الشيخ الشريم وبيان عقيدة الولاء والبراء حول غزة
سعود بن إبراهيم الشريم
فلا يزال إعلاميون وسياسيون في دول مسلمة يصفون القصف اليومي لأبرياء عزل مستهزئين بأرواح الفلسطينيين قائلين إنها "مسرحية هزلية"، ولم تتورع مسئولة كبرى في صحيفة حكومية رسمية من تقديم شكرها لنتانياهو على إعلان الحرب على غزة!!، فهل يمكن تصور وصف إعلاميين وسياسيين مسلمين لهدف العدوان الإسرائيلي بوصف "مقاومة الإرهابيين"؟
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
بإذن الله سوف تشفى الجروح وسوف يتسلى آل الشهداء بيقينهم أن شهداءهم أحياء عند ربهم يرزقون، وسوف يكبر الصغار الذين يشاهدون بأعينهم ما يجري على ساحة فلسطين من ظلم وغدر وخيانات ومؤامرات، وسوف يخرج منهم جيل أقوى من كل جيل فلا تزيدهم الشدائد إلا قوة في عزائمهم.
ولكن الجرح الذي لن يندمل هو الجرح الذي أصاب بعض العرب والمسلمين، ممن ذهبت نجدتهم وماتت غيرتهم وفرحوا في مقتل إخوانهم ووصلوا إلى حد الشماتة في قتلاهم وجرحاهم، وبالغوا في الخسة بأن صوروا هذه الجراح والآلام بالتمثيلية وطالبوا جيوشاً عربية مسلمة بأن تحكم الحصار وتضيقه عليهم وأن تساهم هي أيضاً بقوات تضرب أهل غزة، وكأن كل هذه الدماء لم ترو عطش نفوسهم للتشفي في الأسر المسلمة التي تقصف ليل نهار براً وبحراً وجواً، وكأن مشاهد الأطفال التي يسال دمها البرئ الطاهر لم يكفهم.
أليس هذا الجرح الغائر شديداً على أهل فلسطين جميعاً وعلى أهل غزة خصوصاً حينما تصلهم مدائح الإعلام الصهيوني لبعض الإعلاميين المسلمين والعرب ممن يطالبون الجيش الصهيوني بضرب غزة بكل قوتهم، ويطالبون جيوش بلادهم المسلمة بالمساهمة في قتل أهل غزة؟ وأليس من المؤلم عليهم أيضا أن يروا هذه الخيانات لدمائهم التي أضحت رخيصة جداً في أعين بني جلدتهم ومن يتحدثون بنفس ألسنتهم؟
فهل يعقل أن تصدر تلك المقولات من مسلمين يعرفون أنهم من الإعلاميين المؤثرين في الرأي العام! والذين يعلمون أن تصريحاتهم ستكتب عنهم وستنقل في الصحف والمجلات وعلى مواقع التواصل وعلى مواقع الفيديوهات العالمية، وستنتشر عبر قارات الدنيا ليستعين بها النظام المجرم في تبرير هجومه واعتدائه على أهل غزة أمام الرأي العام العالمي؟
وهل يعقل أن يقف هؤلاء في صف من قال الله فيه: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة من الآية:82]؟، وفي صف من حذرنا الله من مكائدهم وأعلمنا ما في داخل قلوبهم فقال: {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} [المائدة من الآية:41].
فلا يزال إعلاميون وسياسيون في دول مسلمة يصفون القصف اليومي لأبرياء عزل مستهزئين بأرواح الفلسطينيين قائلين إنها "مسرحية هزلية"، ولم تتورع مسئولة كبرى في صحيفة حكومية رسمية من تقديم شكرها لنتانياهو على إعلان الحرب على غزة!!، فهل يمكن تصور وصف إعلاميين وسياسيين مسلمين لهدف العدوان الإسرائيلي بوصف "مقاومة الإرهابيين"؟
وهل يعقل أن يغرد مسلمون مثل هذه التغريدة "بصراحة اليهودي أفضل لأنه يدافع عن أرضه حتى لو سرقها عكس الفلسطيني الذي يبيع أرضه وعرضه بسهولة"!، أو تلك "اللهم انصر إسرائيل على حماس وكل إخواني و .... باللي يكفرني"؟
وعلى نبرة تلك الشماتة سارت صحف ومواقع إخبارية تابعة لنظام الأسد، فكانت تعليقات المتابعين لها مخزية وشديدة الألم حيث قال وجهوا لأهل غزة شتائم بألفاظ نابية ووصفتهم بأنهم "خونة"، حتى قال أحدهم: "بيحرقو فلسطين بيدمروها بيدبحوا غزة وأهلها، هاد شي ما بيهم بالعكس هاد أقل شي بيستحقوه شعب لا يعرف غير الخيانة، إذا خانو قضيتون بدون يكونو معنا أحسن؟"، بينما علق ثان تعليقاً أشد من سابقه فقال: "إلى جهنم كل العرب والمسلمين".
وهناك إشكالية عند أهل السياسة والإعلام وغيرهم أنه إذا وقع الخلاف بين فريقين أحدهما تختلف معه سياسيًا والآخر تختلف معه دينياً، لمن يكون ولاؤك وبراؤك؟
فلم تكن هذه القضية إشكالية إطلاقاً عند أهل العلم بالدين، فالخلاف السياسي مهما كان لا يرقى أبداً للخلاف الديني، وولاء المسلم دوماً لمن يشاركه عقيدته حتى لو اختلفا سياسياً على بعض الأمور وخاصة إذا كان الطرف المقابل له على خلاف ديني بينهما وكانت قضيته عادلة، فالله عز وجل يقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة من الآية:71].
ويؤكد هذا الموقف الصحيح الشيخ سعود الشريم إمام الحرم المكي الذي هاجم الشامتين بالعدوان الصهيوني على قطاع غزة ووصفها بأرض العزة.
فقال الشيخ في عدة تغريدات على حسابه على موقع "تويتر":
- لا تحزن لأنك رأيت في ديار الإسلام من يشمتون بمسلمين غزاهم عدوهم، بل اسجد شكراً لله إذ فضحهم {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّـهُ أَضْغَانَهُمْ} [محمد:29].
- وكانت تغريدته الثانية: لا عجب أن تموت غيرة بعض المسلمين، لكن العجب أن يكون الجماد أغير منهم، ففي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: « ».
- وأكد في الثالثة أن: فساد قلب المرء أو نفاقه جدير بأن يحوله من قلب (عربي) إلى قلب (عبري) {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [الحشر من الآية:11].
- وختم تغريداته بمدح غزة قائلاً: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الاسم الحسن، فلو قلت (غَزَّةٌ) أو قلت (عِزَّةٌ) فما أخطأتَ مدحَها!!. إنْ شئتَ قُلها غَزَّةٌ أو عِزَّةٌ فكلاهما حصــنٌ لها وإباءُ.
فهذا هو الموقف الإيماني الصحيح الذي يقدم حق الولاء والبراء للمؤمنين على أي خلاف سياسي مهما كان حجمه، فعندما جاءت الأخبار بهزيمة الروم من الفرس؛ حزن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لهزيمة أهل الكتاب من قبل المجوس، فنزلت آيات سورة الروم لتبشر المؤمنين ببشارة قرب انتصار أهل الكتاب على عباد النار، فقال: {ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:1-7].