سِحْـرُ الاستنبـاط.. ذاك شأنٌ آخر

أبو فهر المسلم

لمَّا كانت النميمة عبارة عن تزيين الكلام بالكذب، ونقله بين الناس، بقصد الإفساد بين المُتحابِّين، وإيقاع العداوة بينهم، فتَنفر القلوبُ بعد إقبالها، وتتباغض بعد تحابِّها، لمَّا كانت النميمةُ كذلك صارت أشبَه ما يكون بالسِّحر، الذي يُفرِّق بين المُتحابِّين، كالزَّوج وزوجه، لأنها تعملُ عملَه، وتأثيرُها تأثيره..

  • التصنيفات: تراجم العلماء -

النميمـة مِن السِّحر تخيَّل! ذكرَ ابنُ كثيرٍ رحمه الله، في تفسيره، عند قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ...} [البقرة:102]، "ذكَر عن الرازي، أنَّه قسَّم السِّحْر إلى ثمانية أنواع، ثم ساقها ودلَّل عليها، إلى أن وصلَ إلى النوع الثامن، فقال: "النوع الثامن من السحر: السَّعيُ بالنميمة والتضريب -الإغراء- من وجوهٍ خفيَّةٍ لطيفة، وذلك شائع في الناس".

 

ثم بيَّن ابنُ كثيرٍ رحمه الله، وجه دخول النميمة في السِّحر، فقال: "-وإنَّما أدخلها في فنِّ السِّحر-؛ لِلَطَافة مَداركها لأن السِّحر في اللغة عبارةٌ عما لَطُف وخَفِي سَبَبُه، ولهذا جاء في الحديث «إنَّ مِن البيان لسِحْرًا»" (صحيح البخاري:5797).

 

قلتُ: ما أروعه من استنباط قد بلغ من الحُسْن غايتَه، ومن الجمال مُنتهَاه.. ولعَلِّي أقول: وذاك نوعٌ تاسعٌ من السِّحر، وهو الاستنباط! والذي حملهم على إدخال النميمة في السِّحر: أنه لمَّا كانت النميمة عبارة عن تزيين الكلام بالكذب، ونقله بين الناس، بقصد الإفساد بين المُتحابِّين، وإيقاع العداوة بينهم، فتَنفر القلوبُ بعد إقبالها، وتتباغض بعد تحابِّها، لمَّا كانت النميمةُ كذلك صارت أشبَه ما يكون بالسِّحر، الذي يُفرِّق بين المُتحابِّين، كالزَّوج وزوجه، لأنها تعملُ عملَه، وتأثيرُها تأثيره.

 

لذا ذَكر ابن مُفلح رحمه الله، في كتابه الفروع: "ومِن السِّحر السعي بالنميمة، والإفساد بين الناس، وذلك شائع عامٌّ في الناس، ووجهُه: أنه يقصد الأذى بكلامه وعمله، على وجْه المكر والحيلة، فأشبه السحر ولهذا يُعلم بالعادة والعُرف أنه يُؤثر ويُنتج ما يَعمله السحرُ أو أكثر.. ولهذا ذكر ابنُ عبد البرِّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ قال: (يُفسد النَّمامُ والكذَّابُ في ساعةٍ؛ ما لا يُفسد الساحرُ في سَنة)".

 

ألا فليتَّقِ اللهَ أُناسٌ يتورَّعُون ورعًا باهتًا عن أكل اللُّحوم المُستوردة، بحُجَّة: لعلَّها.. ربَّما.. كأنَّها.. نظنُّها..!

ويأكلُون اللَّحم الحرامَ الخالص، الذي لا شكَّ فيه، ولا شُبهةَ تعتريه: {...أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ...} [الحجرات:12].

اللهم علِّمنا وفهِّمنا وفقِّهنا.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام