الإحرام من جدة لغير أهلها

للحج أركان أربعة منها الإحرام، فالإحرام من جدة موضوعٌ مهمٌ حيث أنه يتعلَّق بركنٍ من أركان الحج، وقد جاء تبعًا للتطور الحضاري والتقني، حيث أن أغلب حجاج بيت الله في هذا الزمان يأتون إلى الحج عن طريق الجو أو البحر. نهجت في بحثي على تعريف الغريب من الألفاظ والمصطلحات وذلك من مظانها المعروفة، وترجمت للأعلام غير المعاصرين، وحاولت جمع أقوال الفقهاء المعاصرين في المسألة، واستيفاء الأدلة على الأقوال، واستيفاء المناقشات على الأدلة، وترجيح الأقوى من أقوال الفقهاء المعاصرين.

  • التصنيفات: فقه الحج والعمرة -

الحمد لله الذي شرح صدورنا للإسلام، وجعلنا من أمة خير الأنام صلى الله عليه وسلم، وغرس في النفوس حب بيت الله الحرام، وجعل على زيارة بيته الأجر الكبير والثواب، وجعل حب بيته غريزة في قلوب المؤمنين يقول تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيق} [الحج:27]، وفرض حجه على المسلمين، وجعله من أركان الإسلام الخمسة.

أما بعد:

فإني أحمد الله تعالى أن يسّر لي اختيار بحث في نازلةٍ من نوازل الحج الفريضة العظيمة، التي يحتاجها المسلمون عامةً وخاصةً، عربًا وعجمًا.

وللحج أركان أربعة منها الإحرام، فالإحرام من جدة موضوعٌ مهمٌ حيث أنه يتعلَّق بركنٍ من أركان الحج، وقد جاء تبعًا للتطور الحضاري والتقني، حيث أن أغلب حجاج بيت الله في هذا الزمان يأتون إلى الحج عن طريق الجو أو البحر، وأكثر من يأتي بطريق الجو أو البحر يكون أول نزوله إلى هذا البلد عن طريق مطار جدة أو مينائها، فهل يمكن أن تكون جدة ميقاتًا لهؤلاء القادمين بطريق الجو والبحر أم أنهم يلزمهم الإحرام من محاذاة مواقيتهم الأصلية؟

وقد استفدت ممن سبقني ممن كتبَ في هذا الباب، وهم الدكتور: "علي بن ناصر الشلعان في كتابه النوازل في الحج، والشيخ: عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله في رسالة جواز الإحرام من جدة".

ولنُسارِع إلى بيان الخطة التي قام عليها هذا البحث فأقول اقتضت طبيعة هذا البحث أن يكون مشتملًا على خمسة مباحث، رتَّبتها على النسق التالي:

المبحث الأول: الإحرام تعريفه، وحكمه: ويشتمل على ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريف الإحرام لغةً.
المطلب الثاني: تعريف الإحرام شرعًا في المذاهب الفقهية.
المطلب الثالث: حكم الإحرام.

المبحث الثاني: مدينة جدة تعريفها، وتاريخها. وتشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: تعريف مدينة جدة.
المطلب الثاني: نبذة تاريخية عن مدينة جدة.

المبحث الثالث: الميقات المكاني للحج والعمرة. ويشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: تعريف الميقات لغةً وشرعًا.
المطلب الثاني: المواقيت المكانية.

المبحث الرابع: اعتبار جدة ميقاتًا مكانيًا. ويشتمل على سبعة مطالب:
المطلب الأول: أقوال الفقهاء في المسألة، وسبب الخلاف بينهم.
المطلب الثاني: القول الأول، وأدلته.
المطلب الثالث: القول الثاني، وأدلته.
المطلب الرابع: القول الثالث، وأدلته.
المطلب الخامس: القول الرابع، وأدلته.
المطلب السادس: القول الخامس، وأدلته.
المطلب السابع: الترجيح.

وقد نهجت في بحثي على تعريف الغريب من الألفاظ والمصطلحات وذلك من مظانها المعروفة، وترجمت للأعلام غير المعاصرين، وحاولت جمع أقوال الفقهاء المعاصرين في المسألة، واستيفاء الأدلة على الأقوال، واستيفاء المناقشات على الأدلة، وترجيح الأقوى من أقوال الفقهاء المعاصرين.

ولا يفوتني شكر من ساعدني -بعد الله- في إتمام هذا البحث الأستاذ الدكتور: أحمد الحبيب، فقد ساعدني بتوجيهاته وملاحظاته النافعة.

هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع به إنه جواد كريم.

المبحث الأول: الإحرام تعريفه، وحكمه:

المطلب الأول: تعريف الإحرام لغةً.

الإحرام: "من حرم وهو الْمَنْعُ وَالتَّشْدِيدُ، فَالْحَرَامُ: ضِدُّ الْحَلَالِ" (مقاييس اللغة: [2/45]، مادة: حرم).

والإِحْرامُ: مَصْدَرُ أَحْرَمَ الرجلُ يُحْرِمُ إِحْرامًا إِذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَو الْعُمْرَةِ، وباشَرَ أَسبابهما وَشُرُوطَهُمَا مِنْ خَلْع المَخِيط، وأَن يَجْتَنِبَ الأَشياء الَّتِي مَنَعَهُ الشَّرْعُ مِنْهَا كَالطِّيبِ وَالنِّكَاحِ وَالصَّيْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

والأَصل فِيهِ المَنْع، فكأَنَّ المُحْرِم مُمْتَنِعٌ مِنْ هَذِهِ الأَشياء. وَمِنْهُ حَدِيثُ: «مفتَاحُ الصلاَةِ الطهورُ، وتَحْرِيمُهَا التّكبيرُ...»، كأَن الْمُصَلِّيَ بِالتَّكْبِيرِ وَالدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ صَارَ مَمْنُوعًا مِنَ الْكَلَامِ والأَفعال الْخَارِجَةِ عَنْ كَلَامِ الصَّلَاةِ وأَفعالِها، فَقِيلَ لِلتَّكْبِيرِ تَحْرِيمٌ لِمَنْعِهِ الْمُصَلِّيَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ تكبيرَة الإِحْرام أَي الإِحرام بِالصَّلَاةِ.

والحُرْمَةُ: مَا لَا يَحِلُّ لَكَ انْتِهَاكُهُ، وَكَذَلِكَ المَحْرَمَةُ والمَحْرُمَةُ، بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا؛ يُقَالُ: "إِنَّ لِي مَحْرُماتٍ فَلَا تَهْتِكْها، وَاحِدَتُهَا مَحْرَمَةٌ ومَحْرُمَةٌ، يُرِيدُ أَنَّ لَهُ حُرُماتٍ. والمَحارِمُ: مَا لَا يَحِلُّ اسْتِحْلَالُهُ" (لسان العرب: [12/122]، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: [1/131]، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: [5/1895]، تهذيب اللغة: [5/30]، مادة: حرم).

فالإحرام: هو الدخول في حرمة لا تهتك، وإحرام الحاج أو المعتمر الدخول في عمل حرم عليه به ما كان حلالًا.

المطلب الثاني: تعريف الإحرام شرعًا.

فعند الأحناف: "الإحرام الدخول في حرمات مخصوصة أي التزامها، غير أنه لا يتحقق شرعًا إلا بالنية والذكر" (شرح فتح القدير: [2/134]).

وعند المالكية: "صفة حكمية، توجب لموصوفها حرمة مقدمات الوطء مطلقا، وإلقاء التفث، والطيب، ولبس الذكور المخيط، والصيد لغير ضرورة لا يبطل بما تمنعه" (شرح حدود ابن عرفة: [1/104]).

وعرَّفه الشافعية بقولهم: "الْإِحْرَام هُوَ عبارَة عَن نِيَّة الدُّخُول فِي حج أَو عمْرَة قَالَه النَّوَوِيّ وَزَاد ابْن الرّفْعَة أَو فِيمَا يصلح لَهما أَو لأَحَدهمَا وَهُوَ الْإِحْرَام الْمُطلق وَسُمِي إحرامًا لِأَنَّهُ يمْنَع من الْمُحرمَات" (كفاية الأخيار: [1/213]).

وعرَّفه الرملي[1] فقال: "يطلق الإحرام على نية الدخول في النُسّك" (نهاية المحتاج: [3/265]).

وعند الحنابلة عرَّفه البهوتي[2] بقوله: "نية الدخول في النسك، لا نيته ليحج أو يعتمر" (كشاف القناع: [2/406]).

المطلب الثالث: حكم الإحرام.

إن ركنية الإحرام ثابتة من الثوابت في المذهب المالكي والشافعي والحنبلي والنصوص في ذلك قواطع:

قال خليل[3]: "وركنهما الإحرام" يعني الحج والعمرة (مختصر خليل: [69]).

وقال القاضي عبد الوهاب[4]: "وأركان الحج أربعة وهي: الإحرام والطواف والسعي والوقوف بعرفة" (التلقين في الفقة المالكي: [1/81]).

قال الدسوقي[5]: "ثَلَاثَةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَهِيَ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ وَالطَّوَافُ وَأَمَّا السَّعْيُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ رُكْنٌ" (حاشية الدسوقي [2/21]).

وعند الشافعية: "أَرْكَانُ الْحَجِّ خَمْسَةٌ: الْإِحْرَامُ، وَالْوُقُوفُ، وَالطَّوَافُ، وَالسَّعْيُ، وَالْحَلْقُ إذَا جَعَلْنَاهُ نُسُكًا وَلَا تُجْبَرُ بِدَمٍ، وَمَا سِوَى الْوُقُوفِ أَرْكَانٌ فِي الْعُمْرَةِ أَيْضًا" (مغني المحتاج: [2/285]).

وكذلك عدّ البهوتي الحنبلي أركانَ الحج أربعة، وذكر منها "...الإحرام" (كشاف القناع: [2/521]).

وأما المذهب الحنفي: "فالْإِحْرَامُ شَرْطُ ابْتِدَاءٍ، وَلَهُ حُكْمُ الرُّكْنِ انْتِهَاءً" (الدر المختار وحاشية ابن عابدين؛ رد المحتار: [2/466).

قال ابن عابدين[6]: "[قَوْلُهُ وَهُوَ شَرْطُ ابْتِدَاءٍ] حَتَّى صَحَّ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنْ كُرِهَ كَمَا سَيَأْتِي و[قَوْلُهُ حَتَّى لَمْ يَجُزْ إلَخْ] تَفْرِيعٌ عَلَى شَبَهِهِ بِالرُّكْنِ يَعْنِي أَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ، بَلْ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ بِعُمْرَةٍ وَالْقَضَاءُ مِنْ قَابِلٍ كَمَا يَأْتِي، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا مَحْضًا لَجَازَتْ الِاسْتِدَامَةُ" اهـ.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بَطَلَ إحْرَامُهُ وَإِلَّا فَالرِّدَّةُ لَا تُبْطِلُ الشَّرْطَ الْحَقِيقِيَّ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ اهـ. وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ، وَالشَّرْطُ الْمَحْضُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَكَذَا مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْ صَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ أَحْرَمَ فَبَلَغَ أَوْ عَتَقَ مَا لَمْ يُجَدِّدْهُ الصَّبِيُّ" (الدر المختار وحاشية ابن عابدين، رد المحتار: [2/467]).

والذي يظهر من كلام ابن عابدين رحمه الله غلبةُ شبهةِ الركنية على الإحرام من الشرطية؛ لأنه عدّدَ وجوهَ الشبه في الركنية، واقتصر على وجه شبه واحد بالشرط.

يبدو لنا مما سبق الإجماع من خلال المذاهب الأربعة المذكورة آنِفًا على ركنية الإحرام للحج، ولو انتهاء كما هو الشأن في المذهب الحنفي.

المبحث الثاني: مدينة جدة تعريفها، وتاريخها.

المطلب الأول: تعريف مدينة جدة.

جدة هي محافظة سعودية بمنطقة مكة المكرمة غرب المملكة وتقع في منتصف ساحل البحر الأحمر الشرقي، تُلقَّب بعروس البحر الأحمر، وتُعد العاصمة الاقتصادية والسياحية للمملكة العربية السعودية، تشتهر بكثرة ناطحات السحاب فيها وتُعد الأولى من حيث مشاريع الابراج وناطحات سحاب. يبلغ عدد سكانها حوالي 3.430.697 نسمة، تُعتبَر جدة ثاني أكبر مدن المملكة العربية السعودية بعد العاصمة الرياض (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D موسوعة ويكيبيديا الحرة).

المطلب الثاني: نبذة تاريخية عن مدينة جدة.

تعود نشأة مدينة جدة إلى ما يقارب 3000 سنة على أيدي مجموعة من الصيادين كانت تستقر فيها بعد الانتهاء من رحلات الصيد، ثم جاءت قبيلة قضاعة إلى جدة قبل أكثر من 2500 سنة فأقامت فيها وعُرِفت بها. التحوُّل التاريخي لمدينة جدة كان في عهد الخليفة الراشدي عثمان بن عفان عام 647 م عندما أمر بتحويلها لميناء لاستقبال حجاج البحر المتجهين لأداء الحج في مكة المكرمة. لا تزال جدة إلى اليوم المعبر الرئيس لحجاج البحر والجو والكثير من حجاج البر.

نمَت جدة بشكل سريع خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين مما جعلها مركزًا للمال والأعمال في المملكة العربية السعودية ومرفأ رئيسيًا لتصدير البضائع غير النفطية ولاستيراد الاحتياجات المحلية تملك مدينة جدة مكانة اقتصادية كبيرة جدًا مما جعل المستثمرين يأتون إليها من جميع أنحاء العالم ويوجد الآن في مدينة جدة ما يقارب 135 ناطحة سحاب تحت البناء كما يوجد فيها مقرات البنوك العالمية.

تسمية جدة:

جاء أن معنى كلمة جدة الطريق الواسع الممتد، وثمة آراء عديدة ومنها: لأصل تسمية مدينة جدة ثلاثة آراء هي:

بكسر الجيم: يقال أن جِدة سُميت باسم شيخ قبيلة قضاعة وهو جِدة بن جرم بن ريان بن حلوان بن علي بن إسحاق بن قضاعة.

بضم الجيم: يقال أيضًا إن أصل التسمية لهذه المدينة هو جُدة التي تعني بالعربية شاطئ البحر، وهي التسمية التي يذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان وابن بطوطة في رحلته.

بفتح الجيم: هناك رأي يقول أن الاسم هو جَدة (بمعنى والدة الأب أو الأم). يُنسب سكان المدينة التسمية لأم البشر حواء التي يقولون أنها دُفنت في هذه المدينة التي نزلت إليها من الجنة بينما نزل جدنا آدم في الهند والتقيا عند جبل عرفات ودُفنت هي في جدة. توجد مقبرة في المدينة تعرف باسم مقبرة أُمنا حواء (http://ar.wikipedia....ia.org/wiki/جدة موسوعة ويكيبيديا الحرة).

المبحث الثالث: الميقات المكاني للحج والعمرة.

المطلب الأول: تعريف الميقات لغةً وشرعًا.

في اللغة:

الميقات: هو الوقت المضروب للفعل، قال تعالى: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} [المرسلات:11] يعني: جعل لها وقت واحد للفعل في القضاء بين الأمة. وقيل: جمعت لوقتها يوم القيامة.

وقال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء من الآية:103] أي موقتًا مقدَّرًا.

وقد يكون "وَقّت بمعنى أوجب عليهم الإحرام في الحج والصلاة عند دخول وقتها" (انظر لسان العرب: [7/ 107-108]).

أما في الشرع:

المواقيت: جمع ميقات والميقات ما وقَّت به أي حُدِّد من زمان، كمواقيت الصلاة، أو مكان كمواقيت الإحرام، ويقال: المواقيت جمع وقت على غير القياس، يقال: وقت الشيء بوقته ووقته: إذا بين حده والتوقيت (البناية شرح الهداية: [2/8]).

وعرّف في حاشية الجمل بأنه: "زمن العبادة ومكانها" (حاشية الجمل على شرح المنهج: [2/395]).

وعرّفه البهوتي الحنبلي بأنه: "مَوَاضِعُ وَأَزْمِنَةٌ مُعَيَّنَةٌ لِعِبَادَةٍ مَخْصُوصَةٍ" (كشاف القناع: [2/399]).

المطلب الثاني: المواقيت المكانية[7].

المواقيت خمسة:

(الأول): ذو الحليفة[8] وهو ميقات أهل المدينة وهو المُسمَّى عند الناس اليوم أبيار علي.

يقول الشيخ البسام عن ميقات ذو الحليفة: "ويُسمَّى الآن -آبار علي- ويكاد عمران المدينة المنورة -الآن- يصل إليها وتبلغ المسافة من ضفة وادي الحليفة إلى المسجد النبوي ثلاثة عشر كيلًا. ومن تلك الضفة إلى مكة المكرمة عن طريق -وادي الجموم- أربعمائة وثمانية وعشرين كيلًا" (تيسير العلام شرح عمدة الأحكام: [2/9]).

(الثاني): الجحفة[9] وهي ميقات أهل الشام.

يقول الشيخ البسام: "وهي الآن خراب ويُحرِم الناس من رابغ: مدينة كبيرة فيها الدوائر والمرافق والمدارس الحكومية وتبعد عن مكة المكرمة عن طريق وادي الجموم - مائة وستة ثمانين كيلًا. ويُحرِم من رابغ أهل لبنان وسوريا والأردن وفلسطين ومصر والسودان وحكومات المغرب الأربع وبلدان أفريقيا وبعض المنطقة الشمالية في المملكة العربية السعودية" (تيسير العلام شرح عمدة :[2/9]).

(الثالث): قرن المنازل[10] وهو ميقات أهل نجد وهو المُسمى اليوم السيل.

يقول الشيخ البسام: "وهذا الميقات اشتهر اسمه الآن بالسيل الكبير ومسافته من بطن الوادي إلى مكة المكرمة ثمانية وسبعون كيلو ومن المقاهي والأمكنة التي اعتاد الناس أن يُحرِموا منها خمسة وسبعون كيلو- والسيل الكبير الآن قرية كبيرة فيها محكمة وإمارة وجميع الدوائر والمرافق والخدمات والمدارس المنوعة.

ويُحرِم من قرن المنازل: أهل نجد وحاج الشرق كله من أهل الخليج والعراق وإيران وغيرهم.

ووادي محرم: هذا هو أعلى (قرن المنازل) وهو قرية عامرة فيها مدرسة وكان لا يُحرِم منه إلا قلة حتى فتحت حكومتنا طريق الطائف - مكة المار بالهدا وجبل الكرى فصار محرمًا هامًا مزدحمًا فبنت فيه الحكومة مسجدًا كبيرًا جدًا له طرقه المسفلتة الداخلة والخارجة ومواقف السيارات ومكان الراحة وأمكنة الاغتسال ودورات المياه بأحدث تصميم وبناء لهذا المحرم الهام.

وهو لا يُعتبر ميقاتًا مستقلًا من حيث الاسم لأنه فرع قرن المنازل ويبعُد عن مكة بخمسةٍ وسبعين كيلًا.

ولولا كثرة تعرجات جبل كرا لكان عن مكة نحو ستين كيلًا فقط. ويُحرِم منه من يُحرِم من الميقات الذي في أسفله ويزيد بحجاج الطائف وحجاج جنوب المملكة الحجازي وحجاج اليمن الحجازي" (تيسير العلام شرح عمدة الأحكام: [2/11]).

(الرابع): يلملم[11] وهو ميقات أهل اليمن.

يقول الشيخ البسام: "وسكان تلك المنطقة الآن (يُسمونَه) لملم ولما سفلتت حكومتنا الطريق الآتي من ساحل المملكة العربية الجنوبي إلى مكة المكرمة والمار بوادي يلملم من غير مكان الإحرام القديم المُسمى -السعدية- كنت أحد أعضاء لجنة شكَّلت لمعرفة مكان الإحرام مع الطريق الجديد؛ فذهبنا إليه ومعنا أهل الخبرة والعارفون بالمسيات واجتمعنا بأعيان وكبار السن من سكان تلك المنطقة وسألناهم عن مُسمى يلملم هل هو جبل أم واد، فقالوا إن يلملم هو هذا الوادي الذي أمامكم وإننا لا نعرف جبلًا يُسمَّى بهذا الاسم وإنما الاسم خاص بهذا الوادي، وسيوله تنزل من جبال السداة ثم تمده الأودية في جانبيه وهو يعظم حتى صار هذا الوادي الفحل الذي تشاهدونه، وإن مجراه ممتد من الشرق إلى الغرب حتى يصب في البحر الأحمر عند مكان في الساحل يُسمَّى: (المجيرمة).

وأنه من سفوح جبال السداة حتى مصبه في البحر الأحمر يُقدِّر بنحو مائة وخمسين كيلو ونحن الاَن في السعدية في نحو نصف مجراه، وبعد التجوّل في المنطقة والمشاهدة وتطبيق كلام العلماء وسؤال أهل الخبرة والسكان تقرَّر لدينا أن مُسمى يلملم -الوارد في الحديث الشريف- ميقاتًا لأهل اليمن ومن أتى عن طريقهم هو كل هذا الوادي المعترض لجميع طرق اليمن الساحلي وساحل المملكة العربية السعودية، وأن الاسم عليه من فروعه في سفوح جبال السداة إلى مصبه في البحر الأحمر وأنه لا يحل لمن أراد نسكًا ومرَّ به أن يتجاوزه بلا إحرام من أي جهة من جهاته وطريق من طرقه.

وقد كان الطريق يمرّ بالسعدية وهي قرية فيها بئر السعدية وفيها إمارة ومدرسة ومسجد قديم جُدِّد الآن يُنسَب إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه.

والسعدية تبعد عن مكة المكرمة اثنين وتسعين كيلو، أما الطريق الذي سفلتته حكومتنا فهو يقع عن السعدية غربًا بنحو عشرين كيلو يمرّ على وادي يلملم وعند ممره إلى يلملم يكون وادي يلملم عن مكة مائة وعشرين كيلو.

ونحن بينا للمسئولين جواز الإحرام من الطريق القديم والطريق الجديد وغيرهما مما يمرّ في هذا وذلك حج عام 1401هـ وأنا الآن اكتب هذه الأسطر في ربيع ثاني من عام 1402هـ؛ فلا أدري هل يُعاد الطريق من السعدية حيث الممر الأول أو يبقى هذا الطريق الجديد؟ ويُعد على ضفة الوادي أمكنة للإحرام، ودورات مياه للمحرمين.

ويُحرِم من يلملم اليمن الساحلي وسواحل المملكة السعودية وإندونيسيا وماليزيا والصين والهند... وغيرهم من حجاج جنوب آسيا والآَن أصبح الحج غالبه عن طريق الطائرات أو البواخر التي لا ترسو إلا على مواني جدة" (تيسير العلام شرح عمدة الأحكام: [2/9]).

(الخامس): ذات عِرق[12] وهي ميقات أهل العراق.

