(35) ولاية القضاء (6)
وَلَيْسَ لِمَنْ تَقَلَّدَ الْقَضَاءَ أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّةً مِنْ خَصْمٍ وَلَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَصْمٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَعْدِيهِ فِيمَا يَلِيهِ
- التصنيفات: السياسة الشرعية -
الباب السادس: في ولاية القضاء (6)
فصل: "في أمور تتعلق بالقضاء"
وَلَيْسَ لِمَنْ تَقَلَّدَ الْقَضَاءَ أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّةً مِنْ خَصْمٍ وَلَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَصْمٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَعْدِيهِ فِيمَا يَلِيهِ[1].
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: « »[2].
فَإِنْ قَبِلَهَا وَعَجَّلَ الْمُكَافَأَةَ عَلَيْهَا مَلَكَهَا، وَإِنْ لَمْ يُعَجِّلِ الْمُكَافَأَةَ عَلَيْهَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ أَحَقَّ بِهَا إنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا عَلَى الْمُهْدِي؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِهَا مِنْهُ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي تَأْخِيرُ الْخُصُومِ إذَا تَنَازَعُوا إلَيْهِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ.
وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحْجَبَ إلَّا فِي أَوْقَاتِ الِاسْتِرَاحَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ لِأَحَدٍ مِنْ وَالِدَيْهِ وَلَا مِنْ أَوْلَادِهِ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ وَيَحْكُمُ عَلَيْهِمْ لِارْتِفَاعِهَا، وَكَذَلِكَ لَا يَشْهَدُ لَهُمْ وَيَشْهَدُ عَلَيْهِمْ، وَيَشْهَدُ لِعَدُوِّهِ وَلَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ.
وَيَحْكُمُ لِعَدُوِّهِ وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْحُكْمِ ظَاهِرَةٌ وَأَسْبَابَ الشَّهَادَةِ خَافِيَةٌ، فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ عَنْهُ فِي الْحُكْمِ، وَتَوَجَّهَتْ إلَيْهِ فِي الشَّهَادَةِ، وَإِذَا مَاتَ الْقَاضِي انْعَزَلَ خُلَفَاؤُهُ، وَلَوْ مَاتَ الْإِمَامُ لَمْ تَنْعَزِلْ قُضَاتُهُ.
وَلَوْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ قَدْ خَلَا مِنْ قَاضٍ عَلَى أَنْ يُقَلِّدُوا عَلَيْهِمْ قَاضِيًا، فَإِنْ كَانَ إمَامُ الْوَقْتِ مَوْجُودًا بَطَلَ التَّقْلِيدُ، وَإِنْ كَانَ مَفْقُودًا صَحَّ التَّقْلِيدُ، وَنَفَذَتْ أَحْكَامُهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ تَجَدَّدَ بَعْدَ نَظَرِهِ إمَامٌ لَمْ يَسْتَدِمْ النَّظَرَ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَمْ يَنْقُضْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حُكْمِهِ.
__________
[1] قال كعب الأحبار: قرأت فيما أنزل الله على أنبيائه: الهدية تفقأ عين الحكم بخلاف مفت فلا يحرم قبول الهدية. وتقدَّم في الباب قبله مفصلًا وهي أي: الهدية الدفع إليه ابتداء طلب، وظاهره أنه يحرم على القاضي قبوله الهدية، ولو كان القضي لعموم الخبر، إلا ممن كان يهدي إليه قبل ولايته إن لم يكن له أي: المهدي حكومة؛ لأن التهمة منتفية؛ لأن المنع إنما يكون من أجل الاستمالة، أو من أجل الحكومة، وكلاهما منتف. أو كانت الهدية من ذوي رحم محرم منه، أي من الحاكم؛ لأنه لا يصح أن يحكم له، هذا واضح في عمودي نسبه دون من عداهم من أقاربه، مع أنه يحتمل أن يهدي لئلَّا يحكم عليه.
قال القاضي في الجامع الصغير: لا ينبغي أن يقبل هدية إلّا من صديق كان يلاطفه، أو ذي رحم محرم منه بعد أن لا يكون له خصم، وردها أي: رد القاضي الهدية؛ حيث جاز له أخذها أولى؛ لأنه لا يأمن أن يكون لحكومة منتظرة، واستعارته أي القاضي من غيره كالهدية؛ لأنَّ المنافع كالأعيان، ومثله لو ختن القاضي ولده ونحوه فأهدي له، ولو قلنا: إنها للولد؛ لأن ذلك وسيلة إلى الرشوة. (كشف القناع: [6/ 317]).
[2] (رواه البيهقي في (السنن الكبرى [10/ 138])، وأبو عوانة في (مسنده [7073])، وأورده الهيثمي في (مجمع الزوائد [4/ 200])، وقال: رواه البزار من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وهي كمال).
قال الحافظ ابن حجر: حديث "هدايا الأمراء غلول" البيهقي وابن عدي من حديث أبي حميد، وإسناده ضعيف، والطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة وإسناده أشد ضعفًا، وفيه عن جابر أخرجه سنيد بن داود في تفسيره عن عبدة بن سليمان عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جابر وإسماعيل ضعيف. (تلخيص الحبير:[4/ 190]).
الكتاب: الأحكام السلطانية
المؤلف: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)
الناشر: دار الحديث - القاهرة
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]