لسنا مع (داعش) وإن خالفنا (فاحش)!
مهما اختلفنا مع أتباع "داعش"، ومهما عارضنا فِكرهم، ومهما أنكرنا على إجرامهم، ومهما نظَّرنا يبقى من واجبنا النصح لهم، وأن يكون من أساسيات مواجهتهم الحوار والنقاش بالعلم الشرعي ومن قبل العلماء الربانيين ومن قبل الجهات القادرة على محاورتهم والتفاوض معهم، فذلك أكثر تأثيرًا وأجدى نفعًا مع الكثير منهم من المواجهة العسكرية من جيوش مسلمة قد تُسبِّب خسارةً كبيرةً للأمة، ومن أدلة ذلك مناظرة عبد الله بن عباس رضي الله عنه مع الخوارج في زمن خلافة علي رضي الله عنه، ورجوع كثير منهم إلى جادة الصواب، بعد بيان بطلان ما ذهبوا إليه...
- التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب - السياسة الشرعية - قضايا إسلامية معاصرة -
منذُ إعلان جماعة البغدادي عن دولتهم المزعومة، والمتدين المتمسك بهندامه الشرعي يعيش مواقف محرجِة تضطره لأن يُبيِّن مواقفه وأن يُجهِر متبرئًا: "أنا لستُ بداعشي"؛ فأن تلبس المرأة نقابًا هذا لا يعني بأنها داعشية، وأن يعفي الرجل لحيته هذا لا يعني بأنه داعشي!
كما أن تبني أي واحدٍ مِنَّا لموقفٍ خاص -من أي قضية من قضايا العصر- لا يعني أنه ينتمي لجماعة أو يعمل لصالح أجندة داخلية كانت أو خارجية.
قد يغضب الفرد المسلم إن أساء إليه أحد أو ظُلِم بقولٍ أو بُهتان، إلا أن هذا الغضب سرعان ما يتلاشى؛ أما إذا سمِع سخرية من تدينه واتُهم بأنه "داعشي" فالأمر أشد، لِما له من دلالةٍ مرتبطة بمُسمَّى "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، أو ما يُختصر ذكره بـ"داعش".. فوصف الفرد بأنه كذلك يلزم منه أنه مبايعٌ لها وأنه من أتباعها...!
ثم إن هذا الوصف قد صار أشد من وصف المسلم بأنه إرهابي؛ فبعد أن دأبنا على أن نسمع توصيف المتدينين بالإخوان، وبالوهابيين والإرهابيين ها هي التسمية والمسبّة الجديدة للتنفير من المتدينين، وتلك الأوصاف غالبًا ما يستعملها العلمانيون للاستهزاء ببعض الأفراد والهيئات