[322] سورة سبأ (2)

محمد علي يوسف

{رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا}.. لو كان جَنْيُ ثمارِنا أبعدَ، لكانَ أشهى وأعلى قيمةً! يا لها من مقولة خبيثة أثيمة! لقد سرت هذه المقولة وانتشرت بين أهل سبأ انتشار النار في الهشيم.. ترى من كان أول من أطلقها..

  • التصنيفات: التفسير -

{رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ من الآية:19]..

لو كان جَنْيُ ثمارِنا أبعدَ، لكانَ أشهى وأعلى قيمةً!

يا لها من مقولة خبيثة أثيمة!

لقد سرت هذه المقولة وانتشرت بين أهل سبأ انتشار النار في الهشيم..

ترى من كان أول من أطلقها..

من صاحب هذا العقل المعوج الذي يبطر تلك النعم، التي يحسدهم عليها كل من يسمع بها..

رغد وخصوبة وبركة وتيسير..

وأمن...

أمن يجعل الراكب يسير، وينتقل بين قراهم العامرة، في أي وقت، بليل أو نهار، لا يخاف إلا الله، ولا يحمل هم مخلوق، ولا ينشغل حتى بزاد لرحلته، فها هي القرية التي يقصدها، تبدو في الأفق بارزة أمام ناظريه، لن تمر ساعة حتى يكون مستقرًا فيها، فأي هم يحمله بعد ذلك؟

وما الداعي لأن تخرج مثل تلك الدعاوي الآن؟!

باعد بين أسفارنا؟!

لماذا ولأي شيء هذا؟

أهو حب المغامرة..!

أم هو بطر، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير؛ كما فعلت أقوام غيركم ؛ فاستبدلوا مِنَّا وسلوى بعدسٍ وبصل!

أهذا هو شكركم للنعمة؟

أهذا هو التكليف الميسور الذي به أكرمتم ولطف بكم؟!

قد طلبتموه بطرًا، فصار اضطرارًا..

قد طلبتم المباعدة بين أسفاركم، وبطرتم أمن قراكم، وهويتم البعاد!

سوف تخرجون منها رغمًا عنكم، فما عاد يُطاق البقاء..

سوف ترحلون، ولسوف يطول في قطع فيافيها الكباد..

إنه آخر العهد، إنه حديث لسان الحال..

قبل الرحيل..

وبدء السفر..

سفر الفراق؛ سفر التفرُّق والتقطع والتشرذم والضلال..

إنه التمزُّق في الأرض كل مُمزَّق..

ليسيروا في الأرض هائمين، ولينقلب أمنهم فزعًا، ولتتحوَّل وحدتهم إلى فِرقة، وليصيروا أحاديث، ولتُصبِح قِصصهم عِبرة للمعتبرين إنه جزاء الجاحدين، وإنها لعقوبة الكافرين بنعمة ربهم المنعم الكريم..

{فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبأ من الآية:19]..

وما بين طغيان الماء وطغيان الأمل.. سبحان من جعل الجزاء من جنس العمل.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام