مروان سلام وتدبير المَلِك

  • التصنيفات: قصص مؤثرة -

مروان سلام .. أحد أبناء التيار الإسلامي في مصر الذين كانوا يؤمنون بأن الأمة أمة واحدة وأن الجرح في الأمة في مكان ما يشتكي له سائر جسد الأمة بالألم والحمى والسهر.

مروان سلام لم يترك مشهداً من مشاهد نصرة الحق والشريعة الإسلامية منذ ثورة 25 يناير وحتى الانقلاب العسكري الغاشم إلا وكان من الحاضرين الفاعلين فيه وخصوصاً أنه كان يعمل تحت مظلة الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح التي أسسها الدكتور محمد يسري إبراهيم حفظه الله والتي كانت تضم أكبر تجمع علمي دعوي للعلماء والمشايخ والهيئات الدعوية من أجل توحيد الصف الإسلامي ونصرة دين الله وإعلاء كلمة الله في الأرض
وعلى المستوى الشخصي لم يكن مروان سلام شخصاً عادياً فقد كان حافظا لكتاب الله متقناً بتلاوته وقد حصل على بعض الإجازات في القراءة والإقراء وتعليم القرآن الكريم.

كان مروان سلام رحمه الله وتقبله في الشهداء من أسرة كريمة يعيشون في منطقة من أرقى مناطق القاهرة وكان عنده سيارة وأسرة وتعتبر حياته مستقرة إلا أنه لم يكن هدفه من الحياة أن يسكن في منطقة راقية أو يركب سيارة أو ما إلى ذلك وإنما كان هدفه وجهده في الدعوة إلى الله وخدمة كتاب الله تعالى ونصرة دينه بكل السبل الممكنة
فقد شارك في العديد من الحملات التي أسست من أجل مساعدة الشعب السوري المسلم من تقديم الأموال اللازمة لشراء كل ما يحتاجونه من دواء وغذاء وسلاح لمقاومة هذا الطاغوت النصيري بشار الأسد بل شارك هو وأخوه مهند رحمه الله في جبهة القتال بين المجاهدين وبين القوات النظامية السورية في أوائل عام 2013
ولأن الله عز وجل يحب الصادقين. ولأن الله عز وجل إذا أحب عبداً رتّبَ له ما يحبه ويرضاه، فقد رتب لمروان خاتمة هي من أفضل ما يكون -نرجو له ذلك-.


انظر إلى تدبير الملك لمروان سلام رحمه الله ..
شارك مروان في الفعاليات المناهضة للانقلاب العسكري الدموي بعد حدوثه فكان من المعتصمين في رابعة العدوية مع أبناء التيار الإسلامي وقدر الله عز وجل أن يصاب في ظهره بطلق ناري في أحداث اعتصام الحرس الجمهوري وقد قدّر الحكيم العليم أن تمُّر الرصاصة بين اللحم دون العظم ودون أن يصاب من ذلك بشيء إلا أثر دخول الرصاصة وأثر خروجها، وبمجرد ما قدر على أن يقوم ويتحرك رحمه الله وكان لا يزال في فترة النقاهة شارك إخوانه بالنزول للميدان ومشاركة المعتصمين على قدر المستطاع.


انظر إلى تدبير الملك واختيار الله له ..
دعاه أحد أقاربه لزيارة بلاد الحرمين من أجل قضاء فترة النقاهة بعد الإصابة فسافر هو وأولاده وزوجته لبلاد الحرمين وقضى شهر رمضان المبارك هناك واعتمر وكان يستعد للعودة إلى مصر بعد العيد، فما لبث أن قام المجرمون القتلة بفض اعتصام رابعة العدوية والنهضة وقتلوا أكثر من 4000 من خير ما أنجبت مصر من الشباب

وكان من ضمن من قتل في أحداث فضَّ ميدان رابعة العدوية الشهيد بإذن الله مهند سلام الأخ الأصغر لمروان فكان خبر استشهاد مهند على مروان كالصاعقة فقد قتلوا أخوه الأصغر شقيقه ورفيق دربه وجليس إيمانه وشريكه في كل ما كان يقوم به من أعمال لنصرة الحق والدين والذي لم يكن يختلف عن مروان كثيراً من حيث طلبه للعلم وحفظه للقرآن وإتقانه له وعلمه وتعليمه للناس والإمامة والصلاة بهم.


ثم انظر وتأمل لتدبير الملك عز وجل واختيار الله لمروان، لما حدثت المجازر الدموية التاريخية في أبناء التيار الإسلامي والشعب المصري الحُرّ في أحداث رابعة العدوية والنهضة تمهل مروان في قرار الرجوع لمصر حيث مكث في بلاد الحرمين إلى أن يرى ما ستؤول إليه الأحداث حيث انطلقت مليشيات الانقلاب في ملاحقة كل من كان مناهضا لهذا الانقلاب الدموي. وفي هذه الفترة علم مروان أنه مطلوب أمنياً في مصر فقرر عدم الرجوع وإنما المضي قُدُمَاً في ما كان قد بدأه من نضال وسعي في نصرة الشعب السوري الشقيق وهذا يدل على أن رسالة المسلم الصادق واحدة في أي بلد من بلاد المسلمين فهو يسعى لرفعة الأمة ونصرتها وتضميد جراحها فإن كان قد أغلق باب النضال في مصر بسبب الانقلاب العسكري الدموي فهناك الكثير من الأبواب مفتحة التي تحتاج لجهود عظيمة من أبناء الإسلام لنصرة الأمة ورفعة مكانتها {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء:100]

فتوجَّه مروان بعد أداء فريضة الحج إلى تركيا على الحدود التركية السورية هو وأسرته الكريمة ولَحِقَ بهم أبوه حفظه الله لم يهنأ مروان بأن أسرته معه وأن أمورهم قد استقرت في تركيا ولم يقل في نفسه قد فعلت ما عليَّ وانتهى وقت التعب وجاء وقت الراحة، لا؛ فبمجرد ما استقر واطمأن على أسرته وأهله ذهب ليمارس هوايته المفضلة في نصرة دين الله والوقوف في وجه الطاغوت بكل ما هو ممكن.

فكان رحمه الله يتردد على جبهة القتال في سوريا في عدة مناطق حتى كان يوم موته -رحمه الله- خرج مقاتلاً في سبيل الله في دفع جنود ومرتزقة الجيش السوري النظامي عن موريك في ريف حماة وقاتل حتى قتل على خط النار رحمه الله وتقبله في الشهداء، مُقبِلاً غير مُدبِر صائماً صابراً محتسباً نسأل الله أن يرفع درجته في المَهدِّيين وأن يُخلِفَهُ في عاقبته في الغابرين وأن يغفر لنا وله رب العالمين.

فانظر إلى تدبير المَلِك إلى أين أخذته الأحداث المتلاحقة على مدار عام من عيشة كريمة بين أهله وأصحابه لنضال دام ثلاث سنوات لنصرة دين الله عز وجل في مصر بعد الثورة ثم الوقوف في وجه الطاغوت قائد الانقلاب العسكري حتى أصيب في ظهره  ثم خروجه من مصر لا هرباً ولا فراراً وإنما لقضاء فترة النقاهة العلاجية ثم أتحفه الله بالعمرة في رمضان وحج البيت العتيق ثم شاء الله أن تُلزِمُهُ الأحداث والظروف أن يذهب ليكون إلى جوار أرض الرباط ثم يأخذ الله بناصيته ويقوي قلبه وعزمه ليتردد على أرض المعركة ثم ينال أعظم خاتمة –نرجو له ذلك-. ذلك وقد وردت في السنة النبوية على لسان النبي صلى الله عليه وسلم حيث أن أفضل الشهداء عند الله هو قتيل المعركة الذي مات وضحى بنفسه وجاد بها في سبيل نصرة دين الله وإعلاء كلمته في الأرض وتحكيم شرعه وتوحيد عبادته.

مات مروان في تدبير عجيب من ربِّ العزة له لينال أفضل موته يتمناها أي مسلم صادق محب لدينه. ويبقى السؤال لكل واحد فينا ماذا رتَّبتَ مع الله ليرتب لك الله نهاية مثل نهاية مروان سلام.

اللهم اغفر لمروان ومهند سلام وارفع درجتهما في المهديين واخلفهما في عقبهما في الغابرين واغفر لنا ولهما  يا رب العالمين وأفسح لهما في قبريهما ونور لهما فيه.

اللهم اغفر لهما وارحمهما وعافهما واعف عنهما وأكرم نزلهما ووسع مدخلهما واغسلهما بالماء والثلج والبرد ونقِّهِما من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدلهما داراً خيراً من دارهما وأهلاً خيراً من أهلهما وزوجين خيراً من زوجيهما وأدخلهما الجنة وأعِذهُما من عذاب القبر وعذاب النار.


اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذَكرَنا وأُنثانا اللهم من أحييته مِنَّا فأحيِه على الإسلام ومن أمَتَّه مِنَّا فأمِتهُ على الإيمان اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تضلنا بعدهم.

عابر سبيل