المبدأ الإنساني وإحراج الإلحاد

أحمد كمال قاسم

قد ثبت عِلمياً أن ثوابت الكون الفيزيائية إن اختلت قيمة أي منهم بمقدار ضئيل جداً فلن توجد حياة ذكية في هذا الكون (المبدأ اﻹنساني) وحيث أن اﻻحتماﻻت الممكنة لقيم ثوابت الكون هي في الواقع لانهائية (كل ثابت يمكن أن يأخذ عدد لا نهائي من القيم على انفراد، فما بالك بالتباديل بينهم). إن هذا الاكتشاف في الواقع عضد نظرة المؤمنين للكون أنه مخلوق لله ومسخر لحياة الإنسان حتماً لا مراء فيه وهذا ما يُسمى المبدأ الإنساني أو مبدأ التسخير.

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية - مذاهب باطلة -

تسخير أم صدفة عمياء؟
قد ثبت عِلمياً أن ثوابت الكون الفيزيائية إن اختلت قيمة أي منهم بمقدار ضئيل جداً فلن توجد حياة ذكية في هذا الكون (المبدأ اﻹنساني) وحيث أن اﻻحتماﻻت الممكنة لقيم ثوابت الكون هي في الواقع لانهائية (كل ثابت يمكن أن يأخذ عدد لا نهائي من القيم على انفراد، فما بالك بالتباديل بينهم). إن هذا الاكتشاف في الواقع عضد نظرة المؤمنين للكون أنه مخلوق لله ومسخر لحياة الإنسان حتماً لا مراء فيه وهذا ما يُسمى المبدأ الإنساني أو مبدأ التسخير.

موقف الملحدين وشبهتهم:
اضطر الملحدون الذين لا يؤمنون بالله أن يفترضوا وجود عدد غير محدود من الأكوان المهجورة، وأن هذا الكون الذي نقطنه كان بالصدفة البحتة صالحاً للحياة الذكية فظننا واهمين أنه مُسخرٌ لنا؛ لأننا نعيش فيه ولا نعيش في الأكوان الباقية..

الرد على شبهة الملحدين وإفحامهم:
1- لو كان الأمر كما يدعون، وحيث أن التراكيب الآنية التي تؤهل لوجود حياة ذكية هي: (انتقاء دقيق لقيم ثوابت الطبيعة، مع وجود عدد لا نهائي ممكن نظرياً للتراكيب المحتملة) فمعنى هذا أنه حدث شيء احتماله الرياضي صفر وهو أن اتفقت قيم كل هذه الثوابت المستقلة، لينتج إثرها حياة ذكية على كوكب اﻷرض، ومن هذا نستنتج أن:

ينبغي أن يكون عدد الأكوان المهجورة لا نهائية حتى يمكن الحصول على كمية محدودة من ضرب احتمال وجود حياة ذكية (صفر) × عدد (لا نهائي) للأكوان المهجورة، ولكن لسوء حظ الملحدين أنه استقر العقل العلمي عبر العصور العلمية المختلفة وخصوصاً الحديثة أنه لا يوجد ما يسمى لا نهاية موجودة بشكل واقعي في وجودنا المادي وبالتالي فإن الحد الثاني من المعادلة أعلاه هو عدد (نهائي) للأكوان المهجورة، مما يؤدي إلى احتمال قيمته صفرية لوجود حياة ذكية، وهو ضد الواقع الذي نعيشه.

2- افتراضهم لوجود أكوان مهجورة ليس لنا بها أية صلة هي فرضية تضع هذه الأكوان ضمن حيز الميتافيزيقا (ما ليس محسوساً بالحواس الخمس أو تعميماً هي التي لا يمكن قياسها)، ومن المعلوم أن الميتافيزيقا منبوذة لدى الملحدين، وإلا لما رفضوا وجود الخالق من حيث المبدأ، إذًا فقد ورطوا أنفسهم في الاعتراف بما وراء الطبيعة لكي ينبذوا وجود خلق للكون وللإنسان، وهذا منتهى العبث أن ينكروا ماوراء الطبيعة -وجود الله- ثم يعترفوا به -بالنسبة ﻷكوان ليس باستطاعتهم رصدها- لنفيه.. لقد وقعوا في هراء ليس له مثيل.

وقد اكتشف علماء الفلك وعلماء الكونيات مثل العالم الشهير سير. (مارتن رِيس)Sir. Martin Rees أن كوننا يتمتع بخاصية غاية في الإدهاش وهي ما تسمى بـــ"الضبط الطفيفFine Tuning"، حيث وجد رِيس أن خصائص الكون تتحدد بستة عوامل فيزيائية، وهذه العوامل تتخذ قيماً معينة لا بد منها لوجود حياة في الكون، فإذا حاد أي منهم عن قيمته حيوداً طفيفاً استحال إعالة الكون للشفرة الحيوية DNA وبالتالي استحالة وجود حياة.

وهذه العوامل باختصار هي:
1- Epsilon وقيمته في كوننا هي بالضبظ (0.007) وهي نسبة الهيدروجين الذي تحول إلى هيليوم في الانفجار العظيم (فتق الرتق). وياللعجب فإن هذا العامل لو قلت قيمته إلى (0.006) مثلاً لضعفت القوى النووية الضعيفة وبالتالي لم يُتح للذرات الثقيلة مثل الكاربون اللازم للحياة أن تتكون ولم يُتح للنجوم أن تتكون ولصار الكون كله مليئاً بعنصر الهيدروجين فقط، أما إذا زادت لقيمة مثل 0.008 فإن كل الهيدروجين سيتحول إلى هيليوم أثناء فتق الرتق ولما تبقى أية ذرات هيدروجين تعطي طاقة اندماجها في النجوم إلى هليوم للكون والحياة فيه.

2- N وقيمته في كوننا هي (1000000000000000000000000000000000000) -1 وعلى يمينه 36 صفراً- وهي نسبة القوة الكهرومغناطيسية في الكون إلى القوة الجذبوية فيه، فلو كانت الجاذبية أضعف قليلاً لما تكونت النجوم ولما أدفأت ولا أنارت كوكبنا، ولانحدرت درجة حرارته إلى الهاوية السحيقة بحيث الصمت المطبق فلا حياة! وإذا زادت قوة الجذب الكوني قليلاً لتكونت النجوم سريعاً واحترقت سريعاً لاندفاع كميات رهيبة من الطاقة منها، وذلك لكثافتها المهولة التي تسمح بازدياد معدل احتراق وقود النجوم النووي وانتهائه سريعاً، ويترتب على ذلك احتراق أي أثر للحياة أثناء تسرب الطاقة من النجوم سريعاً ثم يخيم الموت الأسود البارد على الكون.

3- Omega نسبة انكماش الكون الناشئ عن الجاذبية في غياب التوسع إلى توسع الكون في غياب الانكماش الناشئ عن الجاذبية، فلو كانت قليلة لا تسع الكون سريعًا دون كبحٍ لجماحه وخيمت الظلمة والبرودة على الكون لتتجمد أي حياة ولو كانت أكبر من ذلك قليلاً لانكمش الكون سريعاً، وعاد إلى انهدام عظيم قبل تواجد الظروف المواتية لخلق أي حياة.

يقول مارتن ريس: "لو اختلفت Omega عن الواحد الصحيح بعد ثانية واحدة من الانفجار العظيم بقيمة 1 على مليون بليون (البليون = 1000000000) لما كنت تقرأ مقالتي الآن أيها القارئ العزيز"، الأعجب من ذلك أننا الآن وبعد مرور 10 بليون سنة من فتق الرتق ما زالت Omega قريبة جداَ من الواحد الصحيح!

4- Lambda وهو الثابت الكونياتي Cosmological constant وهذه الكمية هي التي تعبر عن تسارع اتساع الكون والتي يجب أن تكون قيمتها في نطاق ضيق جداً فإذا زادت قليلاً لا تسع الكون قبل أن تستقر الحياة المخلوقة على الأرض، وكذلك يحدث لو قلت قليلاً فسينهدم الكون بعد قليل من فتق الرتق Big Bang، وبالتالي فسيكون كوناً مبتسراً لا حياة فيه.

5- Q وهي كمية عجيبة تعبر عن مدى عدم انتظام كثافة الطاقة الفائرة عند فتق الرتق وهي تساوي في كوننا (1\100000)، فلو كانت هذه الطاقة منتظمة ومتماثلة تمام التماثل لظلت هكذا إلى الأبد ولما تكونت النجوم ولا الكواكب ولما كان يوجد تمايز بين أبعاض الكون وبالتالى لاستحال وجود أية حياة. ولو كانت غير منتظمة أكثر مما هي عليه لعج الكون بالثقوب السوداء التي تجعل النجوم قريبة جداً من بعضها مما لا يتيح تكون كواكب تدور حولها وبالتالي يستحيل وجود حياة.

6- D وهي عدد الأبعاد الفضائية.
قد وجد العلماء استحالة وجود حياة إذا كان الكون بعداً واحداً، لأنه حسب ميكانيكا الكم فإن الجسيمات في البعد الواحد تمر من بعضها البعض، ولا يمكن أن تتماسك بحال، أما في بعدين فيستحيل وجود حياة لأنها لن تستطيع أن تتغذى، تخيلوا معي كائنًا ثنائي الأبعاد فإن قناته الهضمية من موضع الفم إلى موضع الإخراج! ستقسمه إلى جزئين وتتفكك الحياة التي تعتمد على التغذية، أي كل أنواع الحياة المعروفة.

من ناحية أخرى فنظراً لتعقيد مخ الحياة الذكية -الإنسان- فلا يمكن بحال أن تتكون شبكة عصبية معقدة (كل خلية عصبية ترتبط بــ(10000) خلية أخرى من أخواتها في مخ الإنسان) في كون ذي بعد واحد أو بعدين اثنين.

أما لو زادت عدد الأبعاد عن 3 أبعاد فضائية فقد وجد (بول ايرينفيست) المعاصر لأينشتين سنة 1917 أن مدارات الكوكب والإلكترونات حول الشموس وأنوية الذرات بالترتيب لن تكون مستقرة، وبالتالي يستحيل تواجد أية حياة.

ومن هذا الاستنتاج الرياضي الفريد للعالم الملحد (مارتن ريس): {...وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ...} [المدثر:31]، ساهم من حيث لا يحتسب في إدارك المؤمنين بالله آياتِ التسخير إدراكاً أعمق، فالكون مصمم بدقة مبهرة بحيث يكون مُهيئاً لاستقبال حياة وبالطبع يستحيل اتفاق 6 عوامل حقيقية بالصدفة على هذه التركيبة الفريدة من ضمن عدد لا نهائي من الاحتمالات للقيم المتبادلة للعوامل الست مع بعضها البعض (إثبات الخلق بما لا يدع مجالاً للشك).

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام