[198] سورة مريم (10)
محمد علي يوسف
سطحية أهل الباطل قديمة وسفاهة منطقهم وظاهرية حكمهم على الأشياء معتادة ومُتكرِّرة.. فبدلًا من أن يردُّوا الحجة بالحجة ويناقشوا القيم المعروضة والمعاني التي يدعون إليها؛ تراهم يوجهون سهام نقدهم ومِراء مقارناتهم إلى الداعين وحملة الحق فيعيبون مظهرهم الخارجي ويُلمِّحون إلى ضيق عيشهم وتدني مستواهم الاجتماعي أو الاقتصادي..
- التصنيفات: التفسير -
وسطحية أهل الباطل قديمة وسفاهة منطقهم وظاهرية حكمهم على الأشياء معتادة ومُتكرِّرة..
فبدلًا من أن يردُّوا الحجة بالحجة ويناقشوا القيم المعروضة والمعاني التي يدعون إليها؛ تراهم يوجهون سهام نقدهم ومِراء مقارناتهم إلى الداعين وحملة الحق فيعيبون مظهرهم الخارجي ويُلمِّحون إلى ضيق عيشهم وتدني مستواهم الاجتماعي أو الاقتصادي..
{وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [مريم:73]..
الآيات بيِّنات واضحات مفصَّلات فلماذا لا يدور الكلام حولها؟
لماذا تتحوّل دفة الحديث إلى فوارق طبقية أو علاقات اجتماعية؟
ما علاقة المقام الدنيوي ومكانة الجلساء والندماء بالموضوع؟!
إنه الضعف وسطحية النظر ومادية التفكير..!
ولو كانت العِبرة بالماديات والرؤية الخارجية والمظهرية الفارغة لنجا من هم أحسن منهم وأقيم ولنفعتهم قوتهم ومنعتهم حصونهم لكن: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} [مريم:74]..
هذا في الدنيا..
أما في الأخرى فالكل سيعلم وأولهم هؤلاء المغترون السطحيون..
{حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا} [مريم:75]..
أما معيار الخيرية الحقيقية هناك فليس بتلك المقاييس المظهرية والتقييمات السطحية..
إنه معيار الهداية والباقيات الصالحات..
{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ۗ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا} [مريم:76]..
وفزع القلب ورهبته حين يسمع: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}[1] لا يلبث أن يُهدئ من روعه بصيص أمل يتبدى في الآية التي تليها: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم من الآية:72]..
الفرصة سانحة إذن والنجاة واردة وسبيلها معروض..
سبيل التقوى..
أما الظالمون فيا لمصيبتهم..
مصيبة تتلخص في كلمة واحدة تسبق وصفهم..
{وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم من الآية:72]..
كلمة: {نذَرُ}..
وإنها لكلمة مفزعة حقًا..
حاسمة حازمة صارمة قاطعة لأي أمل في الخروج كما قطعوا في الدنيا سبيل التقوى على أنفسهم بل وصدوا الناس عنه بظلمهم..
إنها كلمة محزنة تقذف بظلال سوداء قاتمة على أعين الظالمين التي طالما برقت ببريق التشفي في الضعفاء والمساكين الذين ظلموهم وتركوهم مقطعة بهم الأسباب في الدنيا..
ها هم يتركوا اليوم كما تركوهم..
ها هم يعاملوا معاملة المنسيين كما عاملوا المظلومين..
ها هم يذرهم الملك في قعر جهنم على هيئة ذليلة كما أذلوا المظلومين واستضعفوهم وذلك بعد أن انتزعهم من شيعهم ومواليهم فقد كانوا أشدهم..
على الرحمن عِتيًا..
{ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَٰنِ عِتِيًّا} [مريم:67]..
فتركٌ بترك..
وجثو بجثوٍ وذُل بذُلٍ والجزاء من جنس العمل.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- [مريم:71].