سفر المرأة بدون محرم تنبيهات وأحكام

أيمن الشعبان

ما أردت التنبيه عليه والوقوف على بعض أحكامه لكثرة الحاجة إليه في أيامنا هذه؛ هو سفر المرأة بدون محرم، حيث أصبحت ظاهرة عمت بها البلوى وحالة انتشرت حتى أصبحت كأنها عادة مستساغة لا علاقة للشرع بها لدى الكثير من النساء، وتزداد وتتسع هذه الظاهرة وتنتشر في مواسم الإجازات وعروض الطيران الرخيصة، حيث أصبح للأسف الشديد المُحدَّد لسفرنا التكلفة المادية بعيدًا عن أي حسابات شرعية أو دينية إلا من رحم الله وقليل ما هم.

  • التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة - النهي عن البدع والمنكرات - أحكام النساء -

الحمد لله العزيز الحكيم، الهادي عباده إلى صراط مستقيم، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وبعد:

ما من خير في الدنيا والآخرة إلا حثنا الله عليه ودلَّنا إليه، وما من شر إلا نهانا عنه وحذَّرنا منه، فترك النبي عليه الصلاة والسلام صحابته الكرام على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، يقول ربنا تبارك وتعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر من الآية:7]، قال العلَّامة السعدي في تفسيره: "وهذا شامل لأصول الدين وفروعه، ظاهره وباطنه، وأن ما جاء به الرسول يتعيَّن على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته، وأن نص الرسول على حكم الشيء كنص الله تعالى، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله" أ.هـ.

يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم» فالأوامر تخضع لاستطاعة المكلف على فعلها وقدرته على أدائها، أما النواهي فيجب تركها بالكلية واجتنابها ليكن ذلك لنا على بال.

وانطلاقًا من قول نبينا عليه الصلاة والسلام: «إن الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» (رواه مسلم)، وجب علينا النصح والتذكير ولا خير فينا إذا تركنا هذا الواجب، سيما ونحن نعيش في زمن طغت عليه الماديات وكثرت فيه الأهواء والشهوات، حتى أضعنا الكثير من الحقوق والأحكام والطاعات، وتلبَّسنا بالكثير من المنكرات والفتن والشبهات.

إن كثرة الشتات والتشرذم والتهجير الذي حصل للعديد من المسلمين ظلمًا وعدوانًا انعكس بشكلٍ سلبي على العديد من سلوكياتهم، وبدأت تزداد المخالفات الشرعية مع تقادم الزمن وتباعد المكان وقلة الحصانة وكثرة الهموم والشواغل وتسارع الأحداث والمستجدات.

ما أردت التنبيه عليه والوقوف على بعض أحكامه لكثرة الحاجة إليه في أيامنا هذه؛ هو سفر المرأة بدون محرم، حيث أصبحت ظاهرة عمت بها البلوى وحالة انتشرت حتى أصبحت كأنها عادة مستساغة لا علاقة للشرع بها لدى الكثير من النساء، وتزداد وتتسع هذه الظاهرة وتنتشر في مواسم الإجازات وعروض الطيران الرخيصة، حيث أصبح للأسف الشديد المُحدَّد لسفرنا التكلفة المادية بعيدًا عن أي حسابات شرعية أو دينية إلا من رحم الله وقليل ما هم.

إن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام قد نهى وحذر في غير ما حديث من سفر المرأة بلا محرم، ونذكر بعض تلك الأحاديث التي وردت في هذا الباب وكلها صحيحة إن شاء الله:

عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:

- «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ يَوْمًا، إِلاَّ مَعَ ذِي رَحِمٍ».

- وفي رواية: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ لَيْلَةً، إِلاَّ وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا».

- وفي رواية: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ أَنْ تُسَافِرَ يَوْمًا فَمَا فَوْقَهُ، إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو حُرْمَةٍ».

- وفي رواية: «لاَ تُسَافِرُ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ يَوْمٍ تَامٍّ، إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ».

- وفي رواية: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ، إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ».

- وفي رواية: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا».

"وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ نَبَّهَ بِمَنْعِ الْخُرُوجِ أَقَلُّ كُلُّ عَدَدٍ عَلَى مَنْعِ خُرُوجِهَا عَنْ الْبَلَدِ مُطْلَقًا إِلَّا بِمَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ".

قَالَ أَحْمَدُ: "لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا، وَإِلَى كَوْنِ الْمَحْرَمِ شَرْطًا فِي الْحَجِّ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالنَّخَعِيُّ وَإِسْحَاقُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَهُمْ هَلْ هُوَ شَرْطُ أَدَاءٍ أَوْ شَرْطُ وُجُوبٍ، وَقَالَ مَالِكٌ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ إِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْمَحْرَمُ فِي سَفَرِ الْفَرِيضَةِ. وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَجَعَلُوهُ مَخْصُوصًا مِنْ عُمُومِ الْأَحَادِيثِ بِالْإِجْمَاعِ" (تحفة الأحوذي، ص: [3/249]).

"واحتج الكوفيون بحديث ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم، فقالوا: لا يحل للمرأة أن تخرج إلى الحج مع غير ذى محرم، وجعلوا المحرم للمرأة سبيلًا من سبل الحج" (شرح صحيح البخاري؛ لابن بطال، ص: [5/84]).

ومعلوم في علم الأصول أن النهي يقتضي التحريم إلا بقرينة صارفة، وعليه ينبغي الامتثال لهذا النهي والاستجابة بعدم سفر المرأة بدون محرم، ومن القواعد الفقهية الجامعة "الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة".

وينبغي أن يكون حال المؤمن مع أمر الله ونهيه التسليم والانقياد والخضوع، وعدم التلكؤ والبحث عن مبرِّرات وثغرات وشبهات يقول ربنا تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36]، يقول ابن القيم: "كمالُ التسليم والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقَبول والتصديق، دون أن يعارضه بخيال يسميه معقولًا، أو بشبهة، أو شك، أو يقدم عليه آراء الرجال" (مدارج السالكين، ص: [2/387]).

قال الزهري: "من الله الرسالة وعلى الرسول عليه الصلاة والسلام البلاغ وعلينا التسليم" (أخرجه البخاري مُعلِّقًا).

ويقول الإمام الشافعي: "أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد".

"من الأحكام التي تدل عليها الأحاديث المذكورة لزوم المحرم للمرأة في سفرها -ولو لواجب- وتحريم سفرها بدونه إلا لضرورة؛ لصريح النهي، وصريح الأمر، وصريح منع الحِل: «لا تسافر»، «اخرج معها»، «انطلق فحج مع امرأتك»، «لا يحل لامرأة»، وقد دلَّ حديث ابن عباس على لزوم المحرم للمرأة وإن كانت في رفقة مأمونة، كمن كانت في رفقة خير الأمة من الصحابة والصحابيات، رضي الله عنهم أجمعين؛ وذلك لأنه أَمَرَ الرجلَ والأمْرُ يقتضي الوجوب، وعضد أصل دلالة الأمر الإذنُ للرجل بعد تعيينه في الغزوة، كما دلّت على هذا المعنى بقية الأحاديث؛ إذ جاءت عامة تشمل كل امرأة في كل سفر كما قرّر، ولم تستثنِ غير صاحبة المحرم، ولم يثبت نص يفيد الترخيص عند التمحيص، اللهم إلا لضرورة، يُقرِّرها أهل الشأن" (المحرم في سفر المرأة كشف الغلط وموضع الشبهة - مجلة البيان).

إذن هذه أحاديث واضحة صريحة جلية في حرمة سفر المرأة من غير محرم، ولا ينبغي للمرأة أن تُسوِّل لها نفسها مخالفة هذا الحكم، لما فيه أولًا من مخالفة أمر الله ورسوله، والوقوع في العديد من الأضرار المترتبة على ذلك ثانيًا، لأن الشرع جاء بتكريم المرأة وصيانتها وحفظها من كل شائبة أو ريبة، إذ تعتبر المرأة في الإسلام لؤلؤة مصونة ينبغي المحافظة عليها من عبث العابثين، وعدم تعريضها لأي موقف من شأنه المساس بها.

و"الْمَحْرَمُ -الَّذِي يَجُوزُ مَعَهُ السَّفَرُ وَالْخَلْوَةُ: كُلُّ مَنْ حَرُمَ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ عَلَيْهِ لِحُرْمَتِهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ، فَقَوْلُنَا [عَلَى التَّأْبِيدِ] احْتِرَازًا مِنْ أُخْتِ الزَّوْجَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا، وَقَوْلُنَا [بِسَبَبٍ مُبَاحٍ] احْتِرَازًا مِنْ أُمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مَحْرَمًا بِهَذَا" (إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، ص: [2/258]).

قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: "فالحاصل: أن كل ما يُسمّى سفرًا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يومًا أو بريدًا أو غير ذلك؛ لرواية ابن عباس المطلقة، وهي آخر روايات مسلم السابقة: «لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم»، وهذا يتناول جميع ما يُسمَّى سفرُا، والله أعلم".

يقول الإمام النووي في (المجموع، ص: [8/249]): "ولا يجوز في التطوع وسفر التجارة والزيارة ونحوهما إلا بمحرم" انتهى.

"فالذين يتساهلون في هذا الزمان في سفر المرأة بدون محرم في كل سفر لا يوافقهم عليه أحد من العلماء الذين يعتد بقولهم.

وقولهم: إن محرمها يركبها في الطائرة ثم يستقبلها محرمها الآخر عند وصولها إلى البلد الذي تريده؛ لأن الطائرة مأمونة بزعمهم لما فيها من كثرة الركاب من رجال ونساء.

نقول لهم: كلا، فالطائرة أشد خطرًا من غيرها؛ لأن الركاب يختلطون فيها، وربما تجلس إلى جنب رجل، وربما يعرض للطائرة ما يصرفها عن اتجاهها إلى مطار آخر، فلا تجد من يستقبلها فتكون معرضة للخطر، وماذا تكون المرأة في بلد لا تعرفه، ولا محرم لها فيه؟" (تنبيهات على أحكام تخص المؤمنات، ص: [80-82] صالح الفوزان).

"وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم» وهذا يعم جميع الأسفار حتى سفر الحج -وقد أقال النبي عليه الصلاة والسلام رجلًا من الغزو في سبيل الله آمرًا له أن يرجع ليصحب امرأته في الحج حتى لا تسافر وحدها- وسفر المرأة بغير محرم يُغري الفُسّاق بها فيتعرضون لها -كما يجعل المرأة ضعيفة أمام تزيين الشيطان فيكون في ذلك تسهيلًا للوقوع في الفاحشة- وأقل أحوالها أن تؤذى في عِرضها وشرفها، وكذلك ركوبها بالطائرة ولو بمحرم يودع ومحرم يستقبل -بزعمهم- فمن الذي سيركب بجانبها في المقعد المجاور؟ ولو حصل خلل فهبطت الطائرة في مطار آخر، أو حدث تأخير واختلاف موعد فماذا يكون الحال؟! والقصص كثيرة".

وحتى مع زوال كل هذه العلل فنحن متعبدون بطاعة الله جل وعلا حيث أمر وحيث نهى. ويشترط أن يكون المحرم مسلمًا عاقلًا بالِغًا ذكرًا، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها» (نقلًا من كتاب: ولا تقربوا الفواحش؛ لـ جمال عبد الرحمن، ص: [69]).

فلا يقول قائل هنالك من أفتى بجواز سفر المرأة برفقة نساء معها واعتبار هذا كلام منزل، تماشيًا مع الهوى المجرّد بعيدًا عن الأدلة الشرعية، والخلاف حصل بحج المرأة الحج الواجب بوجود رفقة ثقات من النساء مع أن الحديث عام بكل السفر..

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في (دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر): "هذا العمل وهو الحج بدون مَحرم: مُحرَّم لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإنني قد اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «انطلق فحج مع امرأتك» رواه البخاري: [3006] ومسلم: [1341]).

فلا يجوز للمرأة السفر بدون محرم، والمحرم: من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح، ويشترط أن يكون بالِغًا عاقلًا، وأما الصغير فلا يكون محرمًا، وغير العاقل لا يكون محرمًا أيضًا، والحكمة من وجود المحرم مع المرأة حفظها وصيانتها، حتى لا تعبث بها أهواء مَن لا يخافون الله عز وجل ولا يرحمون عباد الله.

ولا فرق بين أن يكون معها نساء أو لا، أو تكون آمنة أو غير آمنة، حتى ولو ذهبت مع نساء من أهل بيتها وهي آمنة غاية الأمن، فإنه لا يجوز لها أن تسافر بدون محرم؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا أمر الرجل بالحج مع امرأته لم يسأله ما إذا كان معها نساء وهل هي آمنة أم لا، فلما لم يستفسر عن ذلك دل على أنه لا فرق، وهذا هو الصحيح.

وقد تساهل بعض الناس في وقتنا الحاضر فسوَّغ أن تذهب المرأة في الطائرة بدون محرم، وهذا لا شك أنه خلاف النصوص العامة الظاهرة، والسفر في الطائرة كغيره تعتريه الأخطار.

فإن المسافرة في الطائرة إذا شيعها محرمها في المطار فإنه ينصرف بمجرد دخولها صالة الانتظار، وهي وحدها بدون محرم وقد تغادر الطائرة في الوقت المُحدِّد وقد تتأخر. وقد تقلع في الوقت المُحدَّد فيعتريها سبب يقتضي رجوعها، أو أن تنزل في مطار آخر غير المطار المتجهة إليه، وكذلك ربما تنزل في المطار الذي تقصده بعد الوقت المُحدَّد لسببٍ من الأسباب، وإذا قُدِّر أنها نزلت في وقتها المُحدَّد فإن المحرم الذي يستقبلها قد يتأخر عن الحضور في الوقت المُعيَّن لسببٍ من الأسباب، إما لنوم أو زحام سيارات أو عُطل في سيارته أو لغير ذلك من الأسباب المعلومة، ثم لو قدّر أنه حضر في الوقت المُحدِّد واستقبل المرأة فإن من يكون إلى جانبها في الطائرة قد يكون رجلًا يخدعها ويتعلَّق بها وتتعلَّق به. والحاصل أن المرأة عليها أن تخشى الله وتخافه فلا تسافر لا إلى الحج ولا إلى غيره إلا مع محرم يكون بالِغًا عاقلًا. والله المستعان" أ.هـ.

وقال شيخ الإسلام (مجموع الفتاوى: [6/401]) "فنهى صلى الله عليه وسلم عن الخلوة بالأجنبية، والسفر بها؛ لأنه ذريعة إلى الشر".

وعليه ينبغي على أمهاتنا وأخواتنا الفضليات عدم التجرؤ والمجازفة بغضب الله عز وجل ومعصيته بهذا السفر المحرم إلا بصحبة محرم، مهما كان السبب -إلا الضرورة القصوى والحاجة المُلحّة- لأن الدنيا فانية وزوالها وشيك وقريب، فلا نغتر بطول الأمل والمغريات، {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ . الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار:6-7] فهل غركم كرمه؟! أم غركم حلمه ورحمته وإمهاله؟!

للأسف هنالك العديد من النساء ينظرن إلى غيرهن من اللواتي يسافرن بلا محرم، ويكون لديهن مبرّر في ذلك، وهذا استدراج من الشيطان، بل قد تستدل بعض الأخوات بأن فلانة الملتزمة صاحبة الدين سافرت بلا محرم لرؤية ذويها مثلًا، أو لوجود عرض خاص ومخفض للشركة الفلانية، فهلَّا أصبح مقياسنا كتاب الله عز وجل وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام والأعمال الصالحة، بدلًا من تقمص السقطات، فالحق لا يعرف هكذا، إنما اِعرف الحق تعرف أهله.

والله عز وجل عندما حرّم على المرأة السفر إلا بمحرم لحكمة بالغة وعِلل عديدة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، ولا يشترط معرفتها من قبل الجميع حتى نعمل بها، فطبيعة المرأة الضعف والحاجة للغير والعاطفة والسفر مهما تيسّرت سبله ووسائله ففيه مشقة وتعب ونصب، كما يقول عليه الصلاة والسلام: «السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجل إلى أهله» (صحيح البخاري).

"فإن السفر مظنة التعب والمشقة، والمرأة لضعفها تحتاج لمن يؤازرها ويقف إلى جوارها، وقد ينزل بها ما يفقدها صوابها، ويخرجها عن طبيعتها، في حال غياب محرمها، وهذا مشاهد معلوم اليوم لكثرة حوادث السيارت وغيرها من وسائل النقل. وأيضًا: سفرها بمفردها يُعرِّضها للإغراء والمراودة على الشر، لا سيما مع كثرة الفساد، فقد يجلس إلى جوارها من لا يخاف الله، ولا يتقيه، فيُزيِّن لها الحرام. ولو فرض أنها تسافر وحدها في سياراتها، فهي مُعرَّضة لمخاطر أخرى من نحو تعطُّل سيارتها، أو تآمر أهل السوء عليها، وغير ذلك.

وبهذا يتضح أن الإسلام سبق النظم كلها في رعاية المرأة وحفظها واحترامها وتقديرها، واعتبارها درة ثمينة يجب أن تصان عن المفاسد والشرور. ونحن نسلم لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ونعلم أن فيه تمام الحكمة والرحمة، لأن الله تعالى لا يحرم على عباده إلا ما فيه مفسدة ومضرة لهم" (موقع الإسلام سؤال وجواب).

وسئلت اللجنة الدائمة عن جواز سفر المرأة للحج بدون محرم فأجابت بما يلي: "لا يجوز أن تسافر المرأة لحج أو غيره بدون محرم" (فتاوى اللجنة الدائمة: [11/97]).

وهذا الحكم ليس للمرأة فيه عمر مُعيَّن أو سن يتغير فيه الحكم، "قد تقول امرأة هل هنالك سن أو عمر مُعيَّن لا يلزم فيه المرأة الحرم؟

الجواب:

ليس هناك سن تبلغه المرأة لا تحتاج فيه لمحرَم، بل في جميع سني عمرها بعد بلوغها لا يحل لها السفر إلا مع ذي محرم، من غير تفريق بين شابة وعجوز، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم» (رواه البخاري ومسلم)" (الإسلام سؤال وجواب).

قد تُبرِّر بعض النساء هذا السفر بوجود نساء معها فهل هذا يجوز؟

والجواب عليه ما قاله العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله:

"ليست المرأة محرمًا لغيرها، وإنما المحرم: هو الرجل الذي تحرم عليه المرأة بنسب، كأبيها، وأخيها، أو بسبب مباح، كالزوج وأبي الزوج وابن الزوج، وكالأب من الرضاع، والأخ من الرضاع ونحوهم".

الحكمة من المحرم في سفر المرأة:

وقد ذكر العلماء أن من حِكَم اشتراط وجود المحرم في السفر: حفظ المرأة وصيانتها، كما قال ابن مفلح رحمه الله في (المبدع: [3/101]): "المقصود بالمحرَم: حفظ المرأة" انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والحكمة في منع المرأة من السفر بدون محرم: صونُ المرأة عن الشر والفساد، وحمايتها من أهل الفجور والفسق" انتهى (مجموع الفتاوى والرسائل: [24/258]).

فالمحرم في السفر يحوط المرأة ويحميها، ويرعاها ويقوم على شؤونها، فالسفر مظنة التعب والمشقة، والمرأة لضعفها تحتاج لمن يؤازرها ويقف إلى جوارها.

فلو مرضت المرأة في السفر، وليس عندها أحد من محارمها، فمن الذي يحملها، ومن الذي يبيت بجوارها، ومن الذي يعتني بها؟

فالمحرم صيانة للمرأة، لأن المرأة بطبيعتها ضعيفة لا تقوى على مقاومة ضعاف النفوس الذين يستغلون انفرادها فيتعرضون لها بالمضايقات والمعاكسات، وخاصةً إذا جلس بجوارها في الطائرة أو الحافلة أو القطار من لا يخاف الله، ولا يتقيه.

فإذا كان مع المرأة محرمها -زوجها أو غيره- لم يجرؤ أحد من أهل الفساد على التعرُّض لها، ولا يخفى عليك تعرُّض النساء للتحرُّش في شتى الأماكن والبلاد، فلو كان معها محرمها، فهل تظنين أنه سيقع بها ما وقع؟" (موقع الإسلام سؤال وجواب).

ولو نظرنا إلى امرأة تسافر بلا محرم وأخرى معها محرم، لوجدنا أن التي بلا محرم تكون أكثر عُرضةً للتعب والمشقة وعناء السفر، فضلًا عن التحرُّش والتعدِّي والمشاكسة والاستغفال والتصيد بالماء العكر من قبل اللئام وضعاف النفوس، بينما مجرد وجود المحرم كفيل بمنع كل هذه الأشياء، وإليكم هذه القصة التي فيها عبرة وعظة {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق من الآية:37].

"قال الهيثم بن عدي: قدِمت امرأة مكة وكانت من أجمل النساء، فبينا عمر بن أبي ربيعة يطوف إذ نظر إليها فوقعت في قلبه، فدنا منها فكلمها، فلم تلتفت إليه. فلما كان في الليلة الثانية جعل يطلبها حتى أصابها، فقالت له: إليك عني يا هذا، فإنك في حرم الله وفي أيام عظيمة الحُرمة. فألح عليها يكلمها حتى خافت أن يُشهرها. فلما كان في الليلة الأخرى قالت لأخيها: اخرج معي يا أخي فأرني المناسك فإني لست أعرفها، فأقبلت وهو معها. فلما رآها عمرو أراد أن يعرض لها، فنظر إلى أخيها معها فعدل عنها.

فتمثلت المرأة بقول الشاعر:

تَعْدُو الذئابُ على مَنْ لا كِلاَبَ له *** وتَتّقي صَوْلَةَ المُسْتأسِدِ الحامي

وقد حُدث أمير المؤمنين المنصور العباسي بهذا الخبر فقال: وددت أنه لم تبقَ فتاة من قريش في خدرها إلا سمعت بهذا الحديث" (ينظر: عيون الأخبار، ص: [1/404]).

فالمحرم للمرأة كالركن الركين والسلاح المتين والحصن الحصين، تقول أميرة علي الصاعدي في (لماذا المحرم للمرأة):

"المرأة بدون وليها كطير مقصوص جناحيه، كلما ارتفع وقع. المرأة بلا محرمها فريسة سائغة، وصيد فريد، كلما انفرد وابتعد، كثر صائدوه، وزاد لاقطوه، وقلّ مدافعوه، وفقد حماه. المرأة بدون وليها لقمة ساقطة، وحلوى مكشوفة، يسقط عليها الذباب، ويتذوقها الذئاب. المرأة بدون محرمها سلعة رخيصة، وتجارة كاسدة، يقلّ ثمنها، ويكثر طلبها. المرأة بدون وليها بيت بلا أركان، ومركب بلا ربان، تلاطمها الرياح، وتلعب بها الأمواج.

لله ما أعظم هذا الدين وما أجمله، حيث عنى بالمرأة وكرمها، وصانها وحفظها، ومن أعظم ما كرمها به هو جعل الرجل قيّم عليها، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء من الآية:34]" أ.هـ.

فلتتق الله كل من سافرت بلا محرم لغير ضرورة، ولتندم على فعلتها هذه وتستغفر الله عز وجل، وتعزم عدم السفر إلا بمحرم، وبحسب تواصلنا واطلاعنا نجد بأن غالبية النساء المسافرات بلا محرم سفرهن من غير ضرورة أو حاجة، فلا تقول إحداهن: "الدين يُسر وليس بعسر"، "ولماذا هذا التشدُّد والتعقيد!، و"الضرورات تُبيح المحظورات"!

نقول:

نعم الدين يُسر.. ومن يُسره وشموليته أن جعل للمرأة محرمًا ليحفظها ويصون كرامتها من عبث العابثين، والضرورات نعم تبيح المحظورات لكن تقدّر بقدرها، ويرجع لأهل العلم والشأن بتلك الجزئية، وبالنظر نجد أغلب -إن لم يكن جميع- السفر هذا من غير أي ضرورة.

المؤسف أيضًا أن هذه الأسفار أصبحت وكأنها أمر مسلّم به حتى أن الكثير من النساء لا يسألن عن حكم السفر، بل يقمن بحجز التذاكر والسفر وكأن إحداهن ذاهبة إلى السوق أو زيارة لجارتها! والعجب كل العجب من أولياء الأمور من الأزواج والآباء أو الأشقاء الذين يشجعون على ذلك، ولا يستخدمون سلطانهم وقوامتهم بل البعض هو من يشجع على هذا السفر وينافح عنه ويدافع ويعتبر الأمر شيء طبيعي، والله المستعان.

فعلى أولياء الأمور منع النساء من هذا السفر المحرم -إلا لضرورة قصوى- وعدم التساهل في ذلك «فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» وإذا أمرها ونصحها وأبت إلا السفر كما يحصل لدى البعض في دول أوروبا بحجة أن القانون يسمح لها ذلك، فتلك المرأة وقعت بمحذورين:

الأول: عدم طاعتها لزوجها، وهذه معصية كبيرة وخطيرة.

الثاني: السفر من غير محرم وهذا أيضًا معصية كبيرة كما بينا.

نسأل الله تعالى أن يحفظ نسائنا ويُبصِّرهن بدينهن ويرشدهن إلى ما فيه الخير في الدنيا والآخرة، كما نسأله تعالى أن يهدي ضال المسلمين ويعفو عن مسيئهم ويتوب عن مذنبهم، ويُعيننا على نوائب الدنيا ومُلمَّاتها ويُعذينا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن..

وصلّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وسلم.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام