سوف تبقى في الحنايا يا مروان
محمد المصري
إن مروان سلام رحمه الله أبى أن يكون في الظل مع الذين ولدوا خُرساً؛ لأن الكثيرين من الناس قد ولدوا خرساً، وتعلموا كيف يتقنون فن الصمت وتلقي الأوامر، فماتت بداخل كل منهم روح المبادرة، فأصبحت حياته كلها ترديداً لمقولة " عاش سعيداً من بقي في الظل "
- التصنيفات: قصص مؤثرة -
بالأمس وصلنا خبر استشهاد الأخ الحبيب مروان سلام رحمه الله في سوريا؛ حيث استشهد رحمه الله تعالى في ريف حماة في معركة مع (أعداء الله)، وقبل عام تقريباً سبق مروان أخوه الأصغر مهند سلام حيث استشهد رحمه الله في أثناء فض اعتصام رابعة من قبل جنود فرعون؛ حيث تم قتل العزل واستبيحت الدماء وقتل أطهر شباب مصر بدماء باردة من قبل أعداء الله .
لم يطب لمروان سلام رحمه الله العيش بعد استشهاد أخيه مهند رحمه الله، فأخذ يسابق الخطى ليلحق بأخيه الأصغر مهند - يلحق به في درب الشهداء نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحداً، ولكنه في هذه المرة أراد أن يعطينا درساً بفعله دون قوله ..هذا الدرس هو أن جنسية المسلم عقيدته وأن المسلم لا يخضع لحدود حدّها أعداء الله لتقسيم العالم الإسلامي والمعروفة بحدود سايكس بيكو، أراد مروان أن يقول لنا باستشهاده أنَّ الحدود تراب، فعاد مرة أخرى إلى الشام التي كان قد ذهب إليها قبل حدوث الانقلاب العسكري في مصر، ثم عاد إلى مصر عندما حدث الانقلاب الدموي فيها، وأصيب الحبيب مروان سلام رحمه الله في أحداث الحرس الجمهوري، فعاد مرة أخرى إلى الشام ليجاهد وليشهد بدمه أن شريعة الله أغلى عليه من حياته، فالطواغيت لا تؤثر فيهم الأفعال الرمزية ما داموا آمنين في قصورهم لذلك كانت نفرته رحمه الله على الموت في سبيله عزوجل.
لقد طلب مروان سلام رحمه الله من الله عز وجل أن يجمعه مع أخيه مهند فقال رحمه الله داعياً الله عزوجل "اللهمّ يا كريم يا خير من سئل وأعطى اكتب لي الإفطار مع حبيبي في هذا الشهر يا الله" وصدق في طلبه، لقد كان مروان رحمه الله ممن عاشوا يترقبون الشهادة في سبيل الله و"إن الذي يعيش مترقباً النهاية يعيش مُعِدّاً لها؛ فإن كان معداً لها، عاش راضياً بها؛ فإن عاش راضياً بها، كان عمره في حاضر مستمر، كأنه في ساعة واحدة يشهد أولها ويُحِسُّ آخرها، فلا يستطيع الزمن أن ينغِّصَ عليه ما دام ينقاد معه وينسجم فيه، غير محاول في الليل أن يبعد الصبح، ولا في الصبح أن يبعد الليل " (وحي القلم مصطفى صادق الرافعي.)
إنّ صدق مروان سلام في طلبه الشهادة هو الذي دفعه إلى اقتحام الأهوال؛ لأن الصدق كما يقول ابن القيم هو "روح الأعمال ، ومحكُّ الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال"
إن مروان سلام رحمه الله أبى أن يكون في الظل مع الذين ولدوا خُرساً؛ لأن الكثيرين من الناس قد ولدوا خرساً، وتعلموا كيف يتقنون فن الصمت وتلقي الأوامر، فماتت بداخل كل منهم روح المبادرة، فأصبحت حياته كلها ترديداً لمقولة " عاش سعيداً من بقي في الظل "، إن الذي يجعل الناس لا يتعشقون الحرية، ولا يتجرؤون على المطالبة بها هي الطريقة التي يتعلمون من خلالها ويفهمون بها دينهم، ويمارسون بها شعائره .. فالفهم للدين على أنه لا يأبه بالتكريم الدنيوي، ولا يهتم إلا بما هو أخروي .. وممارسة شعائره على أنها طقوس تؤدي دون أن يكون لها أدنى أثر في الحياة .. كل ذلك لا يؤدي إلا لمزيد من العبودية!" (د.محمد محمد بدري أقاصي اليأس .. و منتهى الأمل !! )
يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله: "إن بعض النفوس الضعيفة يخيل إليها أن للكرامة ضريبة باهظة، لا تطاق، فتختار الذل والمهانة هرباً من هذه التكاليف الثقال، فتعيش عيشة تافهة، رخيصة، مفزعة، قلقة، تخاف من ظلها، وتَفْرَقُ من صداها، {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ } [المنافقون:من الآية 4]، { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ} [البقرة:من الآية 96]
هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة، إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملة، يؤدونها من نفوسهم، ويؤدونها من أقدارهم، ويؤدونها من سمعتهم، ويؤدونها من اطمئنانهم، وكثيراً ما يؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون.
أما مروان فقطرات دمه تصب في عملية الميلاد الجديد.. "ميلاد مجتمع الأحرار الذين لم يألوا جهداً لإنقاذ البشرية من براثن العبودية للأصنام الباطلة على مدى التاريخ .. الذين نادوا في ظلمات العبودية إلى تحرير الإنسان كل الإنسان في الأرض كل الأرض .. فكان نداؤهم هو البُشري بزوال مجتمع العبيد، وميلاد مجتمع الحرية، لأنه من أقاصي اليأس يولد دائماً منتهى الأمل" (د.محمد محمد بدري أقاصي اليأس .. و منتهى الأمل !!.)
وأخيرا يا مروان (سوف تبقى في الحنايا علماً … هاديا للرَّكب رمزاً للفدى) رحمك الله رحمة واسعة.