يقول الشيخ البسام: "ويُسمّى (الضريبة)[13] وقد قمت بشهر محرَّم في عام 1402 هـ من مكة المكرمة إلى هذا الميقات ومعي الشريف: محمد بن فوزان الحارثي وهو من العارفين بتلك المنطقة ومن المطلعين على التاريخ وقصدي بحث طريق الحج من الضريبة إلى مكة على الإبل؛ فوجدت الميقات المذكور شعبًا بين هضاب طوله من الشرق إلى الغرب ثلاثة أكيال وعرضه من الجنوب إلى الشمال نصف كيلو ويحده من جانبيه الشمالي والجنوبي هضابه ويحده من الشرق -ريع النخل- ويحده من الغرب وادي الضريبة - الذي يصب في وادي مرّ ويعتبر هذا الميقات من الحجاز، فلا هو من نجد ولا من تهامة ولكنه حجاز منخفض يكاد يكون حرة فليس فيه جبال عالية. ويقع عنه شرقًا بنحو عشرة أكيال وادي العقيق[14] ثم يلي العقيق شرقًا -صحراء ركبة- الواسعة حيث تبتدئ بلاد نجد. ويُحرِم من العقيق -الشيعة- مخالفة لعمر رضي الله عنه الذي جعل ذات عِرق ميقاتًا..

والمسافة من ميقات ذات عِرق حتى مكة مائة كيلو، وأشهر الأمكنة التي يمرُّ بها الطريق -مكة الرقة- وفيها آثار وبِرْكَة عظيمة قديمة من آثار بني العباس ثمَّ وادي نخلة الشامية -ثم المضيق- ثم البرود ثم شرائع المجاهدين ثم العدل وهذا الميقات مهجور الآن فلا يُحرِم منه أحد لأن الطرق المسفلتة في نجد وفي الشرق لا تمرّ عليه وإنما تمرّ على الطائف والسيل الكبير ـ قرن المنازل (تيسير العلام شرح عمدة الأحكام: [2/11]).

وهذه المواقيت قد وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لمن ذكرنا ومن مر عليها من غيرهم ممن أراد الحج أو العمرة. والواجب على من مر عليها أن يُحرِم منها. ويُحرِم عليه أن يتجاوزها بدون إحرام إذا كان قاصدًا مكة يريد حجًا أو عمرة سواءً كان مروره عليها من طريق الأرض أو من طريق الجو (التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب: [1/20]).

المبحث الرابع: هل تُعتبر جدة ميقاتًا مكانيًا؟

المطلب الأول: التكييف الفقهي للمسألة.

القائلون بأن جدة ليست ميقاتًا مكانيًا، احتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على المواقيت؛ ولا اجتهاد مع النص، وأنه لا يوجد مشقة مُعتبَرة في الإحرام بالطائرة، وأن راكب الطائرة يُعتبَر محاذٍ للميقات.

أما القائلون بأن جدة ميقاتًا مكانيًا، فقد احتجوا بأن المواقيت المحددة من الشارع مجرد علامات لتنبيه القاصدين للنسك وليس مُتعبدًا الإحرام منها، وأن الإحرام في الطائرة فيه مشقة والمشقة تجلب التيسير، وأن المحاذاة غير معتبرة في الطائرة.

وقد وجدت في المسألة خمسة أقوال:

المطلب الثاني: القول الأول وأدلته.

القول الأول: لا تُعتبَر جدّة ميقاتًا مكانيًا ولا يجوز الإحرام منها إلاّ لأهلها، ومن أنشأ النية فيها، وهو قول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وقرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وبه قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

وهو قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في سنة 1402 هـ، ونص القرار (رقم القرار: [2]، رقم الدورة: [5])، حكم الإحرام من جدة للواردين إليها من غيرها:

"الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وسيد المرسلين، نبينا محمد.

أما بعد:

فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد ناقش في جلسته الثالثة صباح يوم الخميس الموافق 10/4/1402هـ. والمصادف 4/2/1982م موضوع (حكم الإحرام من جدة، وما يتعرَّض له الكثير من الوافدين إلى مكة المكرمة للحج والعمرة عن طريق الجو والبحر)، لجهلهم عن محاذاة المواقيت التي وقَّتها النبي صلى الله عليه وسلم وأوجب الإحرام منها على أهلها، ومن مرّ عليها من غيرهم، ممن يريد الحج أو العمرة. وبعد التدارس واستعراض النصوص الشرعية الواردة في ذلك قرَّر المجلس ما يلي:

أولًا: أن المواقيت التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم وأوجب الإحرام منها على أهلها، وعلى من مرَّ عليها من غيرهم، ممن يريد الحج والعمرة هي:

ذو الحليفة: لأهل المدينة ومن مرّ عليها من غيرهم، وتُسمَّى حاليًّا (أبيار علي).

والجحفة: وهي لأهل الشام ومصر والمغرب، ومن مر عليها من غيرهم، وتُسمَّى حاليًّا (رابغ).

وقرن المنازل: وهي لأهل نجد ومن مرّ عليها من غيرهم، وتُسمّى حاليًّا (وادي محرم) وتُسمَّى أيضًا (السيل).

وذات عِرق: لأهل العراق، وخراسان، ومن مرّ عليها من غيرهم، وتُسمَّى (الضريبة).

ويلملم: لأهل اليمن ومن مر عليها من غيرهم.

وقرّر: أن الواجب عليهم أن يُحرِموا إذا حاذوا أقرب ميقات إليهم من هذه المواقيت الخمسة جوًّا أو بحرًا، فإن اشتبه عليهم ذلك ولم يجدوا معهم من يرشدهم إلى المحاذاة، وجب عليهم أن يحتاطوا وأن يُحرِموا قبل ذلك بوقت يعتقدون أو يغلب على ظنهم أنهم أحرموا قبل المحاذاة؛ لأن الإحرام قبل الميقات جائز مع الكراهة ومنعقد، ومع التحرّي والاحتياط، خوفًا من تجاوز الميقات بغير إحرام تزول الكراهة؛ لأنه لا كراهة في أداء الواجب، وقد نص أهل العلم في جميع المذاهب الأربعة على ما ذكرنا، واحتجوا على ذلك بالأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في توقيت المواقيت للحجاج والعمار.

واحتجوا أيضًا بما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لَمَّا قال له أهل العراق: إن قرنًا جَورٌ عن طريقنا؟ قال لهم رضي الله عنه: انظروا حذوَها من طريقكم.

قالوا: ولأن الله سبحانه أوجب على عباده أن يتقوه ما استطاعوا، وهذا هو المستطاع في حق من لم يمرّ على نفس الميقات، إذا عُلم هذا فليس للحجاج والعُمَّار الوافدين من طريق الجو والبحر ولا غيرهم أن يؤخروا الإحرام إلى وصولهم إلى جدة، لأن جدة ليست من المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا من لم يحمل معه ملابس الإحرام، فإنه ليس له أن يؤخر إحرامه إلى جدة، بل الواجب عليه أن يُحرِم في السراويل إذا كان ليس معه إزار، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «مَن لم يَجِدْ نَعْلَيْن فَلْيَلْبَسِ الخُفَّين، ومَن لم يجد إزارًا فليلبس السَّرَاوِيلَ».

وعليه كشف رأسه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا سئل عما يلبس المُحرِم قال: «لا يلبَسُ القميصَ ولا العمائمَ ولا السَّرَاويلاتِ ولا البرانسَ ولا الخفافَ إلا لمن لم يَجِدِ النَّعلين» (مُتفقٌ عليه).

فلا يجوز أن يكون على رأس المُحرِم عمامة ولا قلنسوة ولا غيرهما مما يلبس على الرأس.

وإذا كان لديه عمامة ساترة يُمكنه أن يجعلها إزارًا اتَّزَر بها، ولم يجزِ له لبس السراويل، فإذا وصل إلى جدة وجب عليه أن يخلع السراويل ويستبدلها بإزار إذا قدر على ذلك، فإن لم يكن عليه سراويل، وليس لديه عمامة تصلح أن تكون إزارًا حين محاذاته للميقات في الطائرة أو الباخرة أو السفينة، جاز له أن يُحرِم في قميصه الذي عليه مع كشف رأسه، فإذا وصل إلى جدة اشترى إزارًا وخلع القميص، وعليه عن لبسه القميص كفّارة، وهي إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من تمرٍ أو أرزٍ أو غيرهما من قوت البلد، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة، هو مُخيَّر بين هذه الثلاثة، كما خيَّر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن عجرة لمَّا أذِن له في حلق رأسه وهو مُحرِم للمرض الذي أصابه.

ثانيًا: يُكلِّف المجلس الأمانة العامة للرابطة بالكتابة إلى شركات الطيران والبواخر لتنبيه الركاب قبل القرب من الميقات، بأنهم سيمرُّون على الميقات قبل مسافة ممكنة.

ثالثًا: خالف عضو مجلس المجمع الفقهي الإسلامي معالي الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء في ذلك، كما خالف فضيلة الشيخ أبو بكر محمود جومي عضو المجلس بالنسبة للقادمين من سواكن إلى جدة فقط. وعلى هذا جرى التوقيع.

والله ولي التوفيق.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.

واستدل القائلون بذلك بأدلة منها:

الدليل الأول: ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: "وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الشام الجحفة... فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلين لمن كان يريد الحج والعمرة فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذال حتى أهل مكة يهلون منها" (أخرجه البخاري: [2/555]، [1454] كتاب الحج، باب مهل أهل الشام، ومسلم: [2/839]، [1182] كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة).

وجه الدلالة:

وقّت معناه أنه لا يجوز تجاوز هذه المواضع لمن أراد الحج والعمرة إلا مُحرِمًا، وهو أمر مُتفقٌ عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد عيَّن ميقات كل طائفة فمن لم يهل من ميقاته لم يمتثل الأمر الشرعي، فلهذا لا يصح حجه (النوازل في الحج للشلعان: [118]).

ونوقش هذا الاستدلال:

بأن مرور الطائرة فوق سماء الميقات لا يصدق على أهلها أنهم أتوا الميقات المُحدَّد لهم، لا لغةً ولا عُرفًا (رسالة جواز الإحرام من جدة لركاب الطائرات؛ لابن محمود: [9]).

وأُجيب عن هذه المناقشة:

أن اللغة والعُرف يُقِرّان أن من مرّ بطائرة أو سفينة فهو قد مرّ بالميقات، لأنه يخلو، إمَّا أن يسامته ويحاذيه من الأعلى، أو يمرّ فوقه؛ فيقال مرّت الطائرة على كذا، أو مرّت السفينة على كذا، أو مرّت بجوار كذا لأن كل إتيان بحسبه، وليس كله على نسق واحد (انظر فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز: [17/24]).

الدليل الثاني:

قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»[16].

وجه الدلالة:

أن من أحرم من جدة قد خالف الحديث فهو وقع فيما نهى عنه من مجاوزة المواقيت، ولم يأتِ بما استطاع ممّا أمر به فهو قادر على الإحرام من الطائرة لأنها حاذت الميقات ولا مشقة في ذلك (النوازل في الحج للشلعان: [120]).

المطلب الثالث: القول الثاني وأدلته.

القول الثاني: تُعتبر جدة ميقاتًا مكانيًا لمن وصل إليها بطريق الجو أو البحر؛ أيًا كانت جهة قدومه فيؤخر الإحرام حتى يصل إليها وهو قول الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله، والشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله، والشيخ عبد الله الأنصاري رحمه الله من قطر، والشيخ عدنان العرعور، والشيخ محمد الحسن ولد الددو، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله من تونس، والشيخ عبد الله بن كنون من المغرب[17].

واستدل القائلون بذلك بما يلي:

الدليل الأول:

ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: "وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة..." الحديث.

وجه الاستدلال:

أن النبي صلى الله عليه وسلم عيَّن المواقيت المذكورة؛ لأنها كانت على طريق الحجاج القادمين من جهاتٍ شتى، وحاجة تعيين ميقات في جدة للقادمين بالطائرات والسفن قائمة، ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم حيًا ورأى كثرة النازلين في جدة لبادر إلى تعيين جدة ميقاتًا؛ لأنها طريق للحاج كالمواقيت الأُخر (رسالة جواز الإحرام من جدة لابن محمود: [5]).

وقد نوقش:

بأن المواقيت المذكورة في الحديث محيطة بالحرم من جميع جهاته، فلا يحتاج إلى تعيين مواقيت جديدة.

الدليل الثاني:

ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لمَّا فتح هذان المصران[18] أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّ لأهل نجد قرنًا، وهو جو عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنًا شق علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحد لهم ذات عِرق"[19].

وجه الاستدلال من وجهين:

الأول:

"أن عمر رضي الله عنه لما رأى حاجة أهل العراق، ومشقة ذهابهم إلى قرن عين لهم ذات عِرق، وكذلك الآن جدة صارت طريقًا لركاب الجو والبحر، وما سواها فيه جور ومشقة عليهم، فيحتاجون إلى تعيين ميقات أرضي لإحرامهم، كما احتاج الناس في زمن عمر" (رسالة جواز الإحرام من جدة لابن محمود: [10]).

وقد نوقش:

"بأن تحديد ذات عِرق لم يكن باجتهاد عمر؛ بل هو قد ورد بالنص، ووافقه عمر رضي الله عنه باجتهاده" (انظر فتح الباري: [37/390]).

وجه الاستدلال الثاني من الحديث:

"أن عمر حدَّد ذات عِرق لأنها تبعُد عن مكة مرحلتين كما تبعُد قرن المنازل، وهذا هو بعد جدة عن مكة، فهي تبعُد عن مكة مرحلتين، فيُحرِم الحاج منها؛ لأنها تبعُد مرحلتين عن مكة نظرًا لاجتهاد عمر" (النوازل في الحج للشلعان: [126]).

ونوقش من وجهين:

الأول:

"أن عمر رضي الله عنه لم يحدّ ذات عِرق؛ لأنها تبعُد مرحلتين عن مكة، وإنما حدّها لأنها تقع محاذاة قرن المنازل، ولذا قال: فانظروا حذوها من طريقكم" (النوازل في الحج للشلعان: [126]).

الثاني:

"أن كلام أهل العلم في اعتبار المرحلتين على من لم يحاذ ميقاتًا، أما من جاء إلى جدة فقد حاذى ميقاتًا، فكيف يأخذ بالمرحلتين دون اعتبار لشرط أهل العلم، وهو إذا لم يحاذ وقد حاذى" (فتح الباري: [3/391]).

الدليل الثالث:

"أن أصل الحج موقوف على الاستطاعة، ومن الاستطاعة أمن الطريق، فيسقط الحج عمن خاف على نفسه خوفًا محققًا، فإذا كان الحج كذلك فواجباته كذلك فواجباته كذلك تسقط في حال الخوف وعدم الاستطاعة، ومنها الإحرام عند المحاذاة بالطائرة؛ لأن الناس مشغولون بالاضطراب والخوف من خطر الطائرة خشية وقوع حادث، وذلك مستمر حتى يصلوا إلى برِّ السلامة، وهو جدة إذ هي بداية الوصول؛ فيُحرِمون منها أرفق بهم" (رسالة جواز الإحرام من جدة لابن محمود: [10]).

ونوقش من وجهين:

الأول:

"عدم التسليم، فإن إنشغال الناس بالاضطراب والخوف من خطر الطائرة خشية وقوع الحادث أمرٌ مختص بالقلة من الركاب، أما عامة الركاب فلا يشعرون بذلك" (النوازل في الحج للشلعان: [126]).

