واعظ الصيف
نعيش هذه الأيام مع واعظ الصيف، فهل أصغت قلوبنا لموعظته؟! وهل وعينا درسه؟!
من منا الذي لم يؤذه حر الصيف، ولا لفح وجهه سَمومُه؟!
كلنا وجد من ذلك نصيبًا قل منه أو كثر، فأي شيء تعلمناه من الحر؟
- التصنيفات: فقه الصيام -
بسم الله الرحمن الرحيم
نعيش هذه الأيام مع واعظ الصيف، فهل أصغت قلوبنا لموعظته؟! وهل وعينا درسه؟!
من منا الذي لم يؤذه حر الصيف، ولا لفح وجهه سَمومُه؟!
كلنا وجد من ذلك نصيبًا قل منه أو كثر، فأي شيء تعلمناه من الحر؟
روى الشيخان وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: «البخاري [536]).
» (صحيحوعند ابن ماجه بإسناد صحيح قال صلى الله عليه وسلم: «
» (صحيح ابن ماجة [3505]).إن شدة الحر التي يجدها من وقف حاسر الرأس حافي القدمين في حر الظهيرة ما هي إلا نَفَس من فيح جهنم، نعوذ بالله منها ومن حرها..
في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «
» قالوا: "والله إن كانت لكافية!" قال: « » (صحيح الجامع [6742]).فحقٌ على العاقل أن يسأل نفسه وهو يتقي حر الدنيا: ماذا أعد لحر الآخرة ونارها؟
يا من لا يصبر على وقفة يسيرة في حر الظهيرة كيف بك إذا دنت الشمس من رؤوس الخلق، وطال وقوفهم وعظم كربهم، واشتد زحامهم؟!
روى الإمام مسلم عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال: وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فِيه..
» (صحيح الجامع[2933]).وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (أخرجه البخاري والترمذي).
تلكم نار الآخرة، وذاك حر الموقف، فأين المتقون؟! اللهم إن أجسادنا لا تقوى على النار، فأجرنا منها يا رحيم.
رأى عمر بن عبد العزيز رحمه الله قومًا في جنازة قد هربوا من الشمس إلى الظل، وتوقوا الغبار، فأبكاه حال الإنسان يألف النعيم والبهجة، حتى إذا وُسِّد قبره فارقهما إلى التراب والوحشة!!
إخواني.. لئن كنا نتقي الحر بأجهزة التكييف والماء البارد والسفر إلى المصائف، وكل هذه نعمٌ تستوجب الشكر..
فهل تأملنا وتفكرنا كيف نتقي حر جهنم؟ كيف ندفع لفحها وسمومها عن أجسادنا الضعيفة ووجوهنا المنعمة؟
يقول صلى الله عليه وسلم: « » (رواه النسائي بإسناد صحيح)..
صيام الهواجر ومكابدة الجوع والعطش في يوم شديد حرّه بعيد ما بين طرفيه، ذاك دأب الصالحين وسنة السابقين والمحروم من حُرم... يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: "صوموا يومًا شديدًا حره لحر يوم النشور وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور".
إن من أعظم ما يُدفع به العذاب وتُتقى به النار: الاستكثار من الحسنات والتخفف من السيئات، فذاك هو الزاد وتلك هي الجُنّة.. عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في اليوم الحار الشديد الحر وإن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما في القوم أحد صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة" (رواه ابن ماجه بإسناد صحيح)..
خرج ابن عمر رضي الله عنه في سفر معه بعض أصحابه فوضعوا سفرة لهم، فمر بهم راع، فدعوه إلى أن يأكل معهم فقال: "إني صائم"، فقال ابن عمر: "في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت بين هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وأنت صائم؟!" فقال: "أُبادر أيامي هذه الخالية"..
فهلم نبادر أيامنا الخالية، حتى تلتذ أسماعنا، وما ألذه من مقال يوم يُقال: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24].
وصى عمر رضي الله عنه عند موته ابنه عبد الله فقال له: "عليك بخصال الإيمان"، وسمى أولها: الصوم في شدة الحر في الصيف..
وكان مجمع التيمي يصوم في الصيف حتى يسقط.. وكانت بعض الصالحات تتوخى أشد الأيام حرًا فتصومه فيقال لها في ذلك، فتقول: "إن السعر إذا رخص اشتراه كل أحد".. تشير إلى أنها لا تؤثر إلا العمل الذي لا يقدر عليه إلا قليل من الناس لشدته عليهم.. وهذا من علو الهمة..
لما صبر الصائمون لله في الحر على شدة العطش والظمأ أفرد لهم بابًا من أبواب الجنة وهو باب الريان من دخله شرب، ومن شرب لم يظمأ بعدها أبدًا.. فإذا دخلوا أغلق على من بعدهم فلا يدخل منه غيرهم..
إخواني في الله.. لنغتنم صيفنا بالطاعات، ولنستزد فيه من الحسنات، فالأجر يعظم مع المشقة، وعند الصباح يحمد القوم السُرى.. حذار حذار أن تُقعدنا عن المبادرة إلى الخير نفوس تعاف الحر، وتحب الراحة، فنندم يوم لا ينفع الندم..
روى الأئمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (صحيح ابن حيان [7338]).
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه