هل أوضـح الدعـاة وأدركـت أمتنا؟!
مهدي بن علي قاضي
ينبغي أن يتذكر المسلمون وأن يُذَكِّرهُم الدعاة بأن عدم استيقاظهم من الغفلة وعدم المسارعة إلى التوبة والإصلاح، خاصـة وسط هذه الظروف الشديدة التي تعيشها الأمة، وخاصة وهم يرون ما يحدث لإخوانهم! بأن ذلك يجعل المتبصر يخشى أن يصيبنـا مثل ما أصاب إخواننا، خاصة أن الأعداء حالياً متربصون بأمتنا من كل جانب.
- التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب - التوبة - دعوة المسلمين -
كثرت مآسي المسلمين وكثر الذبح والاضطهاد الذي يواجهه أبناء أمتنا في شتى أنحاء العالم بشكل رهيب، يتفطر له قلب كل مسلم غيور، ولا شك أن الحل الاساس الجذري الذي سيوقف هذه المآسي المتكررة بإذن الله هـو إسراع الأمة -أفراداً وجماعات- واجتهادها في العـودة إلى الله والدعوة اليه لكي يعود للأمة عزها ومجدها، ومن ثم تستطيع أن تنتصر لأبنائها -في أي مكان كانوا- على الأعداء وأن توقف وتمنع استمرار هذه الفواجع والمآسي المؤلمة قال تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد من الآية:7].
ولكن السؤال هو: هل أدركت الأمة وأدرك أبناؤها ذلك تماماً؟ وهل أوضح الدعاة إلى الله ذلك بشكل كافي؟ وهل أوصلوا الرسالة واضحة الى كل فرد مسلم؟ بل نقول إلى قلب كل مسلم بأن هذا هو الحل الذي تقع مسؤولية تحقيقه على كل فرد في أمتنا بقدر ما يستطيع؟! الذي يبدو أن الموضوع لم يأخد حقه اللازم من الإدراك والإيضاح!
وإنه يحـزُّ في النفس عدم إدراك أفراد الأمة واستشعـارهم تماماً لهذا الجانب، وعدم المسـارعة إليه بقوة، فهم فيهم الخير والشهامة وقـد يكون التذكير بهذا الجانب وتَذَكّـرة حافزاً للبعض للعودة إلى الله والالتزام الكامل بأوامر الدين غيرة على واقع الأمة (1)، وإخوانهم أكثر من تأثرهم بالوعظ المباشر العادي، ولنا شاهد في قصة إسلام حمزة رضي الله عنه عندما كانت بداية إسلامه تأثراً لما رآه من أذية المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وينبغـي أن يشعر المسلمون أنهم مسؤولون عن استمرار مآسي الأمة من هذا الجانب؛ لأنهم بتقصيرهم واستمرارهـم في الذنوب وتركهم الجدَّ في الدعوة إلى الله والإصلاح يكونون سبباً في ضعف الأمة، وبالتالي يكونون سببـاً في عجزها عن حماية أبنائها ووضع حل جذري لهذه المآسي، وبالتالي يكونون بتقصيرهم من أسباب استمرار مذابح المسلمين.
وتحتـاج أمتنا أن تتذكر عظمة ما يحدث من المذابح وغضب الله جل جلاله من ذلك، والذي يتبين من مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي والنسائي عن ابن عمر «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم» (صحيح الجامع الصغير للألباني) وقول ابن عمر رضي الله عنهما عندما نظر إلى الكعبة فقال: "ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك" (صحيح الترمذي للألباني)، فيجب على المسلمين الخوف والحذر مما يغضب الله إن لم يقوموا بمسؤولياتهم تجاه ذلك.
وينبغي أيضًا أن يتذكر المسلمون وأن يُذَكِّرهُم الدعاة بأن عدم استيقاظهم من الغفلة وعدم المسارعة إلى التوبة والإصلاح، خاصـة وسط هذه الظروف الشديدة التي تعيشها الأمة، وخاصة وهم يرون ما يحدث لإخوانهم! بأن ذلك يجعل المتبصر يخشى أن يصيبنـا مثل ما أصاب إخواننا، خاصة أن الأعداء حالياً متربصون بأمتنا من كل جانب.
وما يحـز في النفس أكثر هو أن الكثير من الخطباء والمحاضرين والكتاب والشعـراء والدعاة عموماً لا يقومون في خطبهم ودعائـهـم (2) وتوجيهاتهم عند الحديث عن مآسي المسلمين بتذكير الأمة بهذا الجانب الهام، بالشكل الواضح والكافي والمـؤثر الذي يُشعِر كل فرد مسلم بمسؤوليته هـو في نفسه في تحقيق هذا الواجب، مع أن هذا كما ذكر سابقًا هو الحل الحقيقي الجذري للمآسي.
وبغض النظر عن أنه الحل الأهم فإنها فرصة مهمة للدعاة لتذكير المسلمين بالعودة إلى الله من هذا الجانب، وهذا من باب المفهوم التربوي (التربية بالأحداث) ومن الخسـارة ألا تستغل هذه الفرصة للتذكير بالهدف الأساس، الذي تطمح إليه الأمة وهو عودة المسلمين إلى الالتزام التام بدينهم والذي به بإذن الله يتحقق للأمة نصرها وتمكينها في الأرض، ونجاتها وفوزها يوم القيامة.
وبعبارة أخرى نقول للدعاة بأنه يجب علينا ألا نعالج الأعـراض فقط وننسـى المرض الحقيقي للأمة، وننسى التركيز على الأولويات والأساسيات حتى وإن كانت الأعراض شديدة وحادة في بعض الأحيان (3).
وإن أملنا كبير في أن إيصال هذه الحقيقة إلى قلوب المسلمين بوضـوح سيثير في نفوسهم الخير والنخـوة، وسيوقظ الكثير منهم من غفلتهم بإذن الله، وقـد يجعل بعضهم -من تأثره لواقع أمته وواجبه تجاهها- لا يستلذ ويرضى بزيادة في نومٍ أو لهوٍ مباحٍ فضـلاً عن استمراره في المعاصي والبعد عن الله.
_______________________________
(1) تحمس المسلمون للمقاطعة الاقتصادية تحمساً كبيراً من تأثرهم وغيرتهـم، ولو أن هؤلاء الغيورين تذكَّـروا وذُكِّـروا بتركيز قضية العودة والتوبة ومقاطعة الذنـوب! وعلاقتها بعـز الأمة ونصرهـا لحصل توجه طيب في الأمة نحو ذلك بإذن الله، والذنوب هي أسـاس كل البلايا والذل والهوان والضعف والتخبط والتشتت الذي نعيشه.
(2) أستغرب عندما أسمع العديد من الأحبة الغيورين يدعـون في محننا المتكررة في القنوت وغيره بالنصر للأمة وبالهزيمة لأعدائها، بدون أن يدعون بوضوح عن إصلاح الأمة لحالها مع الله، وذلك لكي تتذكر الأمة وتعمل للتوبة من الذنوب والعودة إلى الله والتي هي أهم أسباب استجابة الدعاء، وحتى يكون ذلك حافزاً ومذكراً لكل الأمة لتحقيق أسباب وشروط النصر الذي سيمكنها من إيقاف ذبح الأعداء لأبنائها والانتصار لهم.
وإن مما يتعين على المسلمين عندما يدعون الله في محنهم أن يدعوه وهم مقبلين بتوبة واستغفار، وتذلل وخضوع وأوبة، ويتعيـن على الأئمة أن يذكروا المسلمين بذلك، ولعل بدء صلاة الاستسقاء بالتذكير بالتوبة وما يتعين على الإمام من تذكير المسلمين بها خير شاهد على ذلك.
ومن يتأمل واقع أمتنا الحالي ودعاءها المتكرر طلباً للنصر، ويتأمل آداب الدعاء وأسباب قبوله يدرك أن أحد أهم أسباب تأخر الاستجابة هو واقع أمتنا المرير في البعد عن حقيقة دينها والتزام أوامره في كل الأمور.
(3) مما يلاحظ في هذا الجانب أيضًا؛ ما حصل بعد بعض الأزمات التي عاشتها أمتنا من تركيز بعض الدعاة على الفتاوى والأحكام الخاصة بذلك الحدث، أو التركيز علي كيد الأعداء مع ضعـف الاستفادة من الحدث لتذكير الأمة بوضوح وتركيز عن دائهـا الأساس، ولا شك أننا نحتاج بشدة إلى الفتاوى التي تبين لنا الحكم الشرعي في حدث معين، وينبغي علينا توضيحها للأمة، ومن المهم أيضاً تبيين مكر الأعداء وخطرهم، ولكن الأهم علاج المرض الضخم الكبير الذي نتجت عنه كل تخبطات الأمة وانحرافاتها وتفرقها، وتشتت آرائها وتوجهاتها وضعفها وذلها، وتسلط الطغاة عليها وتمكن الأعداء منها ووضعها المأساوي الذي تعيشه، ألا وهو عدم استقامتها على الإسلام كاملاً، وعدم عيشها للدين حقيقةً لا خيالاً.