أولادنا وأخطاؤنا التربوية (2)
القسوة المفرطة والتسيب المفرط لمن عيوب التربية لدى بعض المربين؛ فالقسوة تزرع في قلب من تربيهم حب الكذب للتخلص من العقوبة.
- التصنيفات: تربية الأبناء في الإسلام -
تحدثت في مقال سابق (أولادنا وأخطاؤنا التربوية) عن التربية -ثمرة من ثمرات الثقافةـ بأنها مهنة شاقة، وذكرت بعض الصفات التي ينبغي على المربين أن يتحلوا بها، ثم نوهت على بعض المعارف التي يجب أن يراعيها المربون في أثناء أدائهم لهذه المهنة الشريفة الصعبة، وأوضحت في المقال بعض المحددات التي لا بد لمن يمارس مهنة التربية والتعليم من أن يكون لديه فكرة عنها، ثم أشرت إلى بعض الممارسات الخاطئة التي يقع بها رجال التربية والمربون وكيف يتخلصون منها، وفي المقال الثاني أتابع الموضوع على هذه المشكلة طالبًا من الله العون.
من الممارسات الخاطئة في حقل التربية وضع أسلوب مكان آخر كما قال الشاعر:
ووضع الندى في موضع السيف مضر *** كوضع السيف في موضع الندى
فعلى سبيل المثال نجد بعض الآباء أو المعلمين يعاقب من تحت يده لأتفه الأسباب حتى يستمرئ المُعَاقَبُ العقوبة، ولم تعد بالنسبة إليه عقوبة رادعة أو مسددة، أو منبهة أو ناصحة، وكان على المربي أن ينوع في عقوباته بحسب درجة الخطأ، ونوعه، وتكراره كما ينوع في تعزيزاته ومكافآته لمن يستقيم أمره؛ وهذا الخلط في استعمال هذا الأسلوب يؤدي إلى فشل المربي، وضياع جهوده في مجال التربية؛ فلا تجد أثرًا لما بذل في هذا المضمار.
ومن الممارسات الخاطئة في التربية امتهان ثقافة الكذب لدى المُرَبِّي ـبضم الباء وفتح الراء وتشديد الباء المكسورةـ مما يؤثر سلبًا على المُرَبَّى فيتخلق بأخلاق من يربيه كأن يقول المربي للمربى: إن فعلت كذا سأعطيك كذا أو سأعاقبك في كذا؛ ولا ينفذ ما توعد به أو وعد؛ فيعتاد الطالب أو الابن أو البنت على هذه الأكاذيب ولم يعد يبالي بما يقال له، أو ربما التعزيز أو الوعيد لا يأتي مناسبًا لحجم الموعود أو درجته، أو يتأخر زمن التنفيذ مدة تطول أو تقصر، فيذهب توهجها أو بريقها المؤثران في نفسية من يربون. والنتيجة فقدان الأثر التربوي. لهذا الأسلوب أو ذاك وخسارة أسلوب من الممكن أن يأتي ثمارًا طيبة في حقل التربية.
ومن الممارسات الخاطئة في التربية أن يأمر المعلم أو الأب أو المربي بأمر، أو ينهى عن أمر ويغلظ في النهي أو الأمر من تحت يده أو في أمانته، فيكتشف من يُرَبَّون أن القائمين على تربيتهم واقعون فيما نهوا عنه أو غير مطبقين لما أمروا به بما يسمى (التربية بالقدوة)، فيصاب المربون بالإحباط، ولم يعودوا يحتفلون بما يأتيهم من توجيهات طيبة أو زواجر متوعدة؛ ولذلك فإلف مثل هذه الأساليب وصدورها عن أشخاص ليسوا أكفياء ولا أكفاء لمهنة التربية لا جدوى منها؛ وفي النهاية فالحصاد في حال لا يغبط ولا يحسد.
وإن القسوة المفرطة والتسيب المفرط لمن عيوب التربية لدى بعض المربين؛ فالقسوة تزرع في قلب من تربيهم حب الكذب للتخلص من العقوبة، كما يصبحون في رعب دائم يفقده الاستقرار النفسي والرجولة والشجاعة والصراحة والاتزان مثلما أن التسيب المفرط يميع الذات ويصنع الجبن، وحب الراحة وكراهية العمل والاجتهاد. إضافة إلى فقدان الشخصية القوية الإيجابية.
أهيب بمن يتولى تربية الصغار أن يتنبه إلى شيء مهم: وهو أن هؤلاء مثل المرآة التي تعكس كل شيء يقع في مجالها، والطفل ينظر إلى الكبير نظرة تقدير وقدوة، فمثلًا تجد طفلًا يتفوه بكلام بعيد عن حدود الأدب، فلو فتشت عن سبب ذلك، لوجدت أنه سمع هذا الكلام في بيته أو مدرسته أو أطفال لعب معهم، ولكن أثر الكبار عليه أكبر، وهذا أمر مُشَاَهد محسوس.
فالتربية -كما ذكرنا في المقال الأول والثاني- مهنة شريفة صعبة تتطلب من المربي أن يكون قدوة حسنة لمن يربيه، وأن يراعي خصائص مرحلة النمو لدى من يقوم على شؤونهم، كما يتفهم احتياجاتهم، ولا بأس بأن يلم ببعض المعارف المتعلقة بعلم النفس والاجتماع، والأهم من كل هذا أن يمتلك ثقافة شرعية وأدبية وخبرة عملية تؤهله لممارسة مهمته طالبًا الأجر من الله تعالى متصفًا بالخلق الطيب شديد الغيرة على أبنائه (من يتولى تربيتهم) حريصًا عليهم وعلى إصلاحهم.
فالله لا يقبل من الأعمال إلا ما أريد بها وجهه.
مالك فيصل الدندشي
02 جماد أول 1435 هـ