الطيب والخبيث (1)

صالح بن عبد العزيز آل الشيخ

الله جل وعلا يحب الطيبين من الناس، ويبغض الخبيثين من الناس.

الله جل وعلا يرفع الطيب من المال ويبارك لأصحابه فيه، ويخفض الخبيث من المال ويجعله وبالاً على أصحابه.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لا يقبل إلا طيّباً، الحمد لله الذي جعل الجنة طيبة وداراً للطيبين، وجعل النار خبيثة وداراً للخبيثين، الحمد لله الذي جعل الطيبات للطيبين، وجعل الخبيثين للخبيثات.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وصفيُّه وخليله، بشّر وأنذر، وأوصى بتقوى الله عز وجل، وأوصى حين احتضاره عليه الصلاة والسلام أوصى بالصلاة وعظّم أمرها، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها المؤمنون اتقوا الله حق التقوى.

 عباد الله يقول الله تبارك وتعالى وتقدّس وتعاظم ﴿قُلْ لاَ يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[المائدة:100]، فهذا بيان من الله جل وعلا وحُكْمٌ منه أنه لا يستوي عنده الخبيث والطيب؛ بل لا يستوي الطيّب والخبيث مطلقاً، فالطيّب مفضّل الطيب في أعلى الدرجات والخبيث في أسفل سافلين في أسفل الدرجات.

الخبيث من الأقوال يُدنيه الله جل وعلا في جهنم، والطيّب من الأقوال يرفعه الله جلّ وعلا في الجنة في دار كرامته.

الطيّب من الأعمال يحبّه الله جل وعلا، فإنّ الله طيب لا يحبّ إلا طيباً.

إن الله جل جلاله طيب يحب الطيب من القول ويحب الطيب من العمل ويضاعفه لأصحابه.

 الله جل وعلا يحب الطيبين من الناس، ويبغض الخبيثين من الناس.

 الله جل وعلا يرفع الطيب من المال ويبارك لأصحابه فيه، ويخفض الخبيث من المال ويجعله وبالاً على أصحابه.

وهذه أنحاء أربعة يكون فيها الطِّيب والخبيث، طيب في الأقوال، وطيب في الأفعال والأعمال، وطيب في الناس، وطيب في الأموال، وما يقابلها خبث في الأقوال، وخبث في الأعمال، وخبث في الناس، وخبث في الأموال.

وعلى هذا فلنعلم أن قول الله جل وعلا ﴿قُلْ لاَ يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثُ﴾[المائدة:100]، نهيٌ لنا أن نُعْجَب بالخبيث، نهي لنا أن نعجب بالكثير إذا لم يكن طيباً، فالله جل وعلا أمر ونهى بأن نكون طيّبين في أقوالنا وأعمالنا وذواتنا وأموالنا، ونهانا أن نَّكون من الخبيثين في أقوالنا وفي أعمالنا وفي ذواتنا وفي أموالنا.

فانظر -رحمك الله- هل يستوي الذي طاب لسانه وطاب قِيله وقوله؟ فهو لا يقول إلا القول الطيب، إذا حضرت مجلسه وجدته طيباً مطيباً إنما يذكر القول الحسن الذي فيه إرشاد للخير أو الذي فيه صلة أو الذي فيه إصلاح بين الناس، ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾[النساء:114]، من الناس من أقوالُه طيبة؛ طيب في لسانه، لا ينطق إلا بكلام طيِّب حسن يُسَرُّ به سامعه ويقرِّبه إلى مولاه ويباعده من نَزَغَات الشياطين، فهل يستوي من طاب لسانه مع ذلك الرجل الآخر -أو مع تلك المرأة الأخرى- الذي إذا تكلم -أعني الرجل- فإنما يتكلم بخبيث من القول؛ في غيبة أو بنميمة، أو بتفريق بين الناس، أو بنقل القالة فيما بينهم ليوغر صدر فلان من إخوانه المسلمين على الآخر، إذا تكلم فإنما يتكلم بالخبيث؛ يرشد إلى منكر أو يحبب إلى خبيث، ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾[هود:24]، لا يستوي اللسان الطيب واللسان الخبيث، ولو قلّ كلام من لسانه الطيب وهو أزكى عند الله جل وعلا، وإن ظنه الناس في عِيِّ من القوم وعدم إفصاح وإنما ينطق بالحق وبما يقرّبه إلى ربه جل وعلا، قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ في وصيته له «وكُفَّ عليْك هذا» قال: يا رسول الله أو إنا مؤاخذون بما نقول؟ قال «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ». 

----------------------------------------------

من خطبة للشيخ في كتاب "الطيب والخبيث"