الزكاة بين اليهودية والمسيحية والإسلام

ياسر منير

فالزكاة Zakat (العبادة المالية) قائمة على التَّسمُّح بالأموال الثلاثة: (الحيوانية، والنباتية، والمعدنية) في الأديان كلها ما عدا النصرانية القائمة على التَّألُّه التّام ونبذ المادّة، أما الإسلام فنجده -تعبيرًا عن أهمية الزكاة- قد قَرَنَ بين الزكاة والصلاة، ثم جعل الأمر في بعضها للسلطان (مراعاة لمصلحة العباد والبلاد)، وبعضها الآخر لصاحب المال، حتى يتخلّص من الشُّحّ، ويَتَحََلّى بالسماحة في إخراج المال. وفي اليهودية لا يوجد في اللغة العبرية لفظ خاص بالزكاة، بل يفيد معناها في الترجمة السبعينية للتوراة: رحمة الله، أو رحمة الإنسان لأخيه الإنسان. وتُقرأ باللغة العبرية صِداقًا..

  • التصنيفات: اليهودية والنصرانية - العقيدة الإسلامية -

الحمد لله ربّ العالمين وأفضل الصلاة على سيدنا محمد المبعوثِ رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الأماجد، وبعدُ:

فالزكاة Zakat (العبادة المالية) قائمة على التَّسمُّح بالأموال الثلاثة: (الحيوانية، والنباتية، والمعدنية) في الأديان كلها ما عدا النصرانية القائمة على التَّألُّه التّام ونبذ المادّة، ومِمَّا يدل على ذلك ما ورد في النص الإنجيلي: "وقال له -للمسيح- واحد من الجمع يا مُعلِّم، قل لأخي أن يُقاسمني الميراث. فقال له: يا إنسان، من أقامني عليكما قاضيًّا أو مُقسِّمًا؟" [لوقا 12: 13، 14][1].

أما الإسلام فنجده -تعبيرًا عن أهمية الزكاة- قد قَرَنَ بين الزكاة والصلاة، ثم جعل الأمر في بعضها للسلطان -مراعاة لمصلحة العباد والبلاد-، وبعضها الآخر لصاحب المال، حتى يتخلّص من الشُّحّ، ويَتَحَلّى بالسماحة في إخراج المال (انظر: الإعلام بمناقب الإسلام، ص: [145]).

ونظرًا لمَيْلِ النفوس إلى المال، فإن القرآن وجّه لأصحاب المال أكثر من حديث فيه لُطْف، من ذلك:

- جعل الله تعالى الزكاة تطهيرًا وتزكيةً للنفس، فقال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة من الآية:103].

- سمَّاها قَرْضًا، يقول تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} [البقرة من الآية:245] [الحديد من الآية:11].

- بَيَّنَ ما يعود إليه حال أرباب الأموال في العواقب؛ حثًا لهم على الزكاة، يقول تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِي أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المنافقون من الآية:10].

- أخْبر أَن مَنْ بَخِلَ بالزكاة فقد بخل على نفسه؛ لأن نفع الزكاة يعود للمُزَكّي، والله غَنِيٌّ عَنْ هذا المال، قال تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ} [محمد من الآية:38].

- "ذكر أن الضنّ بالمال مقبوح، وأن مَنْ يُجاهده يُفلح، قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر من الآية:9] [التغابن من الآية:16]، ثم بيّن أنه يرضى منه بفضل المال، فقال: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة من الآية:219]، وذكر تعالى أن الزكاة حصن للمال، فقال: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [البقرة من الآية:272]" (العامري: الإعلام بمناقب الإسلام، ص: [146-147]).

وفي اليهودية لا يوجد في اللغة العبرية لفظ خاص بالزكاة، بل يفيد معناها في الترجمة السبعينية للتوراة: "رحمة الله، أو رحمة الإنسان لأخيه الإنسان. وتُقرأ باللغة العبرية صِداقًا، وهي مرادفة للكلمة زكاة" (روفائيل نخلة اليسوعي: غرائب اللغة العربية، ص: [7]. ط 1954م. مطبعة الإحسان – حلب).

"ويرى موسى بن ميمون أن كلمة صِداقًا مشتقة من صدق وهو العدل، والعدل هو إيصال كل ذي حق لمستحقه وإعطاء كل موجود من الموجودات بحسب استحقاقه. وبحسب هذا المعنى لا تُسمَّى الحقوق المتعينة عليك لغيرك إذا وفيتها صدقة، بل عدالة" (انظر: دلالة الحائرين، ص: [412]).

"وتُعْرَفُ الصدقة في العهد القديم: بأنها بادرة صلاح من الإنسان نحو أخيه، وهي اقتداء بأثر الله الذي هو دليل الصلاح نحو الإنسان" (أ. عبد الرزاق رحيم صلال: العبادات في الأديان السماويّة، ص: [95]).

"واليهود يَرَوْنَ أَنَّ صدقتهم تجعلهم أرفع شأنًا وأعظم قدرًا، فهي مقبولة منهم؛ لأنهم أبناء الله، وأحباؤه، وشعبه المختار، كما يَرَوْنَ -قَدِيمًا- أَنَّ مَنْ يَتَصَدَّقُ من غير اليهود لا يتصدَّق بنية خالصة لوجهه الكريم، وإنما يفعل ذلك كبرياء" (أ. عبد الرزاق رحيم صلال: العبادات في الأديان السماويّة، ص: [95]).

وقد أخذت الصدقة مكانة سامية في تعاليم اليهود الدينية، وَرَدَ في التوراة: "طوبى للذي ينظر إلى المسكين" (مزمور41: 1)، بل تُوجب تعاليم التوراة التَّصَدُّق على العدو: "إن جاع عدوك فأطعمه خبزًا، وإن عطش فاسقه ماءً" (الأمثال 25: 21).

وتشتمل أحكام الزكاة عند اليهود -كما ورد في التوارة- على ما يلي:

أ‌- ترك جزء من المحاصيل ولقط السنابل للغرباء واليتامى والأرامل، وهذا المعنى نجده في النص التوراتي: "إذا حَصَدتَ حصيدك في حقلك ونسيت حُزْمَةً من الحقل فلا ترجع لتأخذها. للغريب واليتيم والأرملة تكون لكي يباركك الربّ إلهك في كلّ عمل يديك" (التثنية 24: 19).

ب‌- عشور كل ثلاث سنوات لصالح الذين لا يملكون أرضًا تَخُصُّهم كاللاويين والغرباء والأيتام والأرامل، كما وَرَدَ: "وعندما تحصدون حصيد أرضكم لا تكمّل زوايا حقلك في الحصاد، ولقاط حصيدك لا تلتقط. وكرمك لا تُعلّله، ونثار كرمك لا تلتقط، للمسكين والغريب تتركه" (اللاويين 19: 9، 10)[2].

"وقد ذكر بعض الباحثين أن أموال الزكاة عند اليهود كانت تُدفع إلى صندوق بيت المقدس. ويوزع جزء منها على اللاويين الذين كانوا كُهَّانًا بالنسل والتوارث، وجزء منها كان يُصرف لأصحاب المناصب الدينية، وجزء ثالث كان خاصًّا بإطعام حجاج بيت المقدس وضيافتهم" (الشيخ أبو الحسن الندوي: الأركان الأربعة في ضوء الكتاب والسنة، ص: [129]).

"وكانت اليهود تقول بأخذ العُشر من النبات والحيوان" (العامري: الإعلام بمناقب الإسلام، ص: [145]).

أمّا بالنسبة للنصرانية فلم يرد لفظ الزكاة في الأناجيل، إلا أنه قد ورد لفظ "الصدقة، والصدقات"، من ذلك:

"احترزوا من أن تصنعوا صَدَقَتكم قُدّام الناس؛ لكي ينظروكم، وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات. فمتى صنعت صدقة فلا تُصوِّت قُدَّامك بالبوق، كما يفعل المراءون في المجامع وفي الأزقّة؛ لكي يُمَجَّدوا من الناس" (متى 6: 1-2).

وأيضًا: "وأما أنت فمتى صنعت صدقةً فلا تعرّف شمالك ما تفعل يمينك. لكي تكون صدقتك في الخفاء، فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يُجازيك علانية" (متى 6: 3-4).

وكذلك: "بيعوا ما لكم واعطوا صدقة..." (لوقا 12: 33). ويأتي اللفظ اليوناني للصدقة المترجم أجر كثيرًا في إنجيل متى مُرادفًا لمفهوم الصدقة في الديانة النصرانية، كما تدلُّ الكلمة على الأمانة الشخصية في الممارسات الدينية اليهودية المتعلقة بالصلاة والصدقة والصوم [متى (الصلاة 6: 5-6)، (الصوم 6: 16-18)، (الصدقة 6: 2-4)].

ويحصر الإنجيل مفهوم الصدقة في صفات محددة منها:

- إعطاء الصدقة يكون بسخاء (رومية 12: 8).

- يفضل إعطاؤها سرًّا، وليس أمام الناس (متى 6: 2-4). ويؤكد أحد كتّاب النصارى أن: "ما جاء به عيسى عليه السلام في باب الصدقة هو جديد خالف ما تعوده اليهود من إظهارها بمظهر الرياء" (إسحاق سنتاءوس: تاريخ المسيح، ص: [72]، ط 1902م. المطبعة المصرية – الإسكندرية).

وللزكاة في الإسلام وظيفة تربوية تتمثل في تطهير الأموال النامية أو القابلة للنمو، مِمَّا قد يشوبها من ربا، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة من الآية:103]، وقال تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم:39].

كما يتمثل الجانب التربوي في إعادة توزيع الدخل لمصلحة الفئات الاجتماعية التي نصَّت عليها الآية الكريمة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60].

"وليس من شكٍ أنّ الزكاة تُدْخل نشاطًا فكريًا وعقليًا على المُعطِي والمُعْطَى، وبالتالي يحصل لهما قوةٌ بدنية وحصانةٌ عضليةٌ شخصية، وبالتالي حصانةً وقوةً للمجتمع الإسلامي مادية وخُلقية بها يزول الفقر والمرض والجوع. فليت شعري في أيِّ دين هذا الاستقصاء البالغ في التنبيه على فوائدها وحقائق عوائدها" (انظر: الإعلام بمناقب الإسلام، ص: [147]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

[1]- (انظر: الإعلام بمناقب الإسلام، ص: [145]).

[2]- (يقول رئيس الطائفة الموسوية: "إن عُشر محصول الأرض والأنفال كان واجبًا على بني إسرائيل" د. فؤاد حسنين: المجتمع الإسرائيلي حتى تشريده، ص: [112]. ط 1966م، مطبعة الرسالة – القاهرة. وقد ورد لفظ العُشر واشتقاقاته في التوراة كثيرًا من ذلك: [تكوين 14: 20]، [اللاويين 5: 11، 27: 30-32]، [العدد 18: 26]، [التثنية 12: 17]، [حزقيال 45: 11]، ... إلخ).
 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام