لا!
إنها ليست دعوة للإضراب عن المبادرات أو الإحجام عن مساعدة الآخرين، لكنها دعوة لمثل تلك الشخصيات إلى امتلاك القدرة على انتقاء الأعمال التي تناسب قدراتهم وإمكانياتهم.
- التصنيفات: تربية النفس -
هناك خلف أسوار الفزعة [1]، وتحت ظلال الاحتساب الوارفة، تلحظ بين الفينة والأخرى شخصاً تمنعه أخلاقه النبيلة وكرمه الفياض من رفض سيل الطلبات التي تصب عليه من المحيطين به من الزملاء والأصدقاء والأقارب، يعجز أن يقول لأحدهم: لا، ويجد كلفة كبيرة في الاعتذار.
من زاويةٍ ما يبدو الشخص غاية في النبل والأدب، ولكنه من زوايا كثيرة يظهر لك شخصاً لا يملك وقته، مشغولاً إلى ذروة رأسه، كثير النسيان ومتكرر الهفوات، ثم لا تسأل عن المفارقة الكبيرة بين كثرة الوعود وقلة الإنجازات.
ليست المشكلة في مساعدة الآخرين؛ فهذا مطلب شرعي وخلق نبيل، وليست المشكلة في كثرة الأعمال ؛ فالكثير من الناس لديه الوقت الكافي لذلك، ولكن المشكلة في تحمُّل حجم كبير من المسؤوليات ثم عدم القدرة على الوفاء بها.
ولعلك تدرك أيها القارئ الكريم أن الناس يحبون من يساعدهم، ولكنهم يكرهون أن تتأخر أعمالهم عن مواعيدها أو أن تُنهى بصورة غير متقنة.
إنها ليست دعوة للإضراب عن المبادرات أو الإحجام عن مساعدة الآخرين، لكنها دعوة لمثل تلك الشخصيات إلى امتلاك القدرة على انتقاء الأعمال التي تناسب قدراتهم وإمكانياتهم.
وفي مثل هذا الحال فإن مقابل كل (لا) تقال؛ هناك أعمال تنجز في الوقت المحدد وبصورة متقنة، وفوق ذلك بال مرتاح ونفس مطمئنة.
شخصية أخرى كذلك لا تستطيع كذلك قول: (لا)، لكن الدوافع في هذه المرة ليست حب مساعدة الناس واحتساب الأجر من الله تعالى بل ضرباً من الغرور يُشعر صاحبه أنه قادر على فعل كثير من الأعمال، متقنٌ لها.
إنه من الظلم أن نساوي الشخصية الأولى بالثانية، لكن المؤسف حقاً أن الأعراض متشابهة والنتائج متقاربة.
________________________
(*) ماجستير في الإدارة، باحث في إدارة العمل الخيري.
(1) الفزعة: الإغاثة والإنجاد، وفَزِعْتُ الرجلَ: أغثته، والإفزاع: الإغاثة.
إبراهيم بن سليمان الحيدري