موقفنا تجاه العراق

محمد بن موسى الشريف

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
لقد تكالب الأعداء على الأمة الإسلامية وتداعوا عليها ، وأحاطوا بها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً إحاطة السوار بالمعصم ، وأصبحنا مهددين في عقر ديارنا وفي أماكن شتى من بلادنا الإسلامية ، وما ذاك إلا بما قدمت أيدينا وكسبت وما الله بظلام للعبيد ، وهو يعفو عن كثير جل جلاله .

وقد كثرت أسئلة المسلمين : ما العمل ؟ وما الحل ؟ وكيف نخرج من صحراء التيه هذه إلى جنة الطاعة ؟ وكيف نعمل لقشع هذه الغمة وكشف الكربة ؟ وأقول: إن كل مسلم مطالب بعمل شيء يقوم به منفرداً وشيء آخر يقوم به مع إخوانه، وبقي هنالك للحكومات عمل ثالث ألا وهو التكاتف والاجتماع والنية الصادقة في تطبيق شرع الله تعالى وسياسة المجتمع به.

أما ما يقوم به المسلم مع إخوانه فهو التواصي بالحق والتواصي بالصبر، والحيلولة دون اليأس أن يغشى النفوس والإحباط أن يغزو القلوب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة الشعائر ، والسعي الجاد للدعوة إلى الله تعالى وإرشاد الناس وهدايتهم .

والسؤال الأكبر هو: ما هو الشيء الذي ينبغي أن يعمله كل منا على انفراد ، ويتقرب به إلى الله تعالى في هذه الأزمة الملمة والكربة المدلهمة ؟ وأقول والله أعلم: إن كل مسلم قادر على عمل التالي ، لا عذر له عند الله تعالى إن لم يعمله ولم يجتهد لتحقيقه :

  • العزم على التغيير إلى الأحسن والأفضل :
    في عبادته ومعامله وسلوكه وخلقه، فقد قال تعالى : { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } فكيف نرجو من الله نصراً وعزاً وأكثرنا بعيد عن سبيل النصر لسوء سلوكه وضعف عبادته وقلة طاعته ؟! وهناك طائفة عظيمة من الناس متحمسة كل التحمس لعمل شيء تغير به واقعها ، وتجدهم يصيحون في وسائل الإعلام ويقترحون الاقتراحات الكثيرة لكنهم لم يفطنوا لهذه القاعدة المهمة : { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } فتجدهم لا يحسنون القيام بالعبادات المفروضة ولا يضبطون سلوكهم بمقتضى الشرع ، ومعاملاتهم مع الخلق منكوسة أو منقوصة فأنى يحقق لهم التغيير المنشود ؟ !

الدعاء :
وهو عبادة جليلة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « الدعاء سلاح المؤمن » وما أحوجنا اليوم إلى سلاح في زمان الضعف هذا ، والدعاء إذا صدر من مظلوم أو مضطر تفتح له أبواب السماء فكيف وقد اجتمعا فينا اليوم فنحن مظلومون ونحن وقد وصلنا إلى حافة الاضطرار ، والله تعالى يقول : { أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض } ، ويقول الله تعالى عن دعوة المظلوم بعد أن يرفعها فوق الغمام : ( وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين) فلا يستهين المرء بالدعاء ، ولا يقلل من شأنه فهو كنز عظيم ، وعبادة يستطيع القيام بها في كل الأوقات والأمكنة، وقد كان هذا الأمر ديدن النبي صلى الله عليه وسلم في الكروب والأزمات ، وسيرته شاهدة بذلك صلى الله عليه وسلم.

  • التبرع بالمال :
    والمال اليوم عصب الحياة، وإنفاقه في الشدائد ليس مثل إنفاقه في الرخاء، وإخوانك ينتظرون منك أن تدعمهم بالمال، وليس وراء ذلك إلا التخاذل والضعف، فلا يحقرن امرؤ شيئاً يقدمه في سبيل الله ولو ريالاً واحداً، وهذا باستطاعة كل الناس موظفيهم وطلابهم، رجالهم ونسائهم ، كبارهم وصغارهم ، وحسبكم حديث النبي صلى الله عليه وسلم :  « من تصدق بعدل تمرة - أي بما يساوي قيمة تمرة - من طيب كسبه ، والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً تقبلها الله منه بيمينه ، ورباها له كما يربي أحدكم فلوه - أي المهم الصغير - حتى يأتي يوم القيامة فيجدها مثل أحد» الله أكبر !! تمرة يجدها مثل أحد فكيف لو أنفق أكثر وأكثر ، وكيف لو أنفق في أوقات الشدائد والأزمات والصعوبات ، فالله الله في التبرع بالمال ، ولا يبخل أحد به فهذا ليس وقت البخل.

  • معرفة أخبار المسلمين ونشرها :
    ينبغي أن يجتهد المرء المسلم في معرفة أخبار المسلمين ، ومن ثم ينشرها ويحاول إبلاغها لكل من يعرف ومن لا يعرف ، وينبغي أن ننزه مجالسنا في هذه الأيام من الغيبة والنميمة وتداول الأخبار التافهة الصغيرة ، وأن نرتقي إلى هموم الأمة وما يشغلها ، ومن أعرض عن حال الأمة في هذه الأيام فمتى يلتفت إليها ؟ ! هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر » فهل نحن كذلك ؟ وهل ما نحن فيه تبرأ به ذمتنا أمام الله تعالى يوم القيامة ؟ أخشى أن أقول : اللهم لا ، اللهم لا.

  • المقاطعة :
    وهو سلاح فريد رائع ، ينم عن عزة في النفوس ورغبة في عمل أي شيء يعود على مجموع الأمة بالخير والنفع ، وينبغي أن نقاطع بضائع أعدائنا مقاطعة تامة - خاصة البضائع الأمريكية والبريطانية - فإننا إن لم نصنع فأخشى أن يصيبنا الله تعالى بعذاب والعياذ بالله ، إذ كيف ننعم بطعامهم وشرابهم ولباسهم ومركوبهم وهم يساعدون أعداءنا ضدنا في كل مكان ؟ فهؤلاء الأمريكان - على سبيل المثال - يساعدون اليهود ضدنا ، ويساعدون الصليبيين في الفلبين ضد مسلميها ، ويساعدون الهنادكة عباد البقر ضد الكشميريين ، ويساعدون الروس الملحدين ضد الشيشانيين ، فماذا بقي بعد هذا من عداوة سافرة وتحد صليبي واضح ظاهر ، وهل يكون غاندي عابد البقر أحسن من المسلم عابد الله ؟ فهو قد قاطع البضائع البريطانية ولبس الساري الهندي وشجع مئات الملايين من أبناء ملته وشعبه حتى اتبعوا خطاه فذلت بريطانيا ورغم أنفها وانسحبت من الهند، فهل يكون هؤلاء أحسن حالاً منا ؟ ! إن المقاطعة سلاح اقتصادي مرعب لو أحسنا استعماله معشر المسلمين ونحن ألف وثلاثمائة مليون لخرجنا بنتائج عجيبة رغم أنف المشككين والمخذلين عن جهل أو عن غرض، ولقد رأينا شيئاً من آثار المقاطعة أيام جنين لكننا أمة ذات نفس قصير ولا نكاد نواصل خطة رشد بدأناها ولا نكاد نفرغ من إبرام حسن رأيناه !! والمقاطعة حولها كلام طويل لكن حسبي أن أقول: لنفترض جدلاً أنها لا تعود على الأعداء بسوء - وهذا منتقض ظاهر عواره - ألا تكون معبرة عن موقف عزيز يقفه المسلم ليعلن على الملأ وعلى العالمين : أنا مسلم لا أرضى الذل والهوان؟!! والمقاطعة يستطيعها كل مسلم ولا ريب، ولا يجبره أحد على شراء ما لا يريد.

  • عدم السياحة والاستثمار في بلاد أعدائنا :
    كثير من المسلمين يصطاف في بلاد الغرب ويستثمر أمواله هنالك ، وهذا يعود على اقتصادهم بالفوائد العظيمة ، فإذا عرفنا أن الأموال التي تنفق وتستثمر تقدر بمئات البلايين ، وإذا عرفنا أن كثيراً من عوائدها يصب في جيوب أعدائنا مباشرة علمنا مقدار الجرم الذي نرتكبه في حق إخواننا ، وأقول إن أرض الله واسعة ، ويسع المسلم أن ييمم وجهه تلقاء بلاد المسلمين لينفعهم وينعش اقتصادهم.

    وبعد : فهذه شذرات فيما يمكن لكل منا أن يصنعه على انفراد ، وأن يقوم به بلا جهد ولا كلفة ، ولا انتظار لموقف سياسي ، أو تحرك عسكري ، فهل نحن فاعلون ؟ ! وهل نري الله تعالى من أنفسنا عملاً إيجابياً نقدم به عليه ويعذرنا تعالى به ؟ كفانا صياحاً وعويلاً ولننتقل إلى عمل إيجابي مؤثر في دنيا الناس ، فقد سمع الناس صياحنا طويلاً فهل يرون عملنا ؟ !
المصدر: خاص بإذاعة طريق الإسلام