الغيرة على أعراض المسلمات

أبو مالك محمد عيسى

نتحدَّث اليوم عن آفةٍ من آفات هذا الزمان المؤلم؛ زمن البُعد عن الله تعالى.. زمن يعيش فيه الكثير من الرجال وتسير في عروقهم المياه وليس الدماء، تلاشت الغَيرة من القلوب وأصبح بدلًا منها الديوثية، فبدلًا من الغَيرة على الزوجات والأمهات أصبح البحث على المال والمتعة الحرام...!

  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة - قضايا المرأة المسلمة - النهي عن البدع والمنكرات -

نتحدَّث اليوم عن آفةٍ من آفات هذا الزمان المؤلم؛ زمن البُعد عن الله تعالى.. زمن يعيش فيه الكثير من الرجال وتسير في عروقهم المياه وليس الدماء، تلاشت الغَيرة من القلوب وأصبح بدلًا منها الديوثية، فبدلًا من الغَيرة على الزوجات والأمهات أصبح البحث على المال والمتعة الحرام...!

نكشف اليوم عن ألمٍ جديد في صدر الأمة الإسلامية التي كانت تعيش في زمان العِزَّة على عِزَّة الشرف والعِرض وأصبحت تعيش في هذا الزمان على الإباحيات.

فور نزول آيات الرجم كما أخرج الطبراني من حديث عُبَادَةَ بن الصَّامِت: "لَمَّا نَزَلَتْ آيَة الرَّجْم قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّه قَدْ جَعَلَ لَهُنَّ سَبِيلًا» الْحَدِيث... وَفِيهِ: "فَقَالَ أُنَاس لِسَعْدِ بْن عُبَادَةَ: يَا أَبَا ثَابِت قَدْ نَزَلَتْ الْحُدُود، أَرَأَيْت لَوْ وَجَدْت مَعَ اِمْرَأَتك رَجُلًا كَيْف كُنْت صَانِعًا؟ قَالَ: كُنْت ضَارِبَهُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَسْكُنَا، فَأَنَا أَذْهَب وَأَجْمَع أَرْبَعَة؟ فَإِلَى ذَلِكَ قَدْ قَضَى الْخَائِبُ حَاجَتَهُ فَأَنْطَلِقُ، وَأَقُولُ: رَأَيْت فُلَانًا فَيَجْلِدُونِي وَلَا يَقْبَلُونَ لِي شَهَادَة أَبَدًا! فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرسول الله صلى الله عليه وسلم" (فتح الباري، شرح حديث غَيرة سعد رضي الله عنه) فقال: «أتعجبون مِن غَيْرَةِ سعدٍ، لأَنا أَغْيَرُ منه، واللهُ أَغْيَرُ مني» (صحيح البخاري؛ الرقم: [6846]).

فانظروا إلى غَيرة سعد بن عبادة رضي الله عنه كيف أنه لم يتحمَّل أن يتخيل بأنه يدخل فيجد امرأته في أحضان رجل بالفاحشة، فانظرو إلى زمان العِزَّة والشرف، "قال سعد بن عبادةَ رضي الله عنه: لو رأيتُ رجلًا مع امرأتي لضربتُه بالسيفِ غيرَ مُصْفِحٍ عنه. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أتعجبون من غَيْرَةِ سعدٍ؟ فواللهِ! لأنا أغيَرُ منه. واللهُ أغيَرُ مني. من أجلِ غَيْرَةِ اللهِ حرَّمَ الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن» (صحيح مسلم، رقم: [1499]).

فهذا سعد يقول لو رأى زوجته مع آخر لضربة بالسيف غير مُصْفِحٍ فلا تهاون في العِرض والشرف.

ولكن انظر إلى المواقع الإباحية الآن وإلى الصحف - ستجد الرجل يدعو لتبادل الزوجات ويقوم بعمل إعلانات، وكما حدث بالقضية التي تناولتها الصحف منذة فترة عن رجال أعمال تم حبسهم لتبادل الزوجات..! فما أصبحت الدماء تسيل بالعروق بل جريان المياه بالعروق...!

ولِمَ لا..! إذا تلاشى الحب من القلوب وأصبحت الزيجات ما هي إلا حياة! وكأنك في العمل!

يكتفي الرجل والمرأة بالزواج فينهمكا في الحياة الدنيا والبحث عن الرفاهية الاجتماعية ويتركون الحب والغَيرة..!

فانظر إلى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: "تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ فِي الْأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلَا مَمْلُوكٍ وَلَا شَيْءٍ غَيْرَ فَرَسِهِ"..

قَالَتْ: "فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ وَأَكْفِيهِ مَئُونَتَهُ وَأَسُوسُهُ وَأَدُقُّ النَّوَى لِنَاضِحِهِ، وَأَعْلِفُهُ وَأَسْتَقِي الْمَاءَ وَأَخْرُزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ، وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ، وَكَانَ يَخْبِزُ لِي جَارَاتٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ"..

قَالَت: "وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى رَأْسِي وَهِيَ عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ"، قَالَتْ: "فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي، فَلَقِيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَدَعَانِي، ثُمَّ قَالَ: «إِخْ إِخْ» لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ"..

قَالَتْ: "فَاسْتَحْيَيْتُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ، فَقَالَ: واللهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى عَلَى رَأْسِكِ أَشَدُّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ"، قَالَتْ: "حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ فَكَفَتْنِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَتْنِي" (البخاري، رقم: [2934]، مسلم، رقم: [4057]).

فهنا العِبر الكثيرة رغم صِغر الحديث فيظهر الحب الشديد من أُمِّنا أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما التي تحب زوجها وتحافظ على شعوره - ليردّ على النساء التي تهمل زوجها وتقول: "ظِل رجل ولا ظِل حيطه"..! ومن تُهمِل زوجها ولا تحترم شعوره وغيرته.

وانظر إلى الطرف الثاني وشِدة حب الزبير رضي الله عنه لزوجته فمن قوة الحب وقيمته يغار عليها أشد الغَيرة.

ولكن بالعودة لزماننا زمن الشهوات والبحث عن المتعة الحرام نجد المرأة تتعطَّر وهي خارج المنزل لغير زوجها لتفتِنهم ولتُظهِر جمالها، وهي بالمنزل لا تهتم بنفسها ولا تتعطَّر لزوجها! وصدق شيخنا أبو إسحاق الحويني -حفظه الله تعالى- إذ قال: "لو تحدَّثت المرأة مع زوجها كما تُعلِن موظفة المطارات والقطارات في وقت إعلانها على الرحلات ما خرج رجل من منزله".

الغَيرة على الأعراض هي حياة القلوب وقلبٌ ليس فيه غَيرة قلبٌ ميِّت لا إيمان فيه، ومن هنا كان ذمّ الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه لصاحب القلب البارد الذي لا غَيرة فيه على عِرضه وأهله، أخرج الإمام أحمد والنسائي واللفظ عن سالم بن عبد اللهِ عن أبيه قَال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثةٌ لا ينظرُ اللهُ عز وجل إليهم يومَ القيامةِ؛ العاقُّ لوالِدَيهِ، والمرأةُ المترجِّلةُ، والدَّيُّوثُ...»"[1] وقد فُسِّر الديوث بأنه الذي يُقِرُّ السوء في أهله -والعياذ بالله- ولا يُقِرُّ رجلٌ في قلبه مثقال ذرة من الغَيرة السوء في أهله.

ونسوا وتناسوا قول الله عزو جل: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:23].

فأصحاب القلوب المريضة تبحث دائمًا عن الفواحش كما قال تعالى: {وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:27].

الذين يتبعون الشهوات والفواحش يريدون أن تضلوا وتقعوا في الفاحشة وتستمروا فيها.

وبعيدًا عن أصحاب القلوب المريضة ونتحدَّث عن أصحاب القلوب العامرة بالطاعة ويتركون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتناسينا تحذير النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

قَال أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "مَا حَالُنَا إِذَا تَرَكْنَا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَهُمَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ؟ قَالَ: «يَنْزِلُ بِكُمْ مَا نَزَلَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا نَزَلَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: «تَفْشُو الْفَوَاحِشُ فِي شِرَارِكُمْ، وَتَكُونُ الْمُدَاهَنَةُ فِي خِيَارِكُمْ، وَيَكُونُ العِلْمُ فِي رُذَالِكُمْ، وَتَكُونُ الْإِمْرَةُ فِي صِبْيَانِكُمْ» (الأمالي الخميسية للشجري: [2032]).

