[192] سورة مريم (4)
محمد علي يوسف
- التصنيفات: التفسير -
{إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا} [مريم:3]..
لماذا خفيًا؟!
هل هو حبه للخلوة؟!
أم هو استحياؤه من طبيعة الدعوة وفحواها..
تخيَّل لو سمعه الناس يدعو بالولد وهو على هذا الحال..
فأين الأسباب التي يطلب بها ولدًا؟
إنه شيخ واهن العظم مشتعل الرأس بالشيب وامرأته عاقر..
الأسباب معدومة إذن..
والسُبل منقطعة..
لكن زكريا عليه السلام رغم كل ذلك داوم على التعرُّض لنفحات مولاه أحسن الظن به ودعاه..
ورغم انقطاع الأسباب وإغلاق كل السُبل..
إلا إنه لم ييأس وإن اجتمعت مبرِّرات اليأس..
{وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم من الآية:4]..
هذا هو السر وهنا مربط الفرس..
كل دواعي اليأس تطيش مع حسن ظنه وثقته التي ظهرت في قوله: {وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}..
فليدع إذن وليطلب فما كان ليشقى مثله بالطلب والتضرُّع..
{يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم:7]..
لقد جاء الفتح وسمع البشارة..
فليخرج إذن على قومه..
لكن يخرج عليهم من أين؟!
أين كان وما هو محل دعائه وموطن خلوته؟!
لقد كان هناك..
في المحراب..
{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم:11].