الطيب والخبيث (2)
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
والطيب هو الذي باركه الله جل وعلا ويرفعه وينميه ويزكيه؛ لأن الله جل وعلا طيب لا يحب إلا طيبا، كذلك الطيب من المال، والخبيث من المال لا يستويان، فالطيب من الأموال وإن قل فمآله إلى بركة مآله إلى خير، بعض الناس تضيق عليه سبل الكسب فلا يجد إلا قليلا طيبا فليفرح بذلك الطيب القليل؛ لأنّ معه بركة الله جل وعلا
- التصنيفات: الدعوة إلى الله -
أيها المؤمنون: لا يستوي ذو الطيّب من الأعمال؛ ذو الطيب من الأفعال وذاك ذو خُبْث في الأعمال وذو خبث في الأفعال.
هذا الطيب في عمله إذا رأيته رأيت عمله طيبا، رأيت عمله حسنا، رأيت عمله يحبب إلى الله ويحبب إليه الناس، وهو لا يسعى إلا بعمله، يُسَرُّ به من رآه، طيب في عمله، مؤد لأمانته العظمى بحق الله جل وعلا، بأداء فرائض الله بأداء الواجبات التي أوجبها رب الأرض والسماوات، إذا عمل فإنما يعمل على وفق الشرع، فهو طيب في أعماله راعٍ لأمانته في وظيفته، إذا استُرعي على مال حفظه، إذا اُسْترعي على أيتام حفظهم وحفظ أموالهم، إذا استرعي على ولده حفظه حفظ تربيته، فهو طيّب في عمله طيّب في فعله، والله جل وعلا طيب يحب الطيبين والجنة دار للطيبين.
فهل يستوي هذا وذاك الآخر الخبيث في عمله، الخبيث في فعله، تراه لم يرع أمانة الله، وفرّط في واجبات الله لم يؤدِّ الصلوات، وخان الأمانة لم يؤدِّ زكاة المال، إذا استرعي على عمل خان، إذا استرعي على مال أكله، استرعي على وظيفة ارتشى وغشّ وخان، وهذا عمله خبيث، وعمله مُوبِقٌ له، إذا رأيت هؤلاء كثيرين، والطيبين قليلين الذين يَرعَوْن أمانتهم تذكَّر قول الله جل وعلا {قُلْ لاَ يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثُ} [المائدة:100]، بعض الناس إذا رأى الأكثرين تسارعوا في الخبيث من الأقوال والخبيث من الأعمال، في ثمرة الطيب من الأعمال وثمرة الطيب من الأعمال، يقول الناس كلهم كذلك، فيحمله ذلك الظن على ألا يكون طيبا في قوله وفي عمله وفعله، وهذا من مداخل الشيطان على القلوب، وربّك جلّ وعلا يقول {قُلْ لاَ يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثُ}.
كذلك الطيّب من الناس لا يستوِي مع الخبيث من الناس، المؤمن التّقي الموحِّد لله الذي أخلص قوله وعمله لله؛ فليس في قلبه عمل لغير الله، إنما هو مخبت لله، مخلص في قوله، مخلص في توجهاته لله، طاب ذاتا وقلبا، فليس في قلبه إلا محبة الله، ليس في قلبه إلا محبة رسول الله، يبغض الشرك وأهله والبدع وأهلها، يبغض ذلك متقربا بذلك إلى الله، ويجاهد في ذلك يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، هل يستوي هو والآخر الذي لا يحب السنة وأهلها، الذي لا يرفع رأسا بأعظم واجب ألا وهو توحيد الله، يتساهل في ذلك؛ إما في نفسه أو فيمن حوله أو في دعوته، كلّ ذلك لا يستوي عند الله، {قُلْ لاَ يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثُ} إذا كثر أولئك فَلْنَتَعَزَّ بقول الله جل وعلا {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]، وقال جل وعلا في وصف من آمن مع نوح {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} [هود:40].
والطيب هو الذي باركه الله جل وعلا ويرفعه وينميه ويزكيه؛ لأن الله جل وعلا طيب لا يحب إلا طيبا، كذلك الطيب من المال، والخبيث من المال لا يستويان، فالطيب من الأموال وإن قل فمآله إلى بركة مآله إلى خير، بعض الناس تضيق عليه سبل الكسب فلا يجد إلا قليلا طيبا فليفرح بذلك الطيب القليل؛ لأنّ معه بركة الله جل وعلا، لأن معه أن يكون نماء جسده ونماء دمه ونماء جسد أولاده من أموال طيّبة يحبها الله، فإذا رفع ذلك الذي تحرَّى المال الطيب لديه إلى الله كان حريّا بأن تقبل دعوته، كان حريّا بأن يجيبه الله جل وعلا، وكذلك لا يستوي هذا الرجل وذلك الآخر الذي ترى في عزٍّ وفي مال وفير يتنوع في الملابس ويتنوع في المراكز وهي ليست من مال حلال، وإنما هي إما من رِشوة وإما من ربا وإما من غش وإما من خيانة في أموال المسلمين، فلا يستوون عند الله، لا يستوون أبدا، فذلك وإن كَثُر ماله فإنما هو مال خبيث وبال، ماله وبال عليه في هذه الدنيا وفي الآخرة، وإذا غُذِي به جسده فإنه متوعد بأن لا يجيب الله دعوته، ثبت في صحيح مسلم أن النبي ذكر الرجل يمدّ يديه إلى السماء يا رب يا رب قال عليه الصلاة والسلام « » إنّ الله جل جلاله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال جل جلاله {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون:51].
أيها المؤمنون لا يستوي الخبيث والطيب؛ لا في القول، ولا في العمل، ولا في الذوات، ولا في المال؛ ولكن الشأن كل الشأن من يروم ربه جل وعلا، من يخلص لربه، من يروم جنته، من يروم دار الخلد ودار الكرامة ودار الطيبين، فيصبر على أن لا يقول إلا طيبا ولا يعمل إلا طيبا، ولا يكسب إلا طيبا، فإنما ذلك يحتاج إلى صبر {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10].
أسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى أن يجعلني وإياكم من الذين طابت أقوالهم وأعمالهم وطابوا ذاتا ونفسا.
اللهم اجعلنا وذرارينا ومن نحب من الطيبين المطيبين الذين رضيت أقوالهم ورضيت أعمالهم، واسمع قول الله جل وعلا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:100].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.