فضل الإنفاق في رمضان

عبد الرحمن بن صالح المحمود

مما يتميز به هذا الشهر الكريم، مضاعفة الحسنات فيه، ولذا تكثر فيه الأعمال الصالحات من تلاوة القرآن، وعبادة الله وقيام الليل، والإحسان إلى الفقراء والمساكين.

  • التصنيفات: ملفات شهر رمضان -

مما يتميز به هذا الشهر الكريم، مضاعفة الحسنات فيه، ولذا تكثر فيه الأعمال الصالحات من تلاوة القرآن، وعبادة الله وقيام الليل، والإحسان إلى الفقراء والمساكين، فإنني أحب أن أذكر إخواني من رزقهم الله مالًا من الموسرين، بأمرين:

الأمر الأول: أن يذكروا إخوانهم الفقراء المحتاجين، وألا يأخذهم الشحّ أو الخوف من التغيرات الاقتصادية إلى ألا ينفقوا، وأن يبذلوا في هذا الشهر الكريم وفي غيره، وليعلموا أن الله هو الرزاق، وليذكروا فضل الصدقة، والآيات الواردة فيها كثيرة، وكذا الأحاديث، ولكن سأذكرهم الآن بحديث وحادثة:

أما الحديث: فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس: قال يزيد: فكان أبو مَرْثد لا يخطئه يوم إلا وتصدق فيه بشيء ولو كعكعة أو بصلة» [1].

أما الحادثة أو القصّة ، فاسمعوها واعجبوا!!
فقد وقع لأحد الصحابة مع زوجته: فهذه سعدى امرأة طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه دخل عليها زوجها يومًا من الأيام، فرأت منه ثقلًا أي عدم نشاط كحال المهموم فقالت: مالك، لعله رابك منا شيء فنعتبك: أي نطلب رضاك عن الإساءة قال: لا، ولنعم حليلة المرء المسلم أنت، ولكن اجتمع عندي مال، ولا أدري كيف أصنع به؟ قالت: وما يغمك منه؟ ادع قومك فاقسمه بينهم: فقال: يا غلام، عليّ بقومي فسألت الخازن: كم قسم؟ قال: أربعمائة ألف [2].

فانظروا وتأمّلوا في هذه القصة:
* تاجر همه اجتماع المال عنده، يبحث له عن مخرج يرضي ربه تعالى، ليكون له ذخرًا عند الله تعالى.
* وزوجة يا لها من زوجة لم تقل لزوجها: نحن أحوج إلى المال، وأين مستقبلنا ومستقبل الأولاد، بل أعانت زوجها على الخير والنفقة في سبيل الله.
* ثم هي أيضًا امرأة كريمة تحت صلة رحم زوجها، فقالت: ادع قومك ، فليست بحسودة ولا من يحصر فضل زوجها على أقاربها هي: فتأمَّلُوا هذه الأحاديث، والحوادث لسلفنا الصالح.


الأمر الثاني: فهو أمر طالما شغل بالي منذ سنين طويلة، وخلاصته: أن كثيرًا من الناس والأغنياء منهم خاصة لا ينفق إلا قليلًا في أثناء حياته، ثم إذا دنا أجله وقربت وفاته كتب وصيته التي لا تنفذ إلا بعد موته وكتب فيها أنه يوصي بربع أو ثلث ماله في سبيل الله تعالى: والذي يحدث في الغالب:

* أن الأولاد وبقية الورثة لا يهمهم إلا إرثهم، أما الوصية، فإنهم يحرصون على التخلص منه بأية وسيلة، بل ويضيقون بها ذرعًا، وينتج عن ذلك أن كثيرًا من الأوقاف والأموال الموصي بها تضيع لهذه الأسباب.
* أن هذه الأموال الموصي بها من أوقاف وغيرها، لا تؤدي دورها الذي رجاه صاحب المال وجمعه وتعب عليه طول حياته؛ لأنه غاب عنها ووكلها إلى غيره.

ودعوني أضرب مثالًا: أرجو أن يعيه إخواني التجار. ما رأيك  لو كان لك عدد من الأولاد الصغار وأنت كبير السن قد دنا أجلك ما تحب لهم؟ هل يرضيك أن تتركهم أيتامًا بعد موتك، حتى لو تركت لهم مالًا؟
أم تحب أن يمدّ الله في عمرك وتعيش معهم عددًا من السنوات حتى تربيهم ويرتفعوا فلا يحتاجون بعدك إلى أحد؟

إن الوقف والوصية شبيه بأولادك، إن تركته بعد وفاتك صار يتيمًا وضاع، ولكن إن حددته في حياتك وأنت قوي قادر، ثم أشرفت عليه ورتبت أموره المالية والإدارية نفع وعظم خيره بإذن الله تعالى، لأنك سترعاه وتحافظ عليه كما تراعي أولادك الصغار، ولتعلم أن هذا هو الذي كان يفعله كثير من السلف:

فهذا أبو طلحة الأنصاري لما نزل قوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران:92] قال: يا رسول الله! إن الله تعالى قال: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}.

وإن أحب أموالي إليّ (بيروحا) بستان جميل في المدينة وإني جعلتها في سبيل الله. وهكذا أوقفها في حياته وقصته في الصحيحين وغيرهما [3].
وهذا عمر رضي الله عنه لما جاءته سهامه من خيبر جعلها في سبيل الله تعالى فحبسها في الأقارب والفقراء والمساكين [4].

وقد فعل ذلك عمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنه عاش بعد ذلك سنين: وينبغي أن تعلم أخي التاجر المحسن أن هذه الطريقة التي بها تحدد أوقافك ووصاياك في حياتك فيها فوائد جمّة، منها:

* إشرافك المباشر عليها في حياتك حتى يعظم نفعها.
* أنه يمكن ترتيب الإدارة الجيدة التي تجعل مشروعك الخيري يمتد لسنين وربما لقرون طويلة، ولك أجرها.

 

______________________
[1]- حديث صحيح، رواه أحمد، وابن خزيمة، والحاكم  وابن أبي حاتم بإسناد صحيح، الأثر.
[2]- رواه الطبراني بإسناد حسن، انظر: صحيح الترغيب [912].
[3]- رواه البخاري: [2758]، ومسلم [998].
[4]- رواه البخاري: [2737] ومسلم [1632].

المصدر: موقع الشيخ عبد الرحمن بن صالح المحمود