عشرون يوماً في نفق مظلم

مجموعة من أبطال كتائب القسام كانوا في داخل الأنفاق لما قصفت الطائرات الإسرائيلية المنافذ فأغلقت الأنفاق تمامًا، وحُبس المقاومون هناك لمدة عشرين يومًا، قاوموا وصمدوا وأخيرًا خرجوا سالمين بعد توقف الاعتداء الإسرائيلي على الأبرياء في قطاع غزة، صور جديدة تحكي بطولات، لا بل قصص خيالية لا يصدقها العاديون، ملاحم تروي انتكاسة العدوّ وشجاعة مقاتلي القسّام.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية - قصص مؤثرة -

برغم رائحة الموت والدمار المنبعثة من كل مكان، فقد انتصر المقاومون في غزة وكسروا شوكة الإسرائيليين بفضل العزيمة التي لا تقهر والأمل الذي لا يخفت، والإصرار الذي لا ينكسر والإيمان بقضيتهم العادلة وبقدرتهم على استرجاع أرضهم المغتصبة، في ظلّ صمت شقّ من العرب ودعم الصهاينة لشقّ آخر.

مجموعة من أبطال كتائب القسام كانوا في داخل الأنفاق لما قصفت الطائرات الإسرائيلية المنافذ فأغلقت الأنفاق تمامًا، وحُبس المقاومون هناك لمدة عشرين يومًا، قاوموا وصمدوا وأخيرًا خرجوا سالمين بعد توقف الاعتداء الإسرائيلي على الأبرياء في قطاع غزة، صور جديدة تحكي بطولات، لا بل قصص خيالية لا يصدقها العاديون، ملاحم تروي انتكاسة العدوّ وشجاعة مقاتلي القسّام.

في هذا الحوار الشيّق، بين المحلل السياسي فائز أبي شمالة ومقاتل من كتائب القسام، يروي فيه حياته وبقية الأبطال في نفق مظلم طوال عشرين يومًا، بعد انهيار أحد الأنفاق عليهم في عمق 25 مترًا في ثاني أيام الاجتياح البرّي على غزة، بين الحياة والموت، دون أن يتسرّب إليهم اليأس، أو يطلّ على قلوبهم الخوف فخرج 24 مقاتلًا من وحدة النخبة أحياء سالمين.

خرج محمود من النفق سليمًا معافى بعد عشرين يومًا من غلْق منافذ النفق الذي كانوا يرابطون فيه استعدادًا للانقضاض على العدوّ ومفاجأته، لقد كان مرهقًا وهو ممدّد على فراشه.

س- شهادتك العلمية يا محمود؟
ج- بكالوريوس

س- كم لبثتم مدفونين تحت الأرض؟
ج- 20 يومًا لا غير.

س- ما عدد الأحياء الذين خرجوا من النفق؟
ج- 24.

س- ماذا حدث معكم؟
ج- قصفت الطائرات الإسرائيلية منافذ النفق، أما باقي العيون، فقد أغلقناها نحن بأيدينا، ولا سيّما بعد أن تسربت الغازات اليهودية السامة إلى الداخل.

س- كيف أمضيتم الوقت في النفق المظلم؟
ج- كنا نصلي، ونغني، وننشد الأناشيد، ونمزح مع بعضنا، ولم يمت فينا الأمل حتى اللحظة الأخيرة.

س- وماذا عن الطعام؟
ج- كان لدينا التمر، وكان نصيب الفرد منا نصف تمرة في اليوم.

س- وماذا عن الماء؟
ج- تجمّع الماء العذب في إحدى زوايا النفق، وفي الأيام الأخيرة ازدادت كمية الماء.

س- كم مترًا كنتم تحت الأرض؟
ج- حوالي 25 مترًا.

س- وكيف كنتم تصلون إلى نقطة تجمّع الماء، وتشربون، وكيف كنت تتحركون في العتمة القاتمة؟
ج- كان لدينا بعض كشافات الإنارة، نستخدمها عند الضرورة، وأوشكت على النفاذ في آخر يوم، وكان أحدنا يجمع الماء، ويأتي إلينا كل يوم بما مقداره 40 لترًا من الماء.

س- هل كان لديكم اتصال بالخارج؟
ج- انقطع الاتصال، ولم نعد نعرف ما يجري من حولنا.

س- هل كنتم تعرفون اليوم والوقت والتاريخ؟
ج- كنا نحسب الأيام حسب شهر رمضان، لذلك صمنا ثلاثين يومًا، وفي الوقت الذي كان عيدكم يوم الاثنين، كان عيدنا يوم الثلاثاء، وكنا نعرف الليل والنهار من خلال الساعة.

س- هل فقدتم الأمل بالنجاة؟
ج- لم نفقد الأمل، كنّا نصلي جماعة، وندعو الله، ونحاول الحفر كي نخرج، وقد ارتقى منّا شهداء أثناء الحفر، ومع الأيام ضعفنا جسديًّا، ولم نعد قادرين على الحفر.

س- هل ظلّ منسوب الأمل لديكم كما هو؟
ج- في البداية كان الأمل بالنجاة كبيرًا، وكنا نقدر حدوث التهدئة يوم العيد، فلمّا مرّ يوم العيد دون أن يصل إلينا أحد، بدأ الأمل بالنجاة يخفت، وبدأت قوانا تضعف.

س- هل مرت عليكم لحظات ضعف أو خوف أو يأس؟
ج- نحن بشر، كان الليل علينا ثقيلًا، لم نكن نعرف النوم، وكانت الهواجس بعدم النجاة تهاجمنا أحيانًا، ولكن في الصباح، نتحدث مع بعضنا عن أحلامنا، وعن الفرج القريب.

س- صفْ لي حجم الفرح لديكم لحظة اكتشافكم في النفق؟
ج- سمعنا صوت الآلية التي تحفر حولنا، بداية توجسنا الريبة، فتراجعنا إلى داخل النفق، وتقدم أحدنا باتجاه الصوت يستطلع الخبر، وبعد ساعتين تقريبًا، سمعناه يقول: الله أكبر ولله الحمد، فكبرنا من بعده، وأدركنا أننا قد نجونا، وصار النفق يردد أصداء صرخاتنا، الله أكبر ولله الحمد، صرخت بأعلى صوتي: لقد نجونا، سنخرج، سنعود إلى الحياة. الله أكبر ولله الحمد.. بعد ذلك لم نرَ ضوء الشمس مباشرة، فقد امتدت يد القسام، ووضعت على أعيننا الأغطية كي لا ترقهقنا الإضاءة، لنصل إلى هنا ترافقنا السلامة والانتصار.

 

محمد بن رجب

المصدر: موقع مجلة التقرير