[241] سورة المؤمنون (5)
محمد علي يوسف
صاحت كل ذرة من ذراته بهذه الصيحة التي لم يسمعها الجمع الملتف حوله..! إنها صيحة صرخت بها كل خلية في جسده الواهن، لم يسمعها أحد ممن حوله..! فقط سمعها ذلك الضيف الذي لم يره أحد..! ضيفٌ جاء دون أن تشعر به الأسرة المكلومة ولم يلتفِت إليه الأصدقاء الدامعون.. ضيفٌ لا يحتاج إلى استئذان ولا يطرق الأبواب، فقط يدخل. هو يعرف طريقه جيدًا، رغم أنه ربما لم يدخل من قبل هذا المكان؛ لكنه يعرف طريقه ويعرف هدفه، ويعرفه المضيف المعني بتلك الزيارة التي لا بُدَّ منها..! البعض يُرحِّب بهذا الزائر ويَسعد به. بل هناك من صاح فرحًا به عند لقائه قائلًا: "زائرٌ مُغِبٌ وحبيبٌ جاء على فاقة!"، هناك من صاح شوقًا لِمَا بعده، وقال: "واطرباه وافرحاه بهذا الزائر". لكن ليس هو..!
- التصنيفات: التفسير -
صاحت كل ذرة من ذراته بهذه الصيحة التي لم يسمعها الجمع الملتف حوله..!
إنها صيحة صرخت بها كل خلية في جسده الواهن..
لم يسمعها أحد ممن حوله..!
فقط سمعها ذلك الضيف الذي لم يره أحد..!
ضيفٌ جاء دون أن تشعر به الأسرة المكلومة ولم يلتفِت إليه الأصدقاء الدامعون..
ضيفٌ لا يحتاج إلى استئذان ولا يطرق الأبواب..
فقط يدخل..
هو يعرف طريقه جيدًا..
رغم أنه ربما لم يدخل من قبل هذا المكان..
لكنه يعرف طريقه ويعرف هدفه..
ويعرفه المضيف المعني بتلك الزيارة التي لا بُدَّ منها..
يعرفه ويعرف لماذا جاء..
هذا البرد الذي يسري في أوصاله، ويتصاعد ببطء إلى تراقيه، ثم إلى حلقومه، يجعله يدرك جيدًا لماذا جاء الزائر الآن؟
بالنسبة له هو زائر غير مرحّب به، وغير مرغوب فيه، ورغم ذلك هو لا يملك طرده، ولا تأجيل موعد تلك الزيارة!
البعض يُرحِّب بهذا الزائر ويَسعد به..
بل هناك من صاح فرحًا به عند لقائه قائلًا: "زائرٌ مُغِبٌ وحبيبٌ جاء على فاقة!"..
هناك من صاح شوقًا لِمَا بعده، وقال: "واطرباه وافرحاه بهذا الزائر"..
لكن ليس هو..!
ليس وهو يسترجِع شريط حياة مدنَّسة بالآثام وملوّثة بالمعاصي والمظالم والإجرام..!
ليس وهو يتذكَّر الفظائع التي ارتكبها، والمحارِم التي انتهكها، والأهواء التي عبدها..!
ليس وهو ينتبه فقط الآن، من غفلةٍ طويلة، وسكرةٍ مديدة، لم تستجب قط لكل محاولات التنبيه والإفاقة والإفهام، على الأقل ليس الآن..!
ليس قبل أن يأخذ فرصة أخيرة..!
فرصة واحدة فقط..!
{رَبِّ ارْجِعُونِ}..
صاح بها من أعماق نفسه، بصوتٍ لم يجاوز حلقه، وقد اصطدم بمرارة السكرات، وغرق في متلاطم الغمرات..
أرجِع فقط ولو ليلة..
ولو ساعة..
ولو بمقدار ركعتين خفيفتين، أتوب فيهما وأُنيب إليك يا مولاي..
ولو بمقدار عمل صالح يُختَم لي به..
بسجدةٍ أُجيب الزائر وأنا فيها، لعلي ألقاك وأنا عليها..
{رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون من الآيتين:99-100]..
ءالآن؟!
الآن تذكَّر الأعمال الصالحة؟!
الآن يتكلَّم عن المسارعة إلى الخيرات، وهو الذي طالما تباطأ عنها؟!
الآن علم أن له ربًا يدعوه ويسأله؟!
الآن يرفع عقيرته المكتومة بدعاءٍ تعجز يداه عن الارتفاع معه، وهو الذي كان من قبل في أوج قوته يتكاسل عن رفعهما بمثله؟!
آلآن يخاطب ربه بصيغة الجمع التعظيمية ويقول: {ارْجِعُونِ}، وهو الذي لم يُعظِّمه ولا عظَّم حُرماته ولا شعائره في حياته؟
ءالآن؟!