(59) بداياتٌ جديدةٌ ونهارٌ آخر
مصطفى يوسف اللداوي
عشت يا وطني فرحًا سعيدًا رغم أنف من قاتلوك.. ومن تآمروا عليك وخانوك.. افرح كما أرادت مقاومتك أن تفرح.. وكن سعيدًا كالشهداء ولا تحزن.. فهم اليوم في الجنان يُحبرون، ومع الأنبياء والصديقين يجتمعون..
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
بداياتٌ جديدة ونهارٌ آخر..
صباحه مختلف، ونهاره لا يشبه الأمس.. وإن كان فجره من ليله الحالك قد انبلج..
إنه ابن الأمس الضروس، حياة من الموت ولدت..
شهرٌ قد مضى وزمانٌ آخر قد بدأ..
الوجوه نفسها ما تبدَّلت.. لكنها القلوب قد تغيَّرت..
سكنتها القوة.. ملأتها العِزَّة.. غمرتها النشوة.. تُحرِّكها روح النصر وإرادة البقاء..
السماء صافية زرقاء لا حجب فيها..
فيها سحائب خير.. وغيوم تبشر ..
لكن.. لا قصف فيها كالرعد، ولا قنابل وصواريخ تسقط كما المطر..
انقشعت الغيوم من السماء وتبدَّدت سحائبها السود..
ركامٌ وبقايا أبنية، وعفارٌ وغبارٌ والكثير من الأتربة..
ثيابٌ ملونةٌ كالجبال، وألعاب أطفالٍ مبعثرةٍ مكسرةٍ قد داستها أقدام غيلان..
غاب العدو ورحل.. فرّ أو اندحر.. لقد اندثر..
لا.. لن يعود إلى بلادي.. ولن يُفكِّر في قتل أهلي وأبناء شعبي..
أظنه قد تعلَّم.. في المساء عندما يجتمعون أظنه سيتعلَّم.. وسيندم..
عندما يلتقون ويفتقدون غائبهم ويلمسون جرحهم.. سيذكرون جريمتهم.. وسيتعلَّمون..
لن يعودوا لمثلها.. فقد تغير الزمان وتبدّل الرجال.. قد علِموا أنهم يعيشون زمانًا آخر..
فيه فرسانٌ لم يترجلوا عن صهوة جيادهم، ولم يسقطوا السيف من قبضات أيديهم..
أنفاقهم قصور.. وثغورهم أكثر سعادةً من البيوت..
البندقية تُزيِّن أكتافهم، وأحزمة الطلقات ترصع صدورهم..
إنها أوسمةٌ وتيجان.. وشهاداتٌ وعلاماتٌ..
حاملها يرتقي، ومالكها يتقدَّم، يجتازون بها الدنيا، وفي الآخرة هم السابقون الأولون الفائزون..
أصحابها في العيون، وفي حنايا القلوب يسكنون..
ندين لهم، ونحفظ فضلهم، ونشكر جهدهم، وعلى وقع خطاهم نمضي ونسير..
صمتٌ يطغى وأقدامٌ تزحف..
لم يعد هناك قصفٌ ولا غارة ولا طائرة..
سكتت المدافع ورجعت الدبابات..
خرج الناس إلى الشوارع والطرقات..
بعضهم يبحث عن أفراد أسرته..
وغيرهم ينقب عن بقايا أجساد أهله..
هنا جسدٌ تحت الأنقاض..
وهنالك يدٌ وبقايا جذعٍ ولا أطراف..
ما زال الموت يسكن في الطرقات وتحت المباني وخلف الأبواب..
لم يرحل الموت ولم تنتهِ أحزانه في بلادي..
إنه يتجدَّد كل حين، ويعود ليقول للناس أنني ما زلت هنا لم أرحل..
لكنه سيرحل.. سيغادرنا ويرحل..
ها هي عصاه على كتف الراحلين قد حملوها معهم..
لن يعود الحزن إلى بلادي.. ولن يكسو الوجوم وجوه أهلي..
اليوم أراهم رغم الحزن يفرحون..
ورغم الفقد يفرحون..
أصابهم القرح لكنهم يبتسمون..
الألم يعتصر قلوبهم لكنهم على أقدامهم يقفون..
لا يئنون ولا يصرخون.. ولا يبكون ولا يفجرون..
إنهم باسم المقاومة يهتفون.. ولها يدعون..
إنهم إليها ينتسبون.. وفي صفوفها يعملون..
إليها ينتمون.. وعليها سيحافظون..
شهيدهم رحل والبندقية في يده..
الجريح ينعب بالدم جرحه ويترقب..
هو على موعدٍ مع النصر ينتظر..
لا.. لن يغادر قبل أن يرى تباشيره.. ويعيش أفراحه..
سيحمل الراية هو.. سيرفعها بيديه.. بعضديه.. سيعض عليها بنواجده..
لم يغدرهم النصر وعنهم لم يتأخر..
وفيًا كان.. حلّ في بلادهم.. ونزل بينهم.. كبيرًا كما وعدهم.. عظيمًا كما توقعوه..
هنيئًا لصانعي النصر ومستقبليه، وللمحتفلين به والمرحبين بقدومه.. ولمن كان له فيه سهمٌ ودور..
عشت يا وطني فرحًا سعيدًا رغم أنف من قاتلوك.. ومن تآمروا عليك وخانوك..
افرح كما أرادت مقاومتك أن تفرح.. وكن سعيدًا كالشهداء ولا تحزن..
فهم اليوم في الجنان يُحبرون، ومع الأنبياء والصديقين يجتمعون..
مرحى بالنصر.. أهلًا بالانتصار..
مرحى بالشمس الطالعة.. والنجوم الساطعة..
إنها شمس بلادي علينا تُشرِق، وعلى العالمين من أرضنا تشرق..
لن تغرب بعد اليوم.. لا لن تغيب.. لن يزول ضياؤها .. ولن تبرد حرارتها.. ولن تنطفئ أشعتها..
إنها شمس غزة.. شمس الغزيين والفلسطينيين .. شمس العرب والمسلمين.. شمس الغيارى والمخلصين..
إنها شمسنا.. نعم شمسنا.. شمس الأحرار والثائرين.. شمس الصادقين والمقاومين..
ستبقى فلسطين وسنبقى.. وستبقى شمسنا وسنبقى..