تداخل الهموم
حسني البشبيشي
كلما زاد هم الإنسان بالدنيا وبالمعاصي كلما كان همه الدائم بالسفر إلى الآخرة ضعيف وكلما كان إيمانه ضعيفا.
ـ الإنسان قد ينشغل باله في اللحظة الواحدة بأكثر من شيء، فمثلا السائق الذي يقود سيارة ينشغل باله بالطريق لأنه لو غفل عن ذلك لوقعت حادثة، وفي نفس الوقت وأثناء قيادته للسيارة قد ينشغل باله بالحديث في الهاتف المحمول أو بالحديث مع راكب يجلس بجواره وقد يلتفت إليه مرات أثناء الحديث معه أو ينشغل باله بتناول طعام أو ينشغل باله بجمع الأجرة من الركاب وحسابات باقي الأجرة للركاب أو ينشغل باله طوال الطريق بسماع الكاسيت.
إذن هناك هم دائم وهموم مؤقتة في نفس الوقت، فكذلك الإنسان المسافر إلى الآخرة باله منشغل بسفره إلى الآخرة لأن الدنيا كلها ليست إلا مسألة سفر إلى الآخرة وجميع الناس مسافرون، ولكن أثناء السفر قد ينشغل باله بالطعام أو الشراب أو أعمال الدنيا المختلفة وقد ينشغل باله بالوقوع في معصية لكن همه الدائم هو مسألة سفره، فهذا هو حال المؤمن مهما انشغل باله بأمور الدنيا ومهما عمل من المعاصي فهمه الدائم الذي لا يفارق ذهنه هو سفره إلى الآخرة لا تغيب عن عينه.
ـ لكن قد يزداد انشغال همه بأعمال الدنيا وبالمعاصي حتى ينسى مسألة السفر ويوقف السيارة التي يسافر فيها ويعتبر نفسه مقيما وليس مسافرا، فهو بذلك اطمئن بالدنيا ورضي بها على أنها دار إقامته، هنا قد غاب همه بالسفر إلى الآخرة فهو بذلك نسي الآخرة ونسي السفر إليها: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ، أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}، {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ}.
ـ وكلما زاد هم الإنسان بالدنيا وبالمعاصي كلما كان همه الدائم بالسفر إلى الآخرة ضعيف وكلما كان إيمانه ضعيفا.