(3) كيف نرفض الهموم
حسني البشبيشي
الهم مسئول عن موقف الإنسان من الأمر: هل يعتبره خطير أم تافه؟، ومسئول عن تحديد مدى خطورة هذا الأمر في نظره.
إذا أراد الإنسان أن يرفض أمرا هاما فأمامه طريقتين:
1ـ يرفضه بعقله حيث لا يقتنع به فيكون لديه أدلة تثبت بطلانه، وهذه طريقة مباشرة.
2ـ يرفضه بهمه حيث لا يشغل همه بالأمر فيكون كأنه أمر تافه أو كأنه غير موجود أو كأنه لم يسمع عنه أصلا، وهذه طريقة غير مباشرة يستخدمها الإنسان إذا لم يكن لديه أدلة تثبت بطلان الأمر.
ونوضح هذا الأمر كالتالي:
ـ العقل مسئول عن تحديد هل هذا الأمر صحيح أم خاطئ، ومسئول عن تحديد هل هذا الأمر خطير أم تافه، ومسئول عن تحديد مدى خطورة هذا الأمر.
ـ الهم مسئول عن موقف الإنسان من الأمر: هل يعتبره خطير أم تافه؟، ومسئول عن تحديد مدى خطورة هذا الأمر في نظره.
ـ العقل واحد عند الجميع، بمعنى أن الناس يعرفون الصواب من الخطأ ويعرفون ما هو الأمر الخطير وما هو الأمر التافه، ويعرفون مدى خطورة هذا الأمر.
ـ ولكن كل إنسان له همه الخاص به ويختلف عن هم الآخر، وهو يعبر عن موقف الإنسان مما يعلمه بعقله، ونوضح ذلك كالتالي:
ـ الطبيعي أن هم الإنسان مصمم بحيث ينشغل بالأمر الهام ولا ينشغل بالأمر التافه، ومدى انشغاله بالأمر الهام يكون بحسب مدى خطورته.
ـ قد يتدخل الإنسان فيقلب همه، أي يشغل همه بالأمر التافه ويتغافل عن الأمر الخطير، وهذا يعبر عن حقيقة موقفه من الأمر، فهو بذلك يتعامل مع الأمر الهام كأنه لعب ولهو أي كأنه تافه أي يتخذه لعبا ولهوا، ويتعامل مع الأمر التافه كأنه خطير وهام.
ونوضح ذلك بالأمثلة:
ـ الدنيا وما بها من أموال وشهوات ومناصب ورفاهيات زائلة وفانية وضئيلة، وكذلك ما بها من مشاكل وأعباء ومسئوليات زائلة وضئيلة، وكل إنسان يعلم ذلك بعقله، لكن همه منشغل بها سواء بمتعها أو مشاكلها، فهو بذلك يعتبرها هامة وخطيرة وليست زائلة وضئيلة، رغم أنه بعقله يعلم العكس تماما، فما يقوله بهمه عكس ما يقوله بعقله، وحقيقة الإنسان هو ما يقوله بهمه وليس ما يقوله بعقله فكل الناس سواء فيما يقولونه بعقولهم.
ـ الآخرة هي المستقبل والمصير والخطر الهائل المرتقب، والموت وما يكون في القبر هو من أخطر ما يمكن، ورؤية الله لك ومراقبته لك وهيمنته بقدرته عليك وسيطرته عليك ومدى قدرته الهائلة وعلمه الهائل كل ذلك أمر خطير جدا، وكل الناس يعلمون ذلك بعقولهم تماما، لكن البعض قد لا ينشغل همه بأي من ذلك مطلقا (يتغافل عنه) كأن الأمر تافه لا قيمة له، فهو بذلك يتخذ الأمر لعبا ولهوا، وحقيقة الإنسان هو ما يقوله بهمه وليس ما يقوله بعقله فكل الناس سواء فيما يقولونه بعقولهم.
الأدلة على ذلك كالتالي:
1ـ الأدلة على أن العقل واحد عند جميع الناس بمعنى وجود اليقين النظري بربوبية الله واليقين النظري بالله والآخرة عند جميع الناس، والفصل الثالث هو بيان لهذه الأدلة.
2ـ الأدلة على غياب اليقين الحقيقي بربوبية الله واليقين الحقيقي بالله والآخرة واليقين الحقيقي بزوال الدنيا وضآلتها، واليقين الحقيقي بالموت عند البعض، والفصل الرابع هو بيان لهذه الأدلة.
3ـ الأدلة على عدم شغل الهم بالله والآخرة وما دعت إليه الرسل (التغافل) وبيان أن ذلك صورة من صور رفض دعوة الرسل، والفصل السادس هو بيان لهذه الأدلة.
4ـ ماذا يعنى أن ينشغل هم الإنسان بالله والآخرة وحقيقة النفس وحقيقة الدنيا وحقيقة شهواتها؟، وكيف يكون ذلك؟، هذا ما نوضحه في باقي فصول الكتاب، والله والمستعان وعليه التكلان.
ـ إذن لا يكفي العلم بالأمر الخطير فلابد من انشغال الهم به حتى لا يكون الأمر لعبا ولهوا، فالدنيا لعب ولهو والآخرة قول فصل وليست هزلا: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ}، {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}، ولكن البعض يعكس الأمر فيتعامل مع الدنيا كأنها الجد ويتعامل مع الآخرة كأنها لعب ولهو: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}.
ـ فبعض الناس يقول أن المهم هو الإيمان الذي في القلب (وهذا صحيح) ويقول بأن الإيمان يملأ قلبه فيقول: أنا موقن تماما بالله والآخرة وبكل ما جاء به الدين، في حين همه لا ينشغل بغير الدنيا كأن أمر الله والآخرة لا يستحق أن يشغل الهم، والدنيا في نظره هي الأهم والأخطر والتي لا ينشغل همه بغيرها.