لماذا نكتب؟!
أيمن الشعبان
في ظل الثورة المعلوماتية الهائلة، وسرعة نقل المعلومة، واتساع رقعة الترف الفكري، وتنوُّع وكثرة الثقافات، وصراع الحضارات والمفاهيم؛ هنالك سباق مع الزمن، وتنافس وتسارع منقطع النظير في مجال الكتابة، حتى وصل في بعض الأحايين؛ من تزييف للتاريخ، وقلب للحقائق، وتغيير للمفاهيم، وتعدي على الثوابت والمسلّمات، وطمس للفطرة، وإرهاب فكري، ونشر الأكاذيب وشرعنة الضلال والانحرافات والمخالفات والبدع.
- التصنيفات: الدعوة إلى الله - الدعاة ووسائل الدعوة - الإسلام والعلم -
في ظل الثورة المعلوماتية الهائلة، وسرعة نقل المعلومة، واتساع رقعة الترف الفكري، وتنوُّع وكثرة الثقافات، وصراع الحضارات والمفاهيم؛ هنالك سباق مع الزمن، وتنافس وتسارع منقطع النظير في مجال الكتابة، حتى وصل في بعض الأحايين؛ من تزييف للتاريخ، وقلب للحقائق، وتغيير للمفاهيم، وتعدي على الثوابت والمسلّمات، وطمس للفطرة، وإرهاب فكري، ونشر الأكاذيب وشرعنة الضلال والانحرافات والمخالفات والبدع.
ما يمرّ به العالم من انفتاح منقطع النظير، وانفلات غير مسبوق، وصراعات وحروب ونزاعات، لا أخلاقية وغير متكافئة وبعيدة عن القيم؛ كل ذلك انعكس بشكلٍ واضح على مضامين وفحوى ومدلولات ما يكتب، وعليه نحتاج جميعًا لمراجعة أنفسنا بهذا الخصوص، وضبط أقلامنا وكتاباتنا وما تُسطِّره أيدينا، ولا يتم ذلك إلا بأن يتسلَّل إلى أذهاننا، وينغرس في خواطرنا، ويرسخ في عقولنا السؤال التالي: لماذا نكتب؟ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، قال ابن دقيق العيد: "ما تكلَّمت بكلمةٍ ولا فعلت فعلًا، إلا أعددت لذلك جوابًا بين يدي الله عز وجل".
فالبعض يكتب للتسلية أو ملء الفراغ، وآخر يكتب لوجود فرصة للكتابة في بعض المنتديات والمواقع والمدونات، وثالث يكتب ليقال كاتب، ورابع انطلاقًا من مقولة: خالف تعرف، وخامس لتتبع عيوب وعورات الآخرين، وسادس لإجبار الآخرين على تغيير قناعاتهم والاقتداء به، وسابع يكتب لنقل آراءه الشخصية ويتظاهر بالمعرفة بكل شيء، وآخر يكتب لحض الناس على توجه فكري أو عقدي أو سلوكي أو منهجي خاص به، وتاسع للطعن والتشهير والتنقص من الآخرين، وعاشر وحادي عشر وهكذا... إلخ.
لكن بالمقابل هنالك صور مشرقة ومنارات شامخة، يكتبون بيدٍ بيضاء ونوايا صادقة وأسلوب مُعبِّر بأقلام واعية، امتثلوا في كل شيء قول ربنا سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب:70]، وقول نبينا عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: « ». قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: « » (صحيح أبي داود).
فالكتابة رسالة وليست حِرفة، وأمانة لا خيانة، وفكرة فيها عبرة وليست فلسفة ومراوغة، وإرشاد وبيان لا تضليل وإيهام، وتحرُّر من الشخصانية إلى الشمولية، لا تقوقع ووصولية وانتهازية، والكتابة توجيه ونصح وسداد وتشخيص، وليس توبيخ وتشهير واعوجاج وتشتيت، كما أن الكتابة عِظة وتدبر وتأمُّل، لا اضطراب وتأرجح وضياع، والكتابة تنوير وتأصيل وتوسيع للمدارك وإيجاد حلول، وليس متاهة وتجهيل وفلسفة!
الكتابة رسالة ومسؤولية وأمانة:
إيَّاك أن تضيّع وقتك وجهدك وفكرك وقلمك؛ من غير أن تكون لك رسالة نبيلة وهدف مرموق، ثم إيَّاك أن تجعل كتاباتك مجرد هواية أو ردود أفعال، وعلينا جميعًا الترفع عن سفاسف الأمور، والتكرار المُمل وانعدام الفائدة، والثرثرة الزائدة وحشو الكلام، وينبغي الابتعاد عن السطحية والنظرة الضيقة للأشياء.
فكل ما تُسطِّره أناملك هو مسؤولية شرعية وأخلاقية؛ ينبغي مراقبة الله سبحانه وتعالى في كل حرف يكتب، وقبل تسويده ثم تبيضه ثم نشره، لا بُدَّ من تمريره على مقياس السيطرة النوعية، المتكون من تلك الأسئلة: هل هذا الحرف أو تلك الكلمة أو الجملة والفقرة حق أو باطل؟ موافق للشرع أو مخالف؟ فيه مصلحة أو مفسدة؟ هل سيستفيد منه القارئ أو لا؟
فإذا كان المكتوب حقًا موافقًا للشرع وفيه مصلحة راجحة وسينتفع منه القارئ، سيجتاز المقياس وبخلافه سوف تندم عاجلًا أم آجلًا إذا أقدمت عليه، لأن ربنا سبحانه يقول في كتابه العزيز: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]، "أي: ما يتكلَّم ابن آدم من كلمة إلا ولها من يرقبها، وهو حاضر معدّ لذلك، يكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة" (التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج).
ولمّا كان المكتوب بمثابة ملفوظ من قبل كاتبه، ينبغي مراعاة الآيات الكريمة من قوله تعالى: {وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}، وقوله: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام من الآية:152]، وقوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36]، ولا تتبع ما ليس لك به علم، بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} "فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسئول عما قاله وفعله وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته أن يعد للسؤال جوابًا، وذلك لا يكون إلا باستعمالها بعبودية الله وإخلاص الدين له وكفها عما يكرهه الله تعالى" (تفسير السعدي).
وينبغي أن لا نستهين بالكلمة التي تكتب أو العبارة، ولا نتسرع في كتابتها، إذ يقول عليه الصلاة والسلام: « » (صحيح الجامع).
ويقول عليه الصلاة والسلام: « » (صحيح الجامع).
بل جعل عليه الصلاة والسلام قِوام الفرائض العِظام والأعمال الجسام، بأن يملك الإنسان كلامه ويُحكم لسانه ويضبط ما يكتب، قال عليه الصلاة والسلام: « »، قلت : بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بلسانه، قال: « ». فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلَّم به؟ فقال: « » (صحيح الترمذي).
ثم أنت أيها الكاتب مؤتمن على عقول القراء، فلا تكتب إلا صِدقًا وعدلًا وإنصافًا، وإيَّاك والكذب والخداع والمراوغة والاستغفال أو التغرير ونقل الشائعات أو المعلومات المغلوطة، لأنه من دلّ على الهدى بالاعتقاد أو الفعل أو القول والنهج والسلوك والكتابة كان له مثل أجر فاعله، وكذلك العكس بالعكس، فلتكن كلماتنا منارات لتصحيح التصورات، وعباراتنا كالزروع والثمار الطيبة ينتفع منها آكلها، وما نُسطِّره كالغيث أينما وقع نفع، وكالشمس أينما حل نورها سطع.
النقد البناء وتعدُّد الآراء:
من أجل ترشيد الكتابة؛ ينبغي التناصح وتبادل الآراء، بعيدًا عن اتهام النوايا ونبش الخفايا، والتحلي بآداب البحث والنقاش والحوار والمناظرة، وإبداء النصح سِرًّا، وعدم التواني في ذلك، ثم التدرج والارتقاء بأسلوب البيان، وتوضيح الحق من الباطل بالحكمة والموعظة الحسنة، وإياك والمجاملة أو المداهنة على حساب دينك وعقيدتك وثوابتك ومبادئك!
وليكن في البال أن النقد البناء الذي يُبتغى منه وجه الله وتصويب الأخطاء؛ إذا كان ضمن الأدب الحسن والخُلق الجم، فعلينا بالتفاعل معه والتعاطي والاستجابة، دون الترفع والتنكر والتكبُّر والعناد، وليس عيبًا بأن يخطأ الكاتب في تصور أو طرح أو عبارة أو أسلوب، لكن العيب كل العيب والنقيصة أن يُصِرّ على ذلك ويستمر بأخطاءه دون مراجعة أو محاسبة أو ترشيد واستجابة!
"وكان عليه الصلاة والسلام إذا بلغه عن الرجل شيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا"[1]، وينبغي كذلك اختيار الوقت المناسب والحال والظرف، مع تجنب التأخير لقضايا مهمة ومواضيع جوهرية أساسية، لأن تأخير الواجب عن وقت الحاجة لا يجوز، والابتعاد عن التشهير والتسقيط إلا ضمن الضوابط الشرعية في التعامل مع المخالف، والتي ننصح الجميع بمراجعتها وفهمها وتدبرها.
