبة العاجلة لمن تمادوا في شهواتهم حتى عبدوها..!
عقوبة طمس البصيرة، وغياب الوعي والفهم، وحجاب القلب والعقل، وكفى بها عقوبة، إنها عقوبة لا يعقلها إلا العالِمون..
عقوبة: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72].
ــــــــــــــــــــــــــ
[1]- [الحجر من الآية:70].