آيات العزة في معركة غزة (2/2)
ونمضي مع معركة غزة... غزةَ التي علّمت أمتنا المهزومة أن الفئة التي تستمد قوتها كلها من الله، وتستمد يقينها كله من الثقة في الله، وأنه مع الصابرين.. أن الفئة الواثقة الصابرة، الثابتة، التي لا تزلزلها كثرة العدو وقوته، مع ضعفها وقلتها.. هذه الفئة هي التي تقرر مصير أي معركة
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
ونمضي مع معركة غزة... غزةَ التي علّمت أمتنا المهزومة أن الفئة التي تستمد قوتها كلها من الله، وتستمد يقينها كله من الثقة في الله، وأنه مع الصابرين.. أن الفئة الواثقة الصابرة، الثابتة، التي لا تزلزلها كثرة العدو وقوته، مع ضعفها وقلتها.. هذه الفئة هي التي تقرر مصير أي معركة بعد أن تجدد عهدها مع الله، وتتجه بقلوبها إليه، وتطلب النصر منه وحده، وهي تواجه الهول الرعيب.
نعم هذه هي غزة التي لم تنتظر العرب لنجدتها وإنما انفصلت عنهم لأنهم لا يصلحون لتشاطرهم المهمة الملقاة على عاتقها -مهمة إحياء روح العزة في نفوس شباب أمتنا المهزومة- وكان من الخير ومن الحزم أن تنفصل عن جيش العرب المهزوم، لأنه بذرة ضعف وخذلان وهزيمة. والجيوش ليست بالعدد الضخم، ولكن بالقلب الصامد، والإرادة الجازمة، والإيمان الثابت المستقيم على الطريق.
غزة التي أعدت شباب القسام على فريضة الجهاد، وعلى ألا ينكص عهده مع الله في أول خطوة في الطريق وفي أول طلقة في هذه المعركة التي فرضت عليها وهي من أمة مغلوبة، عرفت الهزيمة والذل في حروبها مع اليهود منذ أن زرع في فلسطين... نعم لقد أعدت غزة شبابًا ليواجه جيش أمة غالبة (أمة اليهود) فلا بد إذن من قوة كامنة في ضمير هذا الشباب ليقف به أمام القوة الظاهرة الغالبة... هذه القوة الكامنة لم تكن إلا في الإرادة؛ الإرادة التي تضبط الشهوات والنزوات، وتصمد للحرمان والمشاق، وتستعلي على الضرورات والحاجات، وتؤثر الطاعة وتحتمل تكاليفها، فتجتاز به الابتلاء بعد الابتلاء.. لقد اختبر شباب القسام في إرادته، وصموده وصبره: صموده أولًا للرغبات والشهوات، وصبره ثانيًا على الحرمان والمتاعب.. ليعلم من يصبر منهم في المواجهة ممن ينقلب على عقبيه، ويؤثر العافية.
وهكذا دخل شباب القسام المعركة وفي ألسنتهم وقلوبهم {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} [البقرة:250] رجاءً من الله أن يفرغه عليهم فيغمرهم، وينسكب عليهم سكينة وطمأنينة واحتمالًا للهول والمشقة.. {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} [البقرة:250] فهي في يده سبحانه يثبتها فلا تتزحزح ولا تتزلزل ولا تميد. {وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:250] فقد وضح الموقف.. إيمان تجاه كفر، وحق إزاء باطل، ودعوة إلى الله لينصر أولياءه المؤمنين على أعدائه الكافرين. فلا تلجلج في الضمير، ولا غبش في التصور، ولا شك في سلامة القصد ووضوح الطريق.
فما كان من الله الحيي الكريم -الذي يستحي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين- إلا أن يقضي بالنتيجة التي ترقبوها واستيقنوها: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:251].. ويؤكد بهذا النصر على الحقيقة العظيمة المغيبة..حقيقة: {بِإِذْنِ اللَّهِ}.. ليعلمها المؤمنون أو ليزدادوا بها علمًا.
ولنقف قليلًا مع هذه الحقيقة.. حقيقة أن النصر: {بِإِذْنِ اللَّهِ} ليتضح لنا التصور الكامل لحقيقة ما يجري في هذا الكون، ولطبيعة القوة التي تجريه.. إن المؤمنين ستار القدرة؛ يفعل الله بهم ما يريد، وينفذ بهم ما يختار بإذنه.. ليس لهم من الأمر شيء، ولا حول لهم ولا قوة ولكن الله يختارهم لتنفيذ مشيئته، فيكون منهم ما يريده بإذنه.. وهذه الحقيقة خليقة بأن تملأ قلب المؤمن بالسلام والطمأنينة واليقين.
وكتائب القسام قوة صغيرة عدةً وعتادًا بالمقارنة مع الترسانة الصهيونية.. ولكن الله شاء أن يري العالم أن الأمور لا تجري بظواهرها، إنما تجري بحقائقها. وحقائقها يعلمها هو، ومقاديرها في يده وحده. فليس على مجاهدي القسام إلا أن ينهضوا هم بواجبهم، ويفوا الله بعهدهم. ثم يكون ما يريده الله بالشكل الذي يريده، وقد أراد أن يجعل مصرع هذا الجبار الغشوم على يد هؤلاء الشباب، ليرى الناس أن الجبابرة الذين يرهبونهم ضعاف ضعاف يغلبهم الفتية الصغار حين يشاء الله أن يقتلهم.