ثوابت الأمة المغربية من غير تحريف ولا تعطيل

أين من ينبه القوم من غفلتهم؟ أين من يصيح في وجه القوم وقد أسكرهم نبيذ التصوف حتى الثمالة؟ أين من يغار على دين الله أن ينسب إليه ما ليس منه؟ أين علماؤنا الناصحون الذين لا تأخذهم في قول الحق لومة لائم؟ أين أمثال الطرطوشي وابن حرزهم ليفتوا من جديد بحرق كتب البدع والشعوذة والعربدة؟

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية - تزكية النفس - دعوة المسلمين -

إن الدفاع الحقيقي عن ثوابت الأمة المغربية التي سطرها المغاربة بماء عيونهم منذ دخول الإسلام إلى هذه الدولة المباركة يتمثل في أربعة أمور:

الأول: حماية العقيدة السنية عقيدة الإمام مالك رحمه الله التي ضمنها ابن أبي زيد مقدمة رسالته، وابن عبد البر في كتبه، وكان عليها تلاميذ مالك كعبد الرحمن بن القاسم وأشهب بن عبد العزيز وابن وهب وأصبغ وغيرهم كثير..

الثاني: حماية فقه الإمام مالك الأثري الذي ضمنه كتابه الموطأ، ونقله عنه تلاميذه، واختاره علماء المذهب الكبار كالحافظ ابن عبد البر في التمهيد والاستذكار والكافي، والإمام الباجي في المنتقى وغير هؤلاء ممن ربطوا الفروع بأدلتها من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة رضي الله عنهم.

الثالث: الدعوة إلى تزكية النفس وفق ما جاء في الكتاب والسنة، وسار عليه الإمام مالك وتلاميذه، بعيدًا عن الشطحات والبدع والمحدثات التي صنف علماء المالكية كتبًا مفردة في التحذير منها كابن وضاح والشاطبي، والطرطوشي.. وغيرهم كثير.

الرابع: الدفاع عن إمارة المؤمنين، التي هي رمز البيعة الشرعية للدولة الإسلامية، فهي الرابط الوثيق بين الراعي والرعية، ولم يزل المغاربة على مر العصور، يضربون أروع الأمثلة في التلاحم بين الشعب وإمامهم، ولم يزل سلاطين المغرب منذ عهد الدولة الإدريسية إلى عهد الملك محمد السادس وفقه الله يولون الجانب الديني ما يستحقه من العناية والمتابعة، منبهين رعيتهم إلى أن المغرب بلد سني يتبرأ من كل أنواع الضلالات والانحرافات والغلو أو الجفاء في فهم الشريعة الإسلامية..

فهذه ثوابتنا التي ندافع عنها، ونفتخر أن نكون جنودًا لحماية بيضتها، ولهذا فأنا أقولها بملء فمي: نحن مالكية في العقيدة والفقه والسلوك، وسنبقى مالكية إلى آخر رمق بحول الله وقوته، ولن نخرج عن مذهب مالك في كل أمور ديننا، ما لم ينتزع ذلك من بين أيدينا بالدليل فنأخذ حينها بوصيته رحمه الله: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه".

ونحن في زمن انقلبت فيه الموازين، فصار المالكي الحق المتمسك بعقيدة مالك السنية، وآرائه الفقهية وأخلاقه البهية ينعت بالتزمت والأصولية، والإرهاب والوهابية، وصار المؤول لصفات الله على مذهب الأشعرية، المتنكب لعقيدة إمامه النقية، والموغل في شطحات الحماق المجانين من الصوفية، مالكيًا على الجادة محافظًا على ثوابت الأمة المغربية، وصدقت العرب في مثلها السائر: "عش رجبًا تر عجبًا" ولله در الإمام القاضي عياض حين قال:
 

تغيرت الأيام وانقلب الدهر *** وصار خيار الناس ليس له قدر
وصار شرار الناس يعلو مقامه *** فما أقبح الدنيا وأصعب الأمر



فهيهات هيهات لمن لا يأخذ من مذهب مالك إلا أحكام الوضوء والاستنجاء أن يكون مالكيا؟
أخرج الهروي في كتابه ذم الكلام عن الشافعي قال: "سئل مالك عن الكلام والتوحيد فقال مـالك: محال أن يظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علم أمته الاستنجاء ولم يعلمهم التوحيد".

قلت: فأنت ترى بأم عينيك أن الإمام مالك كره التفريق بين الفقه والعقيدة لوحدة مصدرهما، ومع ذلك فأجدادنا رحمهم الله وغفر لهم، ومنذ عهد الموحدين اكتفوا من الإمام مالك رحمه الله بأحكام الاستنجاء وما شابهها من الفقه الأصغر، وزهدوا في عقيدته التي هي الفقه الأكبر، وأضافوا إلى ذلك ثالثة الأثافي حين زهدوا في سلوكه وأخلاقه، وأخذوها من المتصوفة الأكلة البطلة الكسلة..
 

يا أمة لعبت (بفـقه إمامـها) *** كتلاعب الصبيان في الأوحال


فأين من ينبه القوم من غفلتهم؟ أين من يصيح في وجه القوم وقد أسكرهم نبيذ التصوف حتى الثمالة؟ أين من يغار على دين الله أن ينسب إليه ما ليس منه؟ أين علماؤنا الناصحون الذين لا تأخذهم في قول الحق لومة لائم؟ أين أمثال الطرطوشي وابن حرزهم ليفتوا من جديد بحرق كتب البدع والشعوذة والعربدة؟ أين..أين...أين؟
 

لقد هزلت حتى بدا من هزالها *** كلاها وحتى سامها كل مفلس


ثم لنمسك القلم عند هذا الحد، فالكلام ذو شجون، والموضوع تتزاحم فيه العبارات بالعبرات... وحالنا كما قال ابن قتيبة رحمه الله: "...قد كنا زمانًا نعتذر من الجهل فقد صرنا الآن نحتاج إلى الاعتذار من العلمِ! وكنا نُؤمل شكر النَّاسِ بالتَّنْبيهِ والدلالة، فَصِرْنا نَرْضى بالسلامةِ، وليس هذا بعجيبٍ مَعَ انقِلابِ الأحوالِ، ولا يُنْكَر مع تغيُّر الزمانِ، وفي الله خَلَفٌ وهو المُستعان".
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

الشيخ عبد السلام أيت باخة

المصدر: صفحة الشيخ على الفيس بوك