فتوقفنا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالكثير من الحجج..! فهذا يخشى غير الله تعالى! وهذا يُطبِّق ما نُسِبَ إلى جحا: "إذا كانت الفاحشة بعيدة عن بيتي فلا قلق"...!

بل أصبح من يدعو لله تعالى ينتظر فرج الله تعالى بأن يرزقنا قلبٌ حيٌ كما كان قلب المعتصم رضي الله عنه!

قَدِمَ رجلًا للمعتصم ناقِلًا له حادثةً شاهدها قائلًا: "يا أمير المؤمنين، كنتُ بعمورية فرأيتُ امرأة عربية في السوق مهيبة جليلة تُسحل إلى السجن فصاحت في لهفةٍ: وامعتصماه!"، فأرسل المعتصم رسالةً إلى أمير عمورية قائلًا له: "من أمير المؤمنين إلى كلب الروم.. اخرج المرأة من السجن؛ وإلا أتيتك بجيشٍ بدايته عندك ونهايته عندي"..

فلم يستجب الأمير الرومي وانطلق المعتصم بجيشه ليستعد لمحاصرة عمورية فمضى إليها، فلما استعصت عليه قال: "اجعلو النار في المجانيق وارموا الحصون رميًا متتابعًا"، ففعلوا فاستسلمت ودخل المعتصم عمورية فبحث عن المرأة فلما حضرت قال لها: "هل أجابكِ المعتصم؟ قالت: نعم".

فلما استقدم الرجل قالت له: "هذا هو المعتصم قد جاء وأخزاك، قال: قولي فيه قولك. قالت: أعزَّ الله مُلك أمير المؤمنين بحسبي من المجد أنك ثأرت لي. بحسبي من الفخر أنك انتصرت فهل يأذن لي أمير المؤمنين في أن أعفو عنه وأدع مالي له؟ فأعجب المعتصم بمقالها وقال لها: لأنتِ جديرة حقًا بأن حاربت الروم ثأر لكِ، ولتعلم الروم أننا نعفو حينما نقدِر".

وما كان فعل المعتصم بجديدٍ في زمان العِزَّة والشرف؛ بل امتدادٌ لسلسلة الشرف الطاهرة التي بدأها الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم بقيامه بغزوة بني قينقاع؛ لِمَا عن أبي عون قال: "كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدِمت بجلب[2] لها، فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمِد الصَّائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلمَّا قامت انكشفت سوءتها فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصَّائغ فقتله، وكان يهوديًّا، وشدَّ اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشَّرُّ بينهم وبين بني قينقاع" (السيرة النبوية لابن هشام).

ما تحدَّثنا عنه هو زمان العِزَّة والشرف والغَيرة على أعراض المسلمات، ولكن قلوبنا الآن مُعلَّقة بغير الله تعالى ولا توجد قلوب حية تتأثر بانتهاك الأعراض في فلسطين على أيدي اليهود! ونسينا وتناسينا ما كان يحدث في سجن أبو غريب للمسلمات من الاغتصابات.

بل بمشاهدة أحد البرامج التلفزيونية قاموا بتقديم سيدة تم اغتصاب ابنتها الطفلة التي لم تتجاوز التسع سنوات، وقامت برفع قضية بسبب أن عمّ الطفلة هو المغتصِب وكانت الصاعقة بأن جدّ الفتاة يقول كيف نُضيِّع شاب بسبب طفلة صغيرة؟...!

{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} قلبٌ غافلٌ مُغلَّفٌ بالشهوات والفتن مُتورِّد له مياهٌ تسيل في العروق والأوردة...!

علينا أن نستيقظ ونعود من جديد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مِصداقًا لقول الله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104].

فعلينا بالبحث عن الفلاح وأن نُذكِّر الناس ونعمل بالدعوة العملية، ويكفينا أن نستشعر بأننا ندعو عبر الإنترنت والفيس بوك ونستيقظ من الغفلة، والحقيقة بأن الدعوة في الأرض ووسط الناس لنُوقظ قلوبٍ غافلة.. قلوبٌ لا تدخل للإنترنت ولكن تدخل لمنازل العُريّ والعار، قلوبٌ لا تبحث في الفيس بوك ولكن تبحث عن المتعة الحرام..!

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]- (صحيح النسائي، رقم: [2561]).

[2]- (ما جُلِب من خيلٍ وإبلٍ ومتاع).