الطيب والخبيث (3)

صالح بن عبد العزيز آل الشيخ

بعض الآباء طيب في معاملته مع أولاده إذا عملوا أمرا يقرّه الشرع ساعدهم على ذلك وحبَّب إليهم ذلك، وآخرون ليسوا كذاك بل هم في وجه المطيعين من أبنائهم يصدُّونهم عن الطاعة ويحببون إليهم بطريق ظاهرة أو بطريقٍ خفية يحببون إليهم أن يبتعدوا عن الطاعة، وأولئك عليهم أن يخافوا الله جل وعلا من سوء الخاتمة، وبأن يُحشروا مع الذين لا يَسُرُّ العبد أن يحشر معهم.

  • التصنيفات: محاسن الأخلاق -

الحمد لله حق حمده، أُثني عليه الخير كلَّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن أحسن الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدى هدي محمد بن عبد الله، وشرَّ الأمور محدثاتُها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله مع الجماعة، وعليكم بتقوى الله عز وجل عليكم بتقوى الله فإنّ بالتقوى فخاركم وسعادتكم ورفعتكم في هذه الدنيا وفي الدار والأخرى.

أيها المؤمنون لا يستوي الطيبون من الذرية، لا يستوي الطيبون من الأولاد وأولئك الخبثاء من الأولاد، تجد الطيب من الأولاد بارًّا بوالديه، قريبا من والديه، يسعى في خدمتهما، يسعى في إرضائهما ممتثلا به ذلك أمر الله جل وعلا حيث قال  {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا(23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:23-24]، لا يذكر من القول إلا القول الكريم الذي هو أحسن الأقوال، لا يجابه والده ولا أمه، وكل منها له أعظم الحق، أعظم حق البشر للبشر، فإذا كان كذاك كان المؤمن الطيب ساعيا في أحسن القول، ساعيا في أحسن العمل، أولئك هم الطيبون من الأولاد الطيبون من الذرية؛ الذين يرومون إرضاء والديهم بأنواع ما يرضونهم به مما هو في طاعة الله جل وعلا، هل يستوون مع أولئك الذين خبثت ذواتهم في أن وُكِلوا في أنفسهم وتسلط الشيطان عليهم، ولم يتوبوا إلى الله فتجدهم عاقين بوالديهم، عاقين بأمهاتهم، يدخلون البيوت ولا يكونون إلا أشر القوم، ويخرجون وهم لا يعينون والديهم لا في أمر صغير ولا كبير، تبعتهم على والديهم كبيرة، إذا تَكلموا تكلموا بالخنى يفرطون في واجبات الله لا يؤدون الصلاة، وآباؤهم وأمهاتهم قلوبهم في حسرة على أولئك وعلى تلك الذرية، أولئك عليهم أن يتخلصوا من ذلك الخبث الذي جعله الشيطان في أنفسهم، وأن يكونوا طيبين مع آبائهم طيبين مع أمهاتهم أعظم الطيب ابتغاءً لوجه الله جل وعلا ثم إرضاء لوالديهم، فكما تدين تُدان.

كذلك بعض الآباء طيب في معاملته مع أولاده إذا عملوا أمرا يقرّه الشرع ساعدهم على ذلك وحبَّب إليهم ذلك، وآخرون ليسوا كذاك بل هم في وجه المطيعين من أبنائهم يصدُّونهم عن الطاعة ويحببون إليهم بطريق ظاهرة أو بطريقٍ خفية يحببون إليهم أن يبتعدوا عن الطاعة، وأولئك عليهم أن يخافوا الله جل وعلا من سوء الخاتمة، وبأن يُحشروا مع الذين لا يَسُرُّ العبد أن يحشر معهم.

ذلك أيها المؤمنون أمر عظيم يجب علينا أن نتنبه له، وأن نكون آباء كنَّا -أو أولادا- أن نكون طيبين ساعين في ذلك في كل ما نستطيع.

اللهم واجعلنا كذلك، وباعد بيننا وبين كل أمر لا تحبه ولا ترضاه.

عباد الله: إن الله جل جلاله أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته، فقال قولا كريما   {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، وعنّا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك الموحدين.

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ودلهم على الرشاد، وباعد بينهم وبين سبل أهل البغي والفساد.

اللهم واجعل ولايتنا لمن خافك واتقاك واتبع رضاك وحكم بشرعك، يا أكرم الأكرمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم إنا نسألك أمنا وإيمانا.

اللهم إنا نسألك أن ترفع عنا الربا والزنا وأسبابه، وأن تدفع عنا الزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا هذه بخاصة وعن سائر بلادنا بعامة يا رب العالمين.

 اللهم إنا نسألك صلاحا بنا جميعا لا يغادر منا أحدا رجالا ونساء صغارا وكبارا علماء وولاة يا أكرم الأكرمين.

عباد الرحمن {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على عموم النعم يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.