الطب في الحضارة الإسلامية
أحمد السعيد
في الوقت الذي كانت تعيش فيه أوروبا في ظلمات الجهل والتخلُّف كان المسلمون يقيمون حضارة مبهرة، وفي الوقت الذي تجاهل فيه الغرب الأوروبي تراثه اليوناني كانت كتب جالينوس وأبقراط تترجم في بغداد، وكان مجال الطب أحد هذه المجالات التي ازدهرت في ظل الحضارة الإسلامية الرائعة.
- التصنيفات: الإسلام والعلم -
في الوقت الذي كانت تعيش فيه أوروبا في ظلمات الجهل والتخلُّف؛ كان المسلمون يقيمون حضارة مبهرة، وفي الوقت الذي تجاهل فيه الغرب الأوروبي تراثه اليوناني كانت كتب جالينوس وأبقراط تترجم في بغداد، وكان مجال الطب أحد هذه المجالات التي ازدهرت في ظل الحضارة الإسلامية الرائعة.
التخصُّص أساس النجاح:
لم يكن الطب عند المسلمين مجالًا واحدًا بل كان ينقسم إلى عِدَّة فروع وتخصُّصات، فهناك الجراح المُتخصِّص في إجراء العمليات الجراحية (الجرائحي) وهناك من يتخصَّص في طب الباطنة (الطبائعي) وهناك من يتخصَّص في طب العيون (الكحال) وهناك من يتخصَّص في معالجة الكسور (المجبر).
البيمارستان مستشفى العصور الوسطى:
كان البيمارستان بمثابة مؤسسة حكومية تعالِج بالمجان وكان هناك نوعان من البيمارستان، فهناك البيمارستان الثابت الذي ينشأ في مكان مُحدَّد وهناك البيمارستان المتنقل وهو عبارة عن قافلة من الأطباء الذين يصحبون معهم أدواتهم الجراحية ومجموعة من العقاقير والأدوية ويطوفون بها وسط القرى والمدن ومن يحتاج العلاج يتم علاجه في الحال وقد تم ابتكار هذا النوع في عهد الخليفة المقتدر العباسي، وكان للاستشفاء داخل البيمارستان طقوس متعارِف عليها، ففي البداية يغتسل المريض ويترك أمواله وملابسه عند أمين الخزانة ثم يرتدي ملابس جديدة ثم يذهب إلى فراش مُحدَّد ينام عليه وتتم متابعته يوميًا بالدواء والغذاء المناسبين له..
وعادةً ما كان يلحق بالبيمارستان حمامين أحدهما للرجال والآخر للنساء وذلك للطهارة والنظافة، وفي بعض البيمارستانات كانت العناية بالمرضى تزداد مثل بيمارستان المنصور قلاوون في القاهرة الذي وفّر للمرضى مراوح من الخوص للتخفيف من حرارة الجو وبيمارستان أحمد بن طولون الذي اشترط على المرضى عدم المغادرة إلا بعد تناول دجاجة كاملة ورغيف، ولم تكن البيمارستانات مؤسسات علاجية فقط؛ بل كانت مؤسسات تعليمية، فكانت أشبه ما تكون بكليات الطب المعروفة الآن، فكانت مُزوَّدة بقاعات المحاضرات ومخازن الكتب المليئة بالمصنفات الطبية، وكان رئيس الأطباء يجلس ليُلقي دروسه في الطب للطلبة الراغبين في الاستماع إليه.
الجراحة والتخديرالكلى:
كانت الجراحة لدى الأطباء المسلمين تخصُّصًا مستقلًا بذاته وكانت على درجة كبيرة من التقدُّم، فقد برع الأطباء المسلمون في استئصال الأورام كسرطان الثدي والفخذ وبرعوا في جراحات البطن والأنف والأذن، كما نجح الجراح الشهير أبو القاسم الزهراوي في خياطة الجروح بشكلٍ داخلي لا يترك أثرًا ظاهرًا..
كما عرف الأطباء المسلمون العديد من الأدوات التي تُستخدم في إجراء الجراحية حيث ضمَّن الزهراوي كتابه (التعريف لمن عجز عن التأليف) صورٌ لأكثر من مائتي آلة جراحية ابتكرها واستخدمها بنفسه في إجراء عمليات جراحية، والابتكار البديع الذي ابتكره الأطباء المسلمون في هذا التخصُّص هو (الإسفنجة المخدِّرة) وهي بمثابة تقنية البنج الكلي حاليًا حيث كان الجرَّاح بحاجةٍ إلى تخدير المريض قبل إجراء العملية الجراحية له..
فكان الجرَّاح يأتي بقطعةٍ من الإسفنج ويغمسها في محلول من مواد مخدِّرة ثم يضعها على أنف المريض فتقوم الأنسجة المخاطية بامتصاص تلك المواد المخدِّرة فيفقد المريض وعيه ويذهب في سباتٍ عميق، ونستطيع أن نُشبِّه تقنية الإسفنجة المخدِّرة هذه بتقنية البنج الكلي المعروفة الآن.
طب الأسنان وحشو الضروس:
عرف الأطباء المسلمون كيفية قلع الأسنان واستخراج الجذور المكسورة في عظام الفك كما عرفوا كيفية تسكين آلام الأسنان عن طريق استخدام السمن والزيت المغلي، كما تعرَّفوا على العديد من الالآت التي تُستخدم في قلع الأسنان، والابتكار البديع الذي ابتكره الأطباء المسلمون في هذا المجال هو حشو الضروس وترميمها حيث يتم ثقب الضرس بمثقابٍ صغير ثم يتم تنظيفه من الداخل وبعد ذلك يتم حشوه بمعجون يتألَّف من عِدة مواد.
اعتراف بالجميل:
لقد استفاد الغرب الأوروبى من شتى فروع المعرفة التي ابدعتها الحضارة الإسلامية ولا سيما الطب؛ لذا ليس من الغريب أن نرى مدخل كلية الطب في جامعة باريس يزدان بصورتان كبيرتان إحداهما لابن سينا والأخرى لأبو بكر الرازي.