علامات في مواجهة الأزمات
لا يكاد أحد من الناس ينجو من أزمة تحل به أو مشكلة تعرض له، والمشكلات والأزمات والمصائب هم سبب الكدر في حياة الناس، فالحياة لا تكاد تصفو لأحد، لكن الناس يختلفون في مواجهة مشكلاتهم وأزماتهم ومصائبهم بحسب عدة عوامل مؤثرة:
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
لا يكاد أحد من الناس ينجو من أزمة تحل به أو مشكلة تعرض له، والمشكلات والأزمات والمصائب هم سبب الكدر في حياة الناس، فالحياة لا تكاد تصفو لأحد، لكن الناس يختلفون في مواجهة مشكلاتهم وأزماتهم ومصائبهم بحسب عدة عوامل مؤثرة:
فأهمها وأولها مدى قربه من ربه سبحانه، ومدى ارتباطه بالتوكل عليه سبحانه والثقة فيه عز وجل، فالمرء الذي يعود إلى ربه في أزماته ويتوكل عليه سبحانه في حلها، ويرجوه ويلح في دعائه أن يفرجها عنه واثقًا في ذلك وموقنًا به ومسَلمًا أمره له سبحانه فهو الأجدر أن تحل مشكلاته وينجو من أزماته، والمرء الذي يلتفت إلى الماديات بعيدًا عن ربه سبحانه، ويظن أن الحياة المادية تكفيه فهو مغرور ما يلبث أن يُفجع في نفسه وفي دنياه، قال سبحانه: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يغيظ} [الحج:15] والقلب المطمئن الذي تملؤه السكينة الإيمانية يتلقى الأزمات بثبات وهدوء، فهو يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فهو راضٍ بقضاءِ ربه سبحانه، صابر صبرًا جميلا، أما القلب المكدوس في الدنيا وزخرفها فهو يعتصر ألمًا عند المشكلات ويحترق غيظًا إذا ما أصابته مصيبة فيما يراه من مكتسباته مما أنفق فيه زهرة حياته، فهو مصدوم مشلول الحركة تجاه مصائبه وأزماته، أو أنه متخبط متردد ثائر تائه!
وفي الحديث لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تبكي ابنها بكاءً شديدًا وتصرخ قال لها: « » فقالت: إليك عني لم تصب بمصيبتي، فلما ذهبت إليه وكلمته وقالت لم أعرفك، قال لها: « » (أخرجه مسلم)، وفي الحديث أيضًا: « » (أخرجه مسلم).
هناك عامل آخر مهم للغاية، فالرؤية الصحيحة للأزمة هي سبب مؤثر في صحة حلها أو مواجهتها، وصوابية الرؤية تؤدي إلى صوابية الحل، وكثير من الناس يصاب بتشويش الرؤية فلا يرى الأمور على حقائقها، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه: "اللهم أرني الحق حقًا وارزقني اتباعه وأرني الباطل باطلا وارزقني اجتنباه". فانظر إلى الأزمة التي تمر بك من أعلاها لا من جانبها، فصفها لنفسك وصفًا دقيقًا بغير تهويل ولا تهوين، واعرف أطرافها جيدًا، والعوامل المؤثرة فيها، ومدى أثرها المتوقع عليك وعلى من حولك ولا تفتح لنفسك مجالًا لتداخل الرؤى بين ما يمر بك من مؤثرات أخرى وبين مشكلتك.
الجانب الأهم هنا في التعامل مع الأزمات هو مواجهتها وعدم الهروب منها، وأقصد بمواجهتها وضعها على طاولة التفكير والنظر والبحث لدراستها دراسة جيدة، فالذين يهربون من مواجهة مشكلاتهم تظل مشكلاتهم وأزماتهم بغير حل أو انقضاء، بل إن بعضهم يظل قيد مشكلته حتى بعدما تنقضي المشكلة.
والبعض يلحق به أذٍى مرضي سواء أكان نفسيًا أو عضويًا بسبب عدم مواجهة مشكلته أو الانزواء عنها أو الخوف من مواجهتها، فتجد كثيرًا من أمراض الاكتئاب وكثرة النوم والانطواء سببه ضغط الأزمات وعدم الرغبة في مواجهتها.
وبدلا من تضييع وقتك وجهدك تأسفًا على ما حدث لك، وسقوطك في التيه النفسي وتقليبًا في أحداث ما أصابك، فأولى لك أن تتفكر في أسباب ما حصل لك، فإن كان أمرًا قدريًا ليس لك فيه دور فعليك بقبوله والصبر عليه، وسؤال الله التثبيت لنفسك فإنما هو ابتلاء يبتلي الله سبحانه به عباده وعليك أن تدرب نفسك على تقبله. وإن كانت أزمة ذات أذرع وفروع فتفكر في أسبابها، فالتفكير في الأسباب جزء من التفكير في الحل، والموفق من وفقه الله إلى مسببات الأشياء فتوكل على الله في الأخذ بأسبابها.
محور آخر هام في مواجهة الأزمات وهو سؤالك لنفسك كيف ستواجهها؟ هل ستواجهها بالانطواء والعزلة أم بالتصعيد والغضب والنفخ فيها أم بالصبر والهدوء والعقل والروية؟ وبالطبع فالخياران الأوليان هما خيارا الأحمق الذي يأخذ الغضب بتلابيب وجدانه ويسيطر عليه حزنه وألمه. ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم عدم إطالة الأحزان، بل قد جعل للعزاء ثلاثة أيام، وكره العزاء بعدها، لأن قلب المصاب يكون قد بدأ في الهدوء وبدأ الجرح في الاندمال فلا نفتح المجال لإثارته.
ومن الحكمة في مواجهة الأزمات أن تضع لها حلولًا مختلفة، وألا تقتصر على حل واحد، بل إن بدائل الحلول هي كلمة السر في حل الأزمات، وكلما كان البديل واقعيًا وقريبًا من الإمكانات والقدرات كلما كان أقرب للتطبيق. ويجب أن تعلم نفسك أنك إذا اخترت حلًا بديلًا وبدأت فيه فإياك أن تتردد، بل سر فيه ما دمت قد اتخذت خطواتك سليمة كما بينا لك.
وبعد تفنيد أسباب ما تواجهه، ووصفه وصفًا دقيقًا بعيدًا عن التوتر، ووضع خيارات الحلول الذاتية، جاء الدور على استشارة أهل الخبرة والعلم، فاستشارتهم تضيف علمًا إلى علمنا وخبرة إلى خبرتنا في مواجهة الأزمة، ثم علينا أن نضيف آراءهم وما تفضلوا به من اقتراحات ورؤى إلى ما سبقناهم فيه ثم نضع وصفًا جديدًا وصورة نهائية للأزمة وحلها.
وتأتي استخارة الله العظيم سبحانه قبل الهموم والبدء بالعمل وبالحل كأمر أساسي ومبارك في حل الأزمة ومواجهتها، بل أنا دائما أنظر إلى الاستخارة وكأنها بوصلة في الطريق توجهنا نحو هدف مرجو صحيح.
خالد رُوشه | 26/10/1435 هـ