(1) تعريف الاعتكاف ومشروعيته

عبد السلام حمود غالب الأنسي

نمرُّ هذه الأيام بالأيام الأخيرة وما يُسمَّى العشر الأواخر من رمضان ومن السنن التي فيها سنة الاعتكاف.. لقد جمعت ونقلت حول الموضوع بصورةٍ مختصرة ومن الموسوعة الفقهية وكذلك الفقه الإسلامي وأدلته ما تعم به الفائدة وهي مباحث أنقل كل يوم ومبحث للفائدة..

  • التصنيفات: فقه الصيام - ملفات شهر رمضان -

نمرُّ هذه الأيام بالأيام الأخيرة وما يُسمَّى العشر الأواخر من رمضان ومن السنن التي فيها سنة الاعتكاف..

لقد جمعت ونقلت حول الموضوع بصورةٍ مختصرة ومن الموسوعة الفقهية وكذلك الفقه الإسلامي وأدلته ما تعم به الفائدة وهي مباحث أنقل كل يوم ومبحث للفائدة..

المبحث الأول: تعريف الاعتكاف ومشروعيته والهدف منه، ومكانه وزمانه.

1- تعريفه:

الاعتكاف لغة: اللبث وملازمة الشيء أو الدوام عليه خيرًا كان أو شرًا. ومنه قوله تعالى: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف من الآية:138]، وقوله: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء من الآية:52] وقوله سبحانه: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ} [البقرة من الآية:187].

وشرعًا له تعاريف متقاربة في المذاهب..

قال الحنفية: "هو اللبث في المسجد الذي تقام فيه الجماعة، مع الصوم، ونية الاعتكاف، فاللبث ركنه؛ لأنه ينبئ عنه، فكان وجوده به، والصوم في الاعتكاف المنذور والنية من شروطه. ويكون من الرجل في مسجد جماعة: وهو ما له إمام ومؤذن، أُديت فيه الصلوات الخمس أو لا، ومن المرأة: في مسجد بيتها؛ وهو محل عينته للصلاة، ويكره في المسجد، ولا يصح في غير موضع صلاتها من بيتها".

وقال المالكية: "هو لزوم مسلم مميز مسجدًا مباحًا لكل الناس، بصوم، كافًا عن الجماع ومقدماته، يومًا وليلة فأكثر، للعبادة، بنية. فلا يصح من كافر، ولا من غير مميز، ولا في مسجد البيت المحجور عن الناس، ولا بغير صوم، أي صوم كان: فرض أو نفل، من رمضان أو غيره، ويبطل بالجماع ومقدماته ليلًا أو نهارًا، وأقله يوم وليلة ولا حدَّ لأكثره، بقصد العبادة بنية، إذ هو عبادة، وكل عبادة تفتقر للنية".

وعبارة الشافعية: "هو اللبث في المسجد من شخص مخصوص بنية".

وعبارة الحنابلة: "هو لزوم المسجد لطاعة الله، على صفة مخصوصة، من مسلم عاقل ولو مميزًا، طاهر مما يوجب غسلًا، وأقله ساعة، فلا يصح من كافر ولو مرتدًا، ولا من مجنون ولا طفل، لعدم النية، ولا من جنب ونحوه ولو متوضئًا، ولا يكفي العبور، وإنما أقله لحظة".

2- وأدلة مشروعيته:

الأدلة على مشروعيته من الكتاب والسنة والإجماع:

فمن الكتاب: قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ}، ومثله قوله تعالى: {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة من الآية:125] فالإضافة في الآية الأولى إلى المساجد المختصة بالقربات، وترك الوطء المباح لأجله، دليل على أنه قربة.

ومن السنة: لما روى ابن عمر وأنس وعائشة أن "النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله تعالى"، وقال الزهري: "عجبًا من الناس! كيف تركوا الاعتكاف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل الشيء ويتركه، وما ترك الاعتكاف حتى قُبِض".

ومن الإجماع لم يخالف أحد ويقول بعدم سنية ومشروعية الاعتكاف فكان إجماع وهو من الشرائع القديمة، قال الله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة من الآية:125].

3- والهدف منه:

صفاء القلب بمراقبة الربّ والإقبال والانقطاع ع إلى العبادة في أوقات الفراغ، متجردًا لها، ولله تعالى، من شواغل الدنيا وأعمالها، ومسلِّمًا النفس إلى المولى بتفويض أمرها إلى عزيز جنابه والاعتماد على كرمه والوقوف ببابه، وملازمة عبادته في بيته سبحانه وتعالى والتقرُّب إليه ليقرب من رحمته، والتحصُّن بحصنه عز وجل، فلا يصل إليه عدوه بكيده وقهره، لقوة سلطان الله وقهره وعزيز تأييده ونصره.

فهو من أشرف الأعمال وأحبها إلى الله تعالى إذا كان عن إخلاص لله سبحانه؛ لأنه منتظر للصلاة، وهو كالمصلي، وهي حالة قرب.

فإذا انضم إليه الصوم عند مشترطيها ازداد المؤمن قربًا من الله بما يفيض على الصائمين من طهارة القلوب، وصفاء النفوس.

وأفضله في العشر الأواخر من رمضان ليتعرَّض لليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر.

4- وزمانه:

أنه مستحب كل وقت في رمضان وغيره، وأقله عند الحنفية نفلًا: "مدة يسيرة غير محدودة، وإنما بمجرد المكث مع النية، ولو نواه ماشيًا على المفتي به؛ لأنه متبرع، وليس الصوم في النفل من شرطه، ويعد كل جزء من اللبث عبادة مع النية بلا انضمام إلى آخر. ولا يلزم قضاء نفل شرع فيه على الظاهر من المذهب؛ لأنه لا يشترط له الصوم".

وأقله عند المالكية: "يوم وليلة، والاختيار: ألا ينقص عن عشرة أيام، بمطلق صوم من رمضان أو غيره، فلا يصح من مفطر، ولو لعذر، فمن لا يستطيع الصوم لا يصح اعتكافه".

والأصح عند الشافعية: "أنه يشترط في الاعتكاف لبث قدر يُسمَّى عكوفًا أي إقامة، بحيث يكون زمنها فوق زمن الطمأنينة في الركوع ونحوه، فلا يكفي قدرها، ولا يجب السكون، بل يكفي التردُّد فيه".

وأقله عند الحنابلة: "ساعة أي ما يُسمَّى به معتكفًا لابثًا، ولو لحظة. فالجمهور على الاكتفاء بمدة يسيرة، والمالكية يشترطون لأقله يومًا وليلة".

5- ومكانه:

عند الحنفية للرجل أو المميز في مسجد الجماعة: "وهو ما له إمام ومؤذن، سواءً أديت فيه الصلوات الخمس أو لا، وأما الجامع فيصح فيه مطلقًا اتفاقًا، [بدليل قول ابن مسعود رضي الله عنه: لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة]، وللمرأة في مسجد بيتها؛ وهو المعد لصلاتها، الذي يندب لها ولكل أحد اتخاذه".

وعند الحنابلة: "لا يجوز الاعتكاف من رجل تلزمه الصلاة جماعة إلا في مسجد تقام فيه الجماعة، فلا يصح بغير مسجد بلا خلاف، لقوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ}،  فلو صح في غيرها لم تختص بتحريم المباشرة؛ إذ هي محرّمة في الاعتكاف مطلقًا. وإنما اشترط كون المسجد مما يجمع فيه؛ لأن الجماعة واجبة، واعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضي إلى أحد أمرين: إما ترك الجماعة الواجبة، وإما خروجه إليها، فيتكرَّر ذلك منه كثيرًا مع إمكان التحرُّز منه، وذلك مناف للاعتكاف؛ وهو لزوم المعتكف والإقامة على طاعة الله فيه".

ويصح الاعتكاف في كل مسجد في الحالات التالية:

1- إن كان الاعتكاف مدة غير وقت الصلاة كليلة، أو بعض يوم، لعدم المانع. وإن كانت الجماعة تقام في مسجد في بعض الزمان، جاز الاعتكاف فيه في ذلك الزمان دون غيره.

2- إن كان المعتكف ممن لا تلزمه الجماعة كالمريض والمعذور والمرأة والصبي ومن هو في قرية لا يصلي فيها سواه، فله أن يعتكف في كل مسجد؛ لأن الجماعة غير واجبة عليه. ولا يصح للمرأة الاعتكاف في مسجد بيتها؛ لأنه ليس بمسجد حقيقة ولا حكمًا، ولو جاز لفعلته أمهات المؤمنين، ولو مرة، تبيينًا للجواز.

وإذا اعتكفت المرأة في المسجد، استحب لها أن تستتر بشيء؛ لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما أردن الاعتكاف أمرن بأبنيتهن، فضربن في المسجد، ولأن المسجد يحضره الرجال، وخير لهم وللنساء ألا يرونهن ولا يرينهم.

ولا يصح الاعتكاف ممن تلزمه الجماعة في مسجد تقام فيه الجمعة دون الجماعة إذا كان يأتي عليه وقت صلاة، حتى لا يترك الجماعة.

ويلاحظ أن سطح المسجد ورحبته المحطوطة به وعليها باب، ومنارته التي تكون فيه أو التي بابها فيه من المسجد، بدليل منع الجنب من الدخول فيما ذكر.

وكذا كل ما زِيد في المسجد حتى في الثواب يعد من المسجد، ولو المسجد الحرام ومسجد المدينة، لما روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو بني هذا المسجد إلى صنعاء، كان مسجدي» وقال عمر رضي الله عنه لما زاد المسجد: "لو زدنا فيه حتى يبلغ الجبانة، كان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم".

ولو اعتكف من لا تلزمه الجمعة كالمسافر والمرأة في مسجد لا تصلى فيه الجمعة، بطل اعتكافه بخروجه إليها إن لم يشترط الخروج إليها؛ لأنه خروج لازم لا بُدَّ له منه.

والأفضل الاعتكاف في المسجد إذا كانت الجمعة تتخلله، لئلا يحتاج إلى الخروج إليها، فيترك الاعتكاف، مع إمكان التحرُّز منه.

ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد غير المساجد الثلاثة، فله فعل المنذور من اعتكاف أو صلاة في غيره؛ لأن الله تعالى لم يُعيِّن لعبادته موضعًا، فلم يتعيَّن بالنذر، ولو تعيَّن لاحتاج إلى شدِّ رحل.

وإن نذر الاعتكاف أو الصلاة في أحد المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، لم يجزئه في غيرها، لفضل العبادة فيها على غيرها، فتتعين بالتعيين. وله شد الرحال إلى المسجد الذي عينه من الثلاثة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: «لا تشد الرحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا».

وأفضلها المسجد الحرام، ثم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم المسجد الأقصى، فإن عيَّن الأفضل منها وهو المسجد الحرام في نذره، لم يُجزئه الاعتكاف ولا الصلاة فيما دونه، لعدم مساواته له.

وقال المالكية: "مكان الاعتكاف هو المساجد كلها، ولا يصح في مسجد البيوت المحجورة، ومن نوى الاعتكاف مدة يتعيَّن عليه إتيان الجمعة في أثنائها، تعيَّن الجامع، لأنه إن خرج إلى الجمعة، بطل اعتكافه. ويلزم الوفاء بالنذر في المكان الذي عيَّنه الناذر، فإذا عيَّن مسجد مكة أو المدينة في نذر الصلاة أو الاعتكاف، وجب عليه الوفاء فيهما. والمدينة عند المالكية أفضل من مكة، ومسجدها أفضل من المسجد الحرام، ويليهما المسجد الأقصى، لما رواه الدار قطني والطبراني من حديث رافع بن خديج: «المدينة خير من مكة» ولما ورد في دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم كما أخرجتني من أحب البلاد إليَّ، فأسكني في أحب البلاد إليك» وروى الطبراني عن بلال بن الحارث المزني: رمضان بالمدينة خير من ألف رمضان فيما سواها من البلدان، وجمعة بالمدينة خير من ألف جمعة فيما سواها من البلدان".

وكذلك قال الشافعية: "إنما يصح الاعتكاف في المسجد، سواءً في سطحه أو غيره التابع له، والجامع أولى بالاعتكاف فيه من غيره، للخروج من خلاف من أوجبه، ولكثرة الجماعة فيه، وللاستغناء عن الخروج للجمعة.

ويجب الجامع للاعتكاف فيه إن نذر مدة متتابعة فيها يوم الجمعة، وكان ممن تلزمه الجمعة، ولم يشترط الخروج لها.

والجديد أنه لا يصح اعتكاف امرأة في مسجد بيتها -وهو المعتزل المهيأ للصلاة-؛ لأنه ليس بمسجدٍ بدليل جواز تغييره ومكث الجُنب فيه، ولأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن كن يعتكفن في المسجد، ولو كفى بيوتهن لكان لهن أولى.

وإن نذر أن يعتكف في مسجد غير المساجد الثلاثة بعينه، جاز -كما قال الحنابلة- أن يعتكف في غيره؛ لأنه لا مزية لبعضها على بعض، فلم يتعيَّن.

وإن نذر أن يعتكف في أحد المساجد الثلاثة (المسجد الحرام ومسجد المدينة والأقصى) تعيَّن، ولزمه أن يعتكف فيه، لما روى عمر رضي الله عنه، قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أوفِ بنذرك» (رواه البخاري)، ويقوم المسجد الحرام مقامهما لمزيد فضله عليهما وتعلق النسك به، ولا عكس، فلا يقومان مقام المسجد الحرام؛ لأنهما دونه في الفضل، ويقوم مسجد المدينة مقام الأقصى؛ لأنه أفضل منه، ولا عكس، لأنه دونه في الفضل".

والخلاصة:

إن المالكية والشافعية يُجيزون الاعتكاف في أي مسجد، والحنفية والحنابلة يشترطون كونه في المسجد الجامع، ولا يجوز عند الجمهور الاعتكاف في مسجد البيوت، ويجوز ذلك للمرأة عند الحنفية.

انتهى المبحث الأول..

ــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

- (الموسوعة الفقهية).

- (الفقه الإسلامي).

- (الأدلة: للزحيلي دون تصرُّف إلا في الترتيب والترقيم أحيانًا).
 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام