حرية المرأة ومساواة المرأة والرجل

بكر بن عبد الله أبو زيد

ليُعلم أن النداء بتحرير المرأة تحت هاتين النظريتين: حرية المرأة و مساواة المرأة بالرجل، إنما ولدتا على أرض أوربة النصرانية في فرنسا، التي كانت ترى أن المرأة مصدر المعاصي، ومكمن السيئات والفجور.

  • التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة - قضايا إسلامية -

والآن آل الكلام في نقد هذه المطالب المنحرفة منحصرًا في أمرين:

الأمر الأول: في تاريخ هاتين النظريتين: الحرية و المساواة، وآثارهما التدميرية في العالم الإسلامي.

ليُعلم أن النداء بتحرير المرأة تحت هاتين النظريتين: حرية المرأة و مساواة المرأة بالرجل، إنما ولدتا على أرض أوربة النصرانية في فرنسا، التي كانت ترى أن المرأة مصدر المعاصي، ومكمن السيئات والفجور، فهي جنس نجس يجتنب، ويحبط الأعمال، حتى ولو كان أُمـَّـًا أو أختًا.

هكذا نشر رهبان النصارى في أوربا هذا الموقف المعادي المتوتر من المرأة بينما كانوا -أي أولاء الرهبان- مكمن القذارة في الجسد والروح، ومجمع الجرائم الأخلاقية، ورجال الاختطاف للأطفال، لتربيتهم في الكنائس، وإخراجهم رهبانًا حاقدين، حتى تكاثر عدد الرهبان، وكونوا جمعًا مهولًا أمام الحكومات والرعايا.

ومن هذه المواقف الكهنوتية الغالية الجافية، صار الناس في توتر وكبت شديدين، حتى تولدت من ردود الفعل لديهم، هاتان النظريتان: المناداة بتحرير المرأة باسم: حرية المرأة وباسم: المساواة بين الرجل والمرأة، وشعارهما: رفض كل شيءٍ له صلة بالكنيسة وبرجال الدين الكنسي، وتضاعفت ردود الفعل، ونادوا بأن الدين والعلم لا يتفقان، وأن العقل والدين نقيضان، وبالغوا في النداءات للحرية المتطرفة الرامية إلى الإباحية والتحلل من أي قيد أو ضابط فطري أو ديني يَمس الحرية، حتى طغت هذه المناداة بحرية المرأة، إلى المناداة بمساواتها بالرجل بإلغاء جميع الفوارق بينهما وتحطيمها، دينية كانت أم اجتماعية، فكل رجل، وكل امرأة، حرٌّ يفعل ما يشاء، ويترك ما يشاء، لا سلطان عليه لدين، ولا أدب، ولا خلق، ولا سلطة.

حتى وصلت أوربة ومن ورائها الأمريكتان وغيرهما من بلاد الكفر إلى هذه الإباحية، والتهتك، والإخلال بناموس الحياة، وصاروا مصدر الوباء الأخلاقي للعالم.

 

إن المطالبات المنحرفة لتحرير المرأة بهذا المفهوم الإلحادي تحت هاتين النظريتين المولدتين في الغرب الكافر، هي العدوى التي نقلها المستغربون إلى العالم الإسلامي، فماذا عن تاريخ هذه البداية المشؤومة، التي قلَبَت جُلَّ العالم الإسلامي من جماعة مسلمة يحجبون نساءهم، ويحمونهن، ويقومون على شؤونهن، ويقمن هنَّ بما افترضها لله عليهن، إلى هذه الحال البائسة من التبرج والانحلال والإباحية؟!!

تقدم غير مرة أن نساء المؤمنين كن محجبات، غير سافرات الوجوه، ولا حاسرات الأبدان، ولا كاشفات عن زينة، منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري.

وأنه على مشارف انحلال الدولة الإسلامية في آخر النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري، وتوزعها إلى دول، دبَّ الاستعمار الغربي الكافر لبلاد المسلمين، وأخذوا يرمون في وجوههم بالشبه، والعمل على تحويل الرعايا من صبغة الإسلام إلى صبغة الكفر والانحلال.

وكانت أول شرارة قُدحت لضرب الأمة الإسلامية هي في سفور نسائهم في وجوههن، وذلك على أرض الكنانة، في مصر، حين بعث والي مصر محمد علي باشا البعوث إلى فرنسا للتعلم، وكان فيهم واعظ البعوث: رفاعة رافع الطهطاوي، المتوفى سنة 1290، وبعد عودته إلى مصر، بذر البذرة الأولى للدعوة إلى تحرير المرأة، ثم تتابع على هذا العمل عدد من المفتونين المستغربين ومن الكفرة النصارى، منهم:

الصليبي النصراني مرقس فهمي الهالك سنة 1374 في كتابه: (المرأة في الشرق) الذي هدف فيه إلى نزع الحجاب، وإباحة الاختلاط.

وأحمد لطفي السيد، الهالك سنة 1382، وهو أول من أدخل الفتيات المصريات في الجامعات مختلطات بالطلاب، سافرات الوجوه، لأول مرة في تاريخ مصر، يناصره في هذا عميد الفجور العربي: طه حسين، الهالك سنة 1393.

وقد تولى كبر هذه الفتنة داعية السفور: قاسم أمين، الهالك سنة 1362 الذي ألّف كتابه: تحرير المرأة، وقد صدرت ضده معارضات العلماء، وحكم بعضهم بردته، بمصر، والشام، والعراق، ثم حصلت له أحوال ألف على إثرها كتابه: المرأة الجديدة، أي: تحويل المسلمة إلى أوربية.

وساعد على هذا التوجه من البلاط الأميرة نازلي مصطفى فاضل، وهذه قد تنصرت وارتدت عن الإسلام.

ثم منفذ فكرة قاسم أمين داعية السفور: سعد زغلول، الهالك سنة 1346، وشقيه أحمد فتحي زغلول الهالك سنة 1332.

ثم ظهرت الحركة النسائية بالقاهرة لتحرير المرأة عام 1919م برئاسة هدى شعراوي، الهالكة سنة 1367، وكان أول اجتماع لهن في الكنيسة المرقصية بمصر سنة 1920م، وكانت هدى شعراوي أول مصرية مسلمة رفعت الحجاب -نعوذ بالله من الشقاء- في قصة تمتلئ النفوس منها حسرة وأسى، ذلك أن سعد زغلول لما عاد من بريطانيا مُصَنَّعًا بجميع مقومات الإفساد في الإسلام، صُنِع لاستقباله سرادقان، سرادق للرجال، وسرادق للنساء، فلما نزل من الطائرة عمد إلى سرادق النساء المتحجبات، واستقبلته هدى شعراوي بحجابها لينـزعه، فمد يده -يا ويلهما-، فنزع الحجاب عن وجهها، فصفق الجميع ونزعن الحجاب.

 

واليوم الحزين الثاني: أن صفية بنت مصطفى فهمي زوجة سعد زغلول، التي سماها بعد زواجه بها: صفية هانم سعد زغلول، على طريقة الأوربيين في نسبة زوجاتهم إليهم، كانت في وسط مظاهرة نسائية في القاهرة أمام قصر النيل، فخلعت الحجاب مع من خلعنه، ودُسْنَه تحت الأقدام، ثم أشعلن به النار، ولذا سُمي هذا الميدان باسم: ميدان التحرير.

وهكذا تتابع أشقياء الكنانة: إحسان عبد القدوس، ومصطفى أمين، ونجيب محفوظ، وطه حسين، ومن النصارى: شبلي شميل، وفرح أنطون -نعوذ بالله من الشقاء وأهله- ، يؤازرهم في هذه المكيدة للإسلام والمسلمين الصحافة، إذ كانت هي أولى وسائل نشر هذه الفتنة، حتى أُصْدِرَت مجلة باسم: مجلة السفور نحو سنة 1900م، وهرول الكُتَّاب الماجنون بمقالاتهم القائمة على المطالبة بما يُسند السفور والفساد، ويهجم على الفضائل والأخلاق من خلال وسائل الإفساد الآتية:

نشر صور النساء الفاضحة، والدمج بين المرأة والرجل في الحوار والمناقشة، والتركيز على المقولة المحدَثَة الوافدة: (المرأة شريكة الرجل) أي: الدعوة إلى المساواة بينهما، وتسفيه قيام الرجل على المرأة، وإغراؤها بنشر الجديد في الأزياء الخليعة ومحلات الكوافير، وبرك السباحة النسائية والمختلطة، والأندية الترفيهية، والمقاهي، ونشر الحوادث المخلة بالعرض، وتمجيد الممثلات والمغنيات ورائدات الفن والفنون الجميلة.. .

 

يساند هذا الهجوم المنظم أمران:

الأمر الأول: إسنادهم من الداخل، وضعف مقاومة المصلحين لهم بالقلم واللسان، والسكوت عن فحشهم، ونشر الفاحشة، وإسكات الطرف الآخر، وعدم نشر مقالاتهم، أو تعويقها، وإلصاق تُهم التطرف والرجعية بهم، وإسناد الولايات إلى غير أهلها من المسلمين الأمناء الأقوياء.

هكذا صارت البداية المشؤومة للسفور في هذه الأمة بنـزع الحجاب عن الوجه، وهي مبسوطة في كتاب: المؤامرة على المرأة المسلمة للأستاذ أحمد فرج، وفي كتاب: (عودة الحجاب [ج/1]) للشيخ محمد بن أحمد إسماعيل، ثم أخذت تدب في العالم الإسلامي في ظرف سنوات قلائل، كالنار الموقدة في الهشيم، حتى صدرت القوانين الملزمة بالسفور، ففي تركيا أصدر الملحد أتاتورك قانونًا بنزع الحجاب سنة 1920م، وفي إيران أصدر الرافضي رضا بهلوي قانونًا بنزع الحجاب سنة 1926م، وفي أفغانستان أصدر محمد أمان قرارًا بإلغاء الحجاب، وفي ألبانيا أصدر أحمد زوغوا قانونًا بإلغاء الحجاب، وفي تونس أصدر أبو رقيبة قانونًا بمنع الحجاب وتجريم تعدد الزوجات، ومن فعل فيعاقب بالسجن سنة وغرامة مالية!!

 

ولذا قال العلامة الشاعر العراقي محمد بهجت الأثري رحمه الله تعالى:

أبو رقيبة لا امتدتْ لَه رقبة *** لم يتق الله يومًا لا ولا رقـبة

 

وفي العراق تولى كبر هذه القضية -المناداة بنزع الحجاب- الزهاوي والرُّصافي، نعوذ بالله من حالهما.

وانظر خبر اليوم الحزين في نزع الحجاب في الجزائر كما في كتاب: التغريب في الفكر والسياسة والاقتصاد [ص:33-139] في 13 مايو عام 1958م قصة نزع الحجاب، قصة تتقطع منها النفس حَسَرات، ذلك أنه سُخِّر خطيب جمعة بالنداء في خطبته إلى نزع الحجاب، ففعل المبتلى، وبعدها قامت فتاة جزائرية فنادت بمكبر الصوت بخلع الحجاب، فخلعت حجابها ورمت به، وتبعها فتيات -منظمات لهذا الغرض- نزعن الحجاب، فصفق المسَخَّرون، ومثله حصل في مدينة وهران، ومثله حصل في عاصمة الجزائر: الجزائر، والصحافة من وراء هذا إشاعة، وتأييدًا.

وفي المغرب الأقصى، وفي الشام بأقسامه الأربعة: لبنان، وسوريا، والأردن، وفلسطين، انتشر السفور والتبرج والتهتك والإباحية على أيدي دعاة البعث تارة، والقومية تارة أخرى، إلا أن المصادر التي تم الوقوف عليها لم تسعف في كيفية حصول ذلك، ولا في تسمية أشقيائها، فلا أدري لماذا أعرض الكُتَّاب ومُسَجِّلوا الأحداث آنذاك عن تسجيل البداية المشؤومة في القطر الشامي خاصة، مع أن الإنفجار الجنسي والعري، والتهتك والإباحية على حال لا تخفى.

أما في الهند وباكستان فكانت حال نساء المؤمنين على خير حال من الحجاب -درع الحشمة والحياء-. وفي التاريخ نفسه -حدود عام 1950م- بدأت حركة تحرير المرأة والمناداة بجناحيها: الحرية والمساواة، وترجم لذلك كتاب قاسم أمين تحرير المرأة، ثم من وراء ذلك الصحافة في الدعاية للتعليم المختلط ونزع الخمار، حتى بلغت هذه القارة من الحال ما لا يشكى إلا إلى الله تعالى منه، وهو مبسوط في كتاب: أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم في شبه القارة الهندية لخادم حسين [ص:182-195].

 

ولهذه بداية مشؤومة في أطرار الجزيرة العربية في الكويت، والبحرين، وبعض الإمارات العربية المتحدة، وإطلالة مشؤومة في قطر، ووجود للخنا والتقذر به بأذون رسمية في بعضها.

وهكذا تحت وطأة سعاة الفتنة بالنداء بتحرير المرأة باسم الحرية والمساواة، آلت نهاية المرأة الغربية بداية للمرأة المسلمة في هذه الأقطار.

 

فباسم الحرية والمساواة:

  • أخرجت المرأة من البيت تزاحم الرجل في مجالات حياته.
  • وخُلع منها الحجاب وما يتبعه من فضائل العفة والحياء والطهر والنقاء.
  • وغمسوها بأسفل دركات الخلاعة والمجون، لإشباع رغباتهم الجنسية.
  • ورفعوا عنها يد قيام الرجال عليها، لتسويغ التجارة بعرضها دون رقيب عليها.
  • ورفعوا حواجز منع الاختلاط والخلوة، لتحطيم فضائلها على صخرة التحرر، والحرية والمساواة.
  • وتَمَّ القضاء على رسالتها الحياتية، أُمًّا وزوجة، ومربية أجيال، وسكنًا لراحة الأزواج، إلى جعلها سلعة رخيصة مهينة مبتذلة في كف كل لاقط من خائن وفاجر.

إلى آخر ما هنالك من البلاء المتناسل، مما تراه محررًا في عدد من كتاب الغيورين، ومنها: كتاب: حقوق المرأة في الإسلام لمؤلفه محمد بن عبدالله عرفة.

هذه هي المطالب المنحرفة في سبيل المؤمنين، وهذه هي آثارها المدمرة في العالم الإسلامي.

 

الأمر الثاني: إعادة المطالب المنحرفة، لضرب الفضيلة في آخر معقل للإسلام، وجعلها مِهادًا للجهر بفساد الأخلاق.

إن البداية مدخل النهاية، وإن أول عقبة يصطدم بها دعاة المرأة إلى الرذيلة هي الفضيلة الإسلامية: الحجاب لنساء المؤمنين، فإذا أسفرن عن وجوههن حَسَرْن عن أبدانهن وزينتهن التي أمر الله بحجبها وسترها عن الرجال الأجانب عنهن، وآلت حال نساء المؤمنين إلى الانسلاخ من الفضائل إلى الرذائل، من الانحلال والتهتك والإباحية، كما هي سائدة في جل العالم الإسلامي، نسأل الله صلاح أحوال المسلمين.

واليوم يمشي المستغربون الأجراء على الخطى نفسها، فيبذلون جهودهم مهرولين، لضرب فضيلة الحجاب في آخر معقل للإسلام، حتى تصل الحال -سواء أرادوا أم لم يريدوا- إلى هذه الغايات الإلحادية في وسط دار الإسلام الأولى والأخيرة، وعاصمة المسلمين، وحبيبة المؤمنين: جزيرة العرب التي حمى الله قلبها وقبلتها منذ أسلمت ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين إلى يومنا هذا من أن ينفذ إليها الاستعمار، والإسلام فيها -بحمد الله- ظاهر، والشريعة نافذة، والمجتمع فيها مسلم، لا يشوبه تجنس كافر، وهؤلاء المفتونون السَّخابون على أعمدة الصحف اتَّبعوا سنن من كان مثلهم من الضالين من قبل، فنقلوا خطتهم التي واجهوا بها الحجاب إلى بلادنا وصحافتنا، وبدأوا من حيث بدأ أولئك بمطالبهم هذه يُجَرِّمون الوضع القائم، وهو وضع إسلامي في الحجاب، وفيه الطهر والعفاف، وكل من الجنسين في موقعه حسب الشرع المطهر، فماذا ينقمون؟

وإن ما تقدم بيانه من أصول الفضيلة، ترد على هذه المطالب المنحرفة الباطلة، الدائرة في أجواء الرذيلة؛ من السفور عن الوجه، والتبرج، والاختلاط، وسلب قيام الرِّجال على النساء، ومنازعة المرأة في اختصاص الرجل، وهكذا من الغايات المدمرة.

وإن حقيقة هذه المطالب المنحرفة عن سبيل المؤمنين، إعلان بالمطالبة بالمنكر، وهجر للمعروف، وخروج على الفطرة، وخروج على الشريعة، وخروج على الفضائل والقيم بجميع مقوماتها، وخروج على القيادة الإسلامية التي تحكم الشرع المطهر، وجعل البلاد مِهادًا للتبرج والسفور والاختلاط والحسور.

وهذا نوع من المحاربة باللسان -والقلم أحد اللسانين- وقد يكون أنكى من المحاربة باليد، وهو من الإفساد في الأرض.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (الصارم المسلول: [2/ 735]): "وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد، كما أن ما يصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تصلحه اليد" انتهى.