الثاني:

"أن الاستعداد للإحرام بالتجرُّد من المخيط و الاغتسال؛ ونحوه ذلك أمر ممكن حصوله قبل ركوب الطائرة، مع العلم أن هذه الأمور أمور مستحبة، لا واجبة، فلا يترك الواجب وهو الإحرام من الميقات من أجل أمور مستحبة؛ بل يجب البدار بالواجب، وإن فات المستحب، وأما عقد نية الإحرام في الطائرة عند محاذاة الميقات فهو أمرٌ ميسر؛ ولو كان الإنسان مضطربًا خائفًا" (فتاوى الشيخ ابن باز: [17/38]).

الدليل الرابع:

"أن جدة تبعد مرحلتين عن مكة، والمرحلتان هي أوسط المسافات، وهي بُعد أقرب المواقيت إلى مكة، فجاز الإحرام من جدة نظرًا لذلك" (رسالة إثبات أن جدة ميقات للعرعور: [29]).

ويناقش من وجهين:

الأول: "بأن كل من ذكر بأن الحاج يُحرِم من بعد مرحلتين قيد ذلك بعدم مروره أو محاذاته لميقات، فعند ذلك يُحرِم من بعد مرحلتين" (انظر الوسيط للغزالي: [2/609]، والفروع لابن مفلح: [5/302]).

الوجه الثاني:

"أن القائل بالمرحلتين أخذ بالأقل؛ لأن ما زاد عليه مشكوك فيه، ولكن مقتضى الاحتياط أن يعتبر الأكثر والأبعد، فإن لم يكن كذلك فلا أقل من أن يفرق بين من جاء عن يمين الكعبة ومن جاء عن شمالها؛ لأن المواقيت التي تقع يمين الكعبة قريبة، فيقدر للقادم من اليمين الأقرب، وهو مرحتان، وعن شمالها المواقيت بعيدة، فيقدر للقادم من الشمال الأبعد" (فتح الباري: [3/191]).

الدليل الخامس:

أن الإحرام من جدة فيه دفع للمشقة الحاصلة للمكلّفين من الإحرام في الطائرة، ولا شك أن المشقة مدفوعة بالشرع، وذلك بناء على عدة أمور منها:

أولًا: أن التيسير أصل من أصول الشريعة.

ثانيًا: من القواعد الأساسية في الدين (أن المشقة تجلب التيسير) ومن هذه القاعدة خرجت جميع رخص الشرع وتخفيفاته، والحاج يعاني مشقة من إحرامه في الطائرة أو في بلده، فكان من يُسر الشريعة ورفع المشقة عن المكلّفين أن يُحرِم القادمون بالطائرة أو السفن من جدة.

ثالثًا: تتبع الرخص.

رابعًا: "أن منافع الناس مقدمة على العبادات" (النوازل في الحج للشلعان: [128]).

وقد نوقش:

بأنَّا لو سلَّمنا بوجود هذه المشقة؛ فإن أبواب التيسير الشرعي مفتوحة من دون إسقاط واجب الإحرام، من محاذاة الميقات، وذلك بأحد طريقتين:

الطريق الأول: أن من أراد الإحرام تهيأ له قبل صعود الطائرة بالغسل ولبس لباس الإحرام ونحوه ذلك مما يسن عند الإحرام، فإذا حاذى الميقات عقد نية الإحرام، وهذا من أيسر وأسهل ما يمكن (فتاوى ابن باز: [17/38]).

الطريق الثاني: أن الغسل والتطيب والصلاة قبل الإحرام كلها أمور مستحبة، ولا يجوز تأخير الواجب عن وقته أو مكانه من أجل تحصيل المستحب، فلو ترك كل هذه الأمور من أجل تحصيل الواجب لكان ذلك سائغا[20]، أما الإحرام؛ أي: عقد النية في الطائرة فهو سهل متيسر، ولو عقد النية قبل صعود الطائرة فهو بلا شك قد أدَّى الواجب بلا خلاف؛ بخلاف من أخره إلى جدة، فهو قد أخره عن مكانه في قول أكثر أهل العلم (النوازل في الحج للشلعان: [131]).

الدليل السادس: أن الطائرة عندما تكون محلقة في السماء لا يصدق على من فيها أنهم أتوا على الميقات المحدَّد لهم لا لغةً ولا عُرفًا؛ لأن الإتيان هو الوصول للشيء في محله (رسالة جواز الإحرام من جدة لابن محمود: [51]).

ونوقش من وجهين:

الأول: أنه من المتقرَّر شرعًا وعُرفًا أن الهواء تابع للقرار (المهذب: [1/334]، كشاف القناع: [1/295]).

الثاني: سلَّمنا ما ذكرتم أن مرور الطائرة ليس إتيانًا؛ ولكن لا نُسلِّم بأنه ليس بمحاذاته، إذ محاذاة علوية للميقات، والمحاذاة لا يُعتبر فيها الوصول إلى الشيء (النوازل في الحج للشلعان: [132]).

الدليل السابع:

أن المحاذاة في البحر غير ممكنة، وذلك لتعذُّر تعيين المواقيت فيه، ولو عين في البحر لكان زائدًا على المحاذاة الشرعية؛ إذ لو وصلنا المواقيت بخط لوجدنا أن الخط يمر بالساحل، ولا يمرّ بالساحل، ولا يمرّ بالبحر (أدلة إثبات أن جدة ميقات للعرعور: [32]).

ونوقش:

بأن في هذا مخالفة لأقوال كثير من أهل العلم الذين نصُّوا على الإحرام من البحر (انظر مواهب الجليل: [4/47]، وتحفة المحتاج مع حواشي الشرواني: [4/45]).

الدليل الثامن:

أن جدة إما أن تكون داخل المواقيت أو خارجها أو على محيط المواقيت، أما كونها خارجها فلم يقل به أحد، وأما كونها داخلها فهذا يعني أن الميقات في البحر، وهذا مردود، فلم يبق إلا كونها على محيط المواقيت، وهذا هو الصحيح، فإذا كان كذلك جاز له الإحرام منها لمن قدم إليها (أدلة إثبات أن جدة ميقات للعرعور: [34]).

ونوقش:

بأن جدة داخل المواقيت، والقادم إليها لا بُد أن يمر بميقات من المواقيت التي حدَّدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يحاذيه برًا أو بحرًا (فتاوى الشيخ ابن باز: [17/32]، وفتاوى اللجنة الدائمة: [11/127]).

الدليل التاسع:

أن بعض من منع الإحرام من جدة أجاز الإحرام للقادم من الغرب دون مرور على محاذاة ميقات، فإذا كان كذلك فهذا إقرار أن جدة واقعة على محيط المواقيت، فيجوز إذا أن يُحرِم منها كل من يقصدها بلا استثناء (رسالة أدلة إثبات أن جدة ميقات: [38]).

ونوقش:

لا نُسلَّم بأن من قدِم من الغرب يُحرِم من جدة؛ بل يُحرِم من محاذاة ميقاته لأن حذو المكان بمنزلته، والقادم من الغرب لا يمرّ بميقات ولا يحاذه (فتاوى اللجنة الدائمة: [11/139]، فتاوى الشيخ ابن باز: [17/ 32-35]).

المطلب الرابع: القول الثالث وأدلته.

القول الثالث: التفصيل فإذا كان القادم إلى جدة جوًا أو بحرًا لا يمر ولا يحاذي ميقاتًا قبلها، جاز له الإحرام منها كالقادم من سواكن من بلاد السودان[21] ونحوها، ومن عداهم فلا يجوز لهم الإحرام منها، وهو قول للحنابلة[22]، وبه قال الشيخ ابن باز وابن عثيمين وتلميذه الشيخ خالد المصلح (انظر فتاوى الشيخ ابن باز: [17/35]، فتاوى الشيخ ابن عثيمين: [12/282]).

واستدل القائلون بذلك بنفس أدلة أصحاب القول الأول المانعين من الإحرام من جدة، وأما استثناء من قدِم من الغرب كسواكن، فدليلهم فيه: أن القادمين من سواكن لا يمرون بميقات ولا يحاذونه؛ لأن المواقيت أمامه، فيصل إلى جدة قبل محاذاتها، فلذا يُحرِمون من جدة لأنها تبعُد مرحلتين عن مكة، ولأن المحاذاة لا تحصل لهم قبل دخولها[23].

وقد نوقش:

بأنكم قلتم يُمنَع إحرام القادم من جهة يلملم من جدة، وذلك لتفاوت المسافة بين يلملم وجدة في بعدهما عن مكة، فكيف تقولون بأن من لم يمرّ على المواقيت يُحرِم من جدة لأنها تبعُد مرحلتين[24]؟

وأجيبَ من وجهين:

الأول:

أن جدة أقل مسافة إلى مكة من يلملم بنحو الربع -كما هو مشاهد- وإن وجد تصريح بأن مسافة كل منهما مرحلتان فإن مرادهم أن كلاهما لا ينقص عن مرحلتين، ولا يلزم منه استواء مسافتهما؛ لا سيما وقد عرف التفاوت الكبير ممن سلك الطريقين (انظر إعانة الطالبين: [2/505]، والحواشي المدنية: [2/227]).

الثاني:

أن من مرَّ بيلملم قد حاذى الميقات، فوجب عليه الإحرام من المحاذاة، ولا يترك المحاذاة ليُحرِم على بُعد مرحلتين من مكة، وأما القادم من جهة سواكن ونحوها فهو لم يمرّ ولم يحاذ ميقاتًا؛ فوجب أن يُحرِم من بعد مرحلتين وهي المسافة بين جدة ومكة، ولا يلزم بمسافة مثل مسافة يلملم ولا الجحفة؛ بل بمسافة مرحلتين فقط، والله أعلم (النوازل في الحج للشلعان: [137]).

المطلب الخامس: القول الرابع وأدلته.

القول الرابع: أن من أبحر في لجة البحر من أي جهة أتى؛ فلا يُحرِم حتى يصل إلى جدة، أما من ساحل -أي: أبحر قريبًا من الساحل- من أي جهة أتى فيُحرِم إذا حاذى الميقات، وهو قول سند بن عنان المالكي[25].

استدل القائلون بذلك بقولهم:

إن الإحرام في اللجة فيه تغرير بالمُحرِم، وذلك لأن الريح قد ترده فيبقى مُحرِمًا حتى تتسّر له السلامة، وهذا حرج عظيم منفي بالشرع، ولذلك ينزل للإحرام إلى البر، وإذا ثبت الجواز فلا فدية لأنه لا دليل على ذلك، أما من ساحل فالإحرام عليه في البحر واجب؛ لأنه لا حرج عليه في الإحرام عند ذلك، وإن تركه صار عليه هدْي لأنه قادر على الإحرام من الميقات (انظر الذخيرة للقرافي: [3/207]، ومواهب الجليل: [4/47]).

وقد نوقش:

بأنا لن نُسلِّم بأن ذلك متصور في العصر الحاضر وذلك لاختلاف الحال بين العصر الحاضر وما قبله، فالسفن سابقًا كانت سفنًا شراعية تسير على دفع الريح، وهذا متصور فيه ما ذكر، وأما السفن الآن فهي تتحرَّك بمُحرِّكات قوية، ولا تخضع لحركة الريح البتة (النوازل في الحج للشلعان: [135]).

المطلب السادس: القول الخامس وأدلته.

القول الخامس:

تُعتبَر جدة ميقاتًا مكانيًا لمن وصل إليها بطريق الجوّ أو البحر من طريق اليمن خاصة، فيجوز لهم تأخير الإحرام حتى يصلوا إليها وهو قول ابن حجر الهيتمي[26] (انظر تحفة المحتاج مع حواشي الشرواني: [4/45]).

واستدل القائلون بذلك بقولهم:

إن المسافة بين يلملم ومكة مرحلتان، والمسافة بين جدة ومكة مرحلتان، فما دام أن المسافة متحدة بينهما، فيجوز الإحرام من جدة كما يجوز الإحرام من يلملم؛ بخلاف جحفة فلا يؤخر الإحرام عن محاذاتها؛ لأن كل محل من البحر بعد الجحفة أقرب إلى مكة منها (انظر تحفة المحتاج مع حاشية الشرواني: [4/45]).

ونوقش:

بأن جدة أقل مسافة بنحو ربع المسافة كما هو مشاهد، وقولهم أن كلا منهما مرحلتان: مرادهم أن كلًا منهما لا ينقص عن مرحلتين، ولا يلزم استواء المسافة (انظر إعانة الطالبين: [2/505]).

الترجيح:

بعد النظر في الأدلة والمناقشات يظهر لي رجحان القول الأول بمنع الإحرام من جدة إلا لأهلها ومن أنشأ النية فيها، وذلك لعدة أسباب:

قوة أدلة هذا القول، وأن في هذا القول احتياطًا للعبادة، وأن أماكن المواقيت ومواضع محاذاتها قد ضبطت في هذا الزمن، وأن الإعلان عن محاذاة الميقات في وسائل النقل متمكن، وأن المشقة المتصورة في الإحرام في الطائرة ونحوها مشقة موهومة.

الخاتمة:

بعد رحلة ماتعة تنقلة فيها بين أحكام الحج من إحرام إلى مواقيتٍ، يسّر الله لي إتمام البحث والتوصل إلى النتيجة التالية وهي:

أن جدة ليست ميقاتًا مكانيًا، وأن من أحرم من جدة فقد ترك واجبًا من واجبات الحج وعليه فدية، وهذا قول أكثر أهل العلم.

وهناك بعض النتائج منها:

- أن الإحرام هو نية الدخول في النُسُك.

- أن الميقات هو مكان العبادة.

- أن المواقيت المكانية هي ذو الحليفة، والجحفة، ويلملم، وقرن المنازل، وذات عِرق بالإجماع.

- أن مدينة جدة ليست ميقاتًا إلا لأهلها، ولمن أنشأ النية فيها.

وأخيرًا..

أوصي العاملين على نقل الحجيج جوًا أو بحرًا أو برًا بتقوى الله وتوعية الحجيج وتثقيفهم بأحكام الحج وصفته، واستغلال وسائل التقنية الحديثة في ذلك، والتعاون مع مكتب الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بمكة في توزيع الكتب والأشرطة ذات اللغات المختلفة على الناطقين بغير العربية، حيث هناك من الناس من يتحجج بجهله للغة الحجيج، فالواجب توفير الكتب والأشرطة وغيرها من وسائل الدعوة في وسائل النقل من طائرات، وسفن، وحافلات.

هذا ما رأيته فما كان فيه من صواب فمن الله، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان..

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

[1]- (الرملي [919-1004]هـ؛ هو محمد بن أحمد بن حمزة، شمس الدين، فقيه الديار المصرية مرجعها في الفتوى. يقال له: الشافعي الصغير. وقيل: هو مُجدِّد القرن العاشر. جمع فتاوى أبيه، وصنَّف شروحًا، وحواشي كثيرة. من مصنفاته: نهاية المحتاج إلى شرح المِنهاج؛ وغاية البيان شرح زبد بن رسلان؛ وشرح البهجة الوردية، انظر: الأعلام: [6/235]).

[2]- (البهوتي [1000-1051]هـ؛ هو منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي. فقيه حنبلي، وشيخ الحنابلة بمصر في عهده. نسبته إلى "بهوت" في الغربية بمصر، له: الروض المربع بشرح زاد المستنقع المختصر من المقنع؛ وكشاف القناع عن متن الإقناع للحجاوي؛ ودقائق أولي النهى لشرح المنتهى - وكلها في الفقه. انظر: الأعلام: [8/249]).

[3]- (خليل [ت 776هـ/ 1374م]؛ هو خليل بن إسحاق بن موسى، ضياء الدين، الجندي. فقيه مالكي محقق. كان يلبس زي الجند. تعلَّم في القاهرة، وولي الإفتاء على مذهب مالك. جاور بمكة. وتوفي بالطاعون. من تصانيفه: المختصر؛ وهو عمدة المالكية في الفقه وعليه تدور غالب شروحهم؛ وشرح جامع الأمهات؛ شرح به مختصر ابن الحاجب؛ وسمَّاه التوضيح؛ والمناسك، انظر: الديباج المذهب: [115]؛ والأعلام: [2/364]؛ والدرر الكامنة: [2/86]).

[4]- (القاضي عبد الوهاب: [362-422]هـ؛ هو عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد، أبو محمد، الثعلبي، البغدادي، المالكي، فقيه، أديب، من فقهاء المالكية. وُلِدَ ببغداد، وأقام بها. وولي القضاء، من تصانيفه: التلقين في فقه المالكية، وعيون المسائل، والنصرة لمذهب مالك، وشرح المدونة، والأشراف على مسائل الخلاف. انظر شجرة النور الذكية: [103]، الأعلام: [4/335]).

[5]- (الدسوقي [ت 1230هـ]؛ هو محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي. فقيه مالكي من علماء العربية والفقه، من أهل دسوق بمصر. تعلَّم وأقام وتوفي بالقاهرة، ودرس بالأزهر. قال صاحب شجرة النور: "هو مُحقِّق عصره وفريد دهره"، من تصانيفه: حاشيته على الشرح الكبير على مختصر خليل، في الفقه المالكي؛ وحاشية على شرح السنوسي لمقدمته أم البراهين في العقائد. انظر: شجرة النور الزكية: [361]، الأعلام: [6/242]).

[6]- (ابن عابدين [1198-1252]هـ؛ هو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين. دمشقي، كان فقيه الديار الشامية، وإمام الحنفية في عصره. صاحب: رد المحتار على الدر المختار -المشهور بحاشية ابن عابدين- انظر الأعلام: [6/267]).

[7]- (انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي: [2/6]، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: [3/30]، المجموع شرح المهذب: [7/193]، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي: [3/424]، التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب: [1/20]).

[8]- (الحُليفَة: بالتصغير. ذو الحليفة: قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة، منها ميقات أهل المدينة، وهي من مياه بني جشم. مراصد الاطِّلاع على أسماء الأمكنة والبقاع: [1/420]).

[9]- (الجُحْفَةُ: بالضم ثم السكون، والفاء: كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل، وهي ميقات أهل مصر والشام إن لم يمرّوا على المدينة، فإن مرّوا بالمدينة فميقاتهم ذو الحليفة، وكان اسمها مهيعة، وإنما سُميِّت الجحفة لأن السيل اجتحفها وحمل أهلها في بعض الأعوام، وهي الآن خراب، وبينها وبين ساحل الجار نحو ثلاث مراحل، وبينها وبين أقرن موضع من البحر ستة أميال، وبينها وبين المدينة ست مراحل، معجم البلدان: [2/111]، مراصد الاطِّلاع على أسماء الأمكنة والبقاع: [1/315]).

[10]- (قرن المنازل، جبيل قرب مكة يُحرِم منه حاجّ نجد. معجم البلدان: [5/202]).

[11]- (يلملم بفتح أوله وثانيه، جبل على ليلتين من مكة، من جبال تهامة، وأهله كنانة، تنحدر أوديته إلى البحر، وهو فى طريق اليمن إلى مكة، وهو ميقات من حجّ من هناك. ويقال: ألملم بالهمز، وهو الأصل، والياء بدل من الهمزة. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع: [4/1398]).

[12]- (ذات عِرق: مهلّ أهل العراق، وهو الحدّ بين تهامة ونجد، وقيل عِرق: جبل بطريق مكة، ومنه ذات عِرق، وقيل: ما ارتفع من بطن الرّمّة إلى ثنايا ذات عرق، وهو الجبل المشرف على ذات عِرق. مراصد الاطِّلاع على أسماء الأمكنة والبقاع: [2/932]).

[13]- (ضريبة: واد حجازيّ يدفع سيله في ذات عِرق. معجم البلدان: [3/456]).

[14]- (العقيق: بفتح أوله، وكسر ثانيه، وقافين، بينهما ياء مثناة من تحت، وهو كل مسيل ماء شقّه السيل في الأرض فأنهره ووسّعه، ومنها عقيق يدفع سيله فى غور تهامة، وهو الذي استحبّ قوم الإهلال منه قبل ذات عرق. مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع: [2/952]).

[15]- (انظر مجلة البحوث الإسلامية عدد: [6]، ص: [382]، وفتاوى اللجنة الدائمة جمع أحمد الدرويش: [11/127]، وفتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم: [5/214]).

[16]- (أخرجه البخاري: [6/2658] [6858] كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: الاقتداء بسنن رسول الله، ومسلم: [2/975] [337] كتاب الحج، باب: فرض الحج مرة في العمر).

[17]- (انظر النوازل في الحج للشلعان: [123]، مجموعة رسائل الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود: [183]، وأدلة إثبات أن جدة ميقاتًا للعرعور: [4]).

[18]- (المصران: تثنية مصر، والمراد بهما الكوفة والبصرة، وهما سرتا العراق -وسط العراق وحاضرته- والمراد بفتحهما غلبة المسلمين على مكان أرضهما وإلا فهما من تمصير المسلمين. انظر: فتح الباري: [3/389]).

[19]- (أخرجه البخاري: [2/556] [1458] كتاب الحج، باب ذات عِرق لأهل العراق).

[20]- (فتاوى الشيخ ابن باز: [17/38]).

[21]- (سواكن: بلد مشهور قديم على ساحل البحر الأحمر، مرفأ لسفن الذين يقدِمون من جدة وكانت في الأصل جزيرة سواكن ثم وُسِّعت إلى الساحل وكانت تابعةً لحاكم الحجاز ثم ضُمّت للسودان. انظر: مراصد الاطِّلاع على أسماء الأمكنة والبقاع: [2/751]، ومعجم البلدان [3/276]).

[22]- (انظر شرح منتهى الإرادات للبهوتي: [2/9]، مطالب أولي النهى: [2/298]).

[23]- (انظر تحفة المحتاج: [4/42]، حاشية البجيرمي على منهج الطلاب: [2/112]، وحاشية القليوني على المنهج: [2/94]، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي: [2/9]، ومطالب أولي النهى: [2/298]، وفتاوى الشيخ ابن باز: [17/35]، وفتاوى الشيخ ابن عثيمين: [21/282]).

[24]- (النوازل في الحج للشلعان: [136]).

[25]- (سند [ت 541هـ]؛ هو سند بن عنان بن إبراهيم الأزدي، كنيته أبو علي، من شيوخ الطرطوشي وأبو الطل السلفي وأبو الحسن بن المشرف. كان من زهاد العلماء فقيهًا مالكيًا فاضلًا. من كتبه: الطراز شرح المدونة، لم يكمل، وله تآليف في علم الجدول وغيره. توفي بالإسكندرية ودفن بجانبه باب الأخضر. انظر: الديباج: [126]).

[26]- (ابن حجر الهيتمي [909-973]هـ؛ هو أحمد بن حجر الهيتمي -وعند البعض الهيثمي بالثاء المثلثة- السعدي، الأنصاري، شهاب الدين أبو العباس. وُلِدَ في محلة أبي الهيثم بمصر، ونشأ وتعلَّم بها. فقيه شافعي، تلقى العلم بالأزهر، وانتقل إلى مكة وصنف بها كتبه وبها توفي. برع في العلوم خصوصًا فقه الشافعي. من تصانيفه: تحفة المحتاج شرح المنهاج، والإيعاب شرح العباب المحيط بمعظم نصوص الشافعية والأصحاب، والصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة، انظر: معجم المؤلفين: [2/152]؛ الأعلام: [1/223]).

 

إيمان بنت محمد عبد الله القثامي