ومن باب الشيء بالشيء يُذكر؛ إيَّاك أخي الكاتب وأكذوبة "الرأي والرأي الآخر" على إطلاقها! فالكثير للأسف روَّجوا لذلك من أجل نشر الجهالات والضلالات والباطل والطعن في أساسيات الدين والمبادئ والأخلاق، وقسم كبير لعدم إتقانهم كتاباتهم وكثرة الأخطاء وعدم وجود العزيمة على نشر الصواب والحق والتراجع عن الباطل، تذرعوا بهذه المقولة، وكذلك حتى تنعدم النصيحة والنقد البناء تجد الذريعة جاهزة "الرأي والرأي الآخر"، فلا بأس بقبول الرأي الآخر إذا كان حقًا وصِدقًا وفيه مصلحة، مع اختلاف في وجهة النظر والأسلوب والطريقة، من غير المساس بالثوابت والأصول وأساسيات الدين والأدب، فلينتبه لذلك.
فهنالك خلاف سائغ مقبول، عندما تتكافأ الأدلة ويتعدَّد الفهم والاستنباط المقبول، فهنا ممكن القول رأي ورأي آخر، أما الخلاف المردود المذموم المخالف للبينات والأدلة الواضحات والبراهين الجليات والثوابت الساطعات، فيجب تنبّه الجميع لهذه الحقيقة التي زلَّت فيها أقدام، وضلت فيها أفهام وعميت قلوب، نعوذ بالله من الحور بعد الكور.
الكتابة وتغيير القناعة:
إذا تحمل الكاتب المسؤولية الملقاة على عاتقه، وأيقن بأن الكتابة أمانة في عنقه، فإنه سيبقى كالجبل الراسخ الذي لا تهزه ريح، ويستمر بنشر الحق والخير من خلال كتاباته، فقلمه يقوده لتسطير قناعات ورؤى حقيقية نابعة من القلب، بعيدًا عن أي مؤثرات خارجية فئوية أو مصلحية أو شخصانية، أو حتى زمانية أو مكانية.
لكن عندما تتحوّل الكتابة لوسيلة للانتفاع، وتحصيل المكاسب العاجلة، من مال ووجاهة ومنصب وشهرة ومكانة؛ فعندئذ تتغير القناعة وتنقلب الموازين وتحصل الخيانة وتضعف المسؤولية، فيُملي القلم على صاحبه وتسيطر الكلمة على مبدأه، ويصبح أسيرًا لقناعة زائفة، ثم يجيش الجيوش من عباراتٍ منمقة وألفاظ جذابة، موهِمًا نفسه بأنه على حق ولا زال على العهد! و{يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف من الآية:104].
هنالك العديد من الكُتَّاب، كانت لديهم قناعات معينة ومنحى واضح، في بيئة وظرف وحال وملابسات معلومة، سرعان ما تغيَّرت مبادئهم وقناعاتهم بل والبعض تغيّر حتى تفكيرهم وسلوكهم، وليس السبب المراجعة الفكرية والبحث عن الحق، بينما لأسباب انتفاعية انتهازية وصولية لأنه بذلك طبق القاعدة الميكافيلية الشيطانية "الغاية تُبرِّر الوسيلة!".
لا بأس بأن يكون هنالك حكمة في الطرح، أو مهادنة لبعض القضايا برهة من الوقت للمصلحة العامة، لكن تسييس الكتابة وتبعيتها للوضع الجديد، بحيث يكون الطابع الغالب خدمة فئات معينة أو التنظير لحالة جديدة، جريًا وراء فوائد ذاتية فهذا انتكاس وتقهقر واضح وبيع للذمم بثمن بخس!
يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "من جعل دينه غرضًا للخصومات أكثر التنقل"[2]، ونظير ذلك من جعل قلمه وكتاباته غرضًا للجدل ومجرد التنظير وجريًا وراء المكاسب الزائلة، سيكثر من التنقل وسيضطرب في المواقف وتغيير القناعات، وعندما سُئِل حذيفة بن اليمان: متى يعلم المرء أنه فُتن؟ قال: "إن كان ما يراه بالأمس حرامًا أصبح اليوم حلالًا فليعلم أنه فُتن".
المباحث النظرية دون جدوى عملية:
نجد في عدة كتابات حشو للكلام، وفلسفات فارغة، وتنظير مفرط بعيدًا عن الجدوى العملية، والاستفادة الفعلية على أرض الواقع لتلك الكتابات، حتى أن البعض يصل بلسان الحال وتنطبق عليه النظرية الغربية "العلم للعلم" مع أننا أمرنا بالتعلُّم للعمل والتطبيق، وقد أصّل الإمام الشاطبي في المقدمة العقلية لكتابه (الموافقات) ذلك إذ يقول: "الاشتغال بالمباحث النظرية التي ليس لها ثمرة عملية مذموم شرعًا".
وعليه لا بُدَّ من ترجمة العلم والقناعات والتصورات والأفكار، من خلال كتاباتنا لتقودنا للتطبيق، يقول الشاطبي: "خذ من العلم لبَّه، ولا تستكثر من مُلَحه، وإياك وأغاليطه".
بعض الكُتَّاب يهتم بالعنوان والإثارة دون المضمون والنتيجة، تجده يُزوِّق ويُنمِّق ويُزركِش العبارات، بعيدًا عن ثمار تلك الكتابات وانعكاسها الإيجابي على القارئ، ولا بأس بتجميل العبارة وانتقاء الكلمات الحسنة، مع إعطاء مدلولات نافعة وثمرات مفيدة من تشخيص للمرض أو حل للمشكلة، أو توجيه سديد ونصيحة ناصعة.
من آفات الكُتَّاب:
هنالك آفات بل بعضها طامات، قد يقع فيها أي كاتب، سواءً علمنا أو لم نعلم، لكن من أكبر المعايب التصدّر للكتابة دون أدنى هِمَّة أو إرادة، بمعالجة أي من تلك الأخطاء والمثالب، وكنت تتبعت بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
1- كتابة الآيات القرآنية بشكلٍ خاطئ، مع أننا في زمن التقنيات والتطور وسهولة استذكار الآية بعِدّة طُرق ووسائل، لكن هذا يدل على انعدام تحمل المسؤولية وانصباب الفكر والذهن لمجرد الكتابة، وهذه آفة بل طامة للأسف الشديد.
2- كتابة الحديث النبوي بالمعنى، والاستشهاد بأحاديث ضعيفة، وعدم ذكر التخريج مع إهمال التحقيق ومرتبة الحديث، والحق هنا ذكر الحديث بلفظه مع الاستدلال بأحاديث صحيحة وبيان حكمها.
3- قد يقع العديد منا بأخطاء إملائية ونحوية، وهذه منقصة لكن الآفة والطامة الكبرى؛ رفع المجرور، أو خفض المرفوع وهكذا، فهنالك بديهيات نحوية لا يستقيم للكاتب الوقوع بها فلننتبه.
4- تكلُّم غير المختصين بالعلوم الشرعية، بقضايا دينية والإيغال بذلك، والعجيب أن البعض بسبب سهولة المطالعة والتطور الهائل، إذا طالع أو قرأ بعض الفتاوى والكتيبات والمقالات الشرعية، ظن نفسه بأنه عالِم ويجوز له التحدُّث والتكلُّم بدقائق الأمور، وهذا خطأ فادح وتلك طامة كبرى، هنالك أساسيات لا بأس بطرحها وطرقها، لكن الأمور العظام والقضايا الجِسام، لا ينبغي لمن هب ودب الخوض فيها، يقول عمر بن عبد العزيز: "العابد الجاهل ما يفسد أكثر مما يصلح".
نتيجة لذلك يقع الخلط في الدين، والطعن بالثوابت والتنقص من المبادئ، والشطط في العقائد والمناهج والسلوكيات، بل الوقوع في البدع والضلالات والمنكرات، ظنًا منه أنه كاتب يشار إليه بالبنان، فيكتب ما يملي عليه هواه وثقافته ومعرفته المخلوطة التي جمعت الغث والسمين!
5- من آفات الكتاب عدم استثمار واستغلال الكاتب، للمساحة المتاحة له في الموقع أو المنتدى أو الصحيفة، والانشغال بقضايا استهلاكية وتكرار نفس المعلومات.
6- بعض الكتاب يبالغ بالكتابة باللهجة العامية، والأصل استخدام اللغة الفصحى، مع استعمال بعض العبارات والألفاظ العامية عند الضرورة، لكن الإكثار من ذلك لا يليق ولا يحبذ.
7- الكتابة بمعلوماتٍ مغلوطة، وسطحية مفرطة، والتدليس والكذب، وكأن هذا الكاتب يستغفل القراء، ويريد تمرير بعض الأخطاء والمغالطات عليهم، وهذه منقصة بحق ذلك الكاتب، فلنكن جديين بكتاباتنا وحريصين على عقل القارئ وعدم الاستهانة به، ونقل المعلومة بشكل دقيق وتوثيق علمي مع ذكر المصدر.
8- بعض الكُتَاب عندما تطلب منه مقالًا أو كتابة أو تحليل، أول ما يجيب: كم ستدفع؟! وكأن الكتابة أصبحت مهنة وحرفة وباب للتكسب، مع أن ذلك جائز ولا غبار عليه لكن لا ينبغي أن يكون متجذِّر ومتأصل بذهن وعقل الكاتب، حتى يتحول شيئًا فشيئًا لآلة وماكنة بعيدًا عن المسؤولية وعِظم الرسالة التي يؤديها والأمانة، فاحذر أن تكون من كتاب الدرهم والدينار، لأنها ستقضي عليك وتذهب ببهاء وبركة الكتابة.
9- من الآفات كذلك شخصنة الكتابة، والنظرة الضيقة، والإطراء المفرط والعجب الزائد بالنفس، والتسربل بسربال التعالم والتعالي، والتشبُّع بما لم يعط.
10- من أعظم الآفات تتبع عورات الآخرين، ومتابعة السقطات والأخطاء والعيوب، ونشرها والمسارعة في فضح ذلك من غير مناصحة حقيقية سرية، حتى تنقل الخلافات الفكرية والمنهجية والأيديولوجية لصراعاتٍ شخصية تظهر للعلن، تقود لانشقاقات بين القراء وتعدي وشتائم بعيدة عن روح النقد ومجرد الخلافات، يقول الإمام مالك: "أدركت بهذه البلدة أقوامًا ليس لهم عيوب، فعابوا الناس فصارت لهم عيوب، وأدركت بها أقوامًا كانت لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس، فنسيت عيوبهم!"، وقال الشافعي: "بئس الزاد إلى المعاد، العدوان على العباد. فطوبى لمن شغلته عيوبه عن عيوب الناس فأصلحها، لأن من علامة الاستدراج العمى عن عيوب النفس".
وأنشد بعضهم قائلًا:
لَا تَلْتَمِسْ مِنْ مَسَاوِي النَّاسِ مَا سَتَرُوا *** فَيَكْشِفَ اللَّهُ سِتْرًا مِنْ مَسَاوِيكَا
وَاذْكُرْ مَحَاسِنَ مَا فِيهِمْ إذَا ذُكِرُوا *** وَلَا تَعِبْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِمَا فِيكَا
وَاسْتَغْنِ بِاَللَّهِ عَنْ كُلٍّ فَإِنَّ بِهِ *** غِنًى لِكُلٍّ وَثِقْ بِاَللَّهِ يَكْفِيكَا
11- من أعظم وأخطر الآفات؛ سرقة جهود الآخرين وأعمالهم، وخيانة الأمانة العلمية في النقل والتوثيق والمراجع.
12- من آفات الكُتَّاب؛ إذا خاصم فجر حتى يُصبح لا همَّ له ولا شغل، إلا الوقيعة والتفنن بالانتقاص من خصمه، حتى تأخذ منه سلاسل ومقالات وكأنه ينافح عن الدين ويقوم بجهاد الكافرين، وتزداد الطامة إذا كان من لك فضل عليه وسابق صحبة، من ينقلب عليك كالذئب الكاسر إشباعًا لهوى أو حسدًا منه، حتى قال شعرًا من ابتلي بأمثال هؤلاء:
مللت الناس كلهم اضطرارًا *** لأن وِداد أكثرهم هباءُ
وكم من صاحب أُصفي ودادي *** له، ونصيبنا منه الرياءُ
وأرعى عهده ويضيع حقي *** وهذا يا أخي بئس الجزاءُ
هنالك آفات أخرى، يجب علينا الوقوف عليها وتصويب مسارنا فيها..
وأخيرًا..
أختم بهذه الثلاثيات الذهبية، نستنير بها ونتعظ بمضامينها ونعتبر بفحواها، عسى أن ينفعنا الله بما قلنا وما سمعنا وما خطته أيدينا:
ثلاثة يجب ضبطها: (اللسان، النفس، الأعصاب).
ثلاثة يجب التخلص منها: (التملق، الوشاية، التبذير).
ثلاثة يجب اجتنابها: (الحسد، الغرور، كثرة المزاح).
ثلاثة محبوبة: (التقوى، الشجاعة، الصراحة).
ثلاثة ممقوتة: (الكذب، النفاق، الكِبر).
ثلاثة ممتازة: (الحب في الله، العفو عند المقدرة، الصمت).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- (صحيح الجامع).
[2]- (سير أعلام النبلاء: [11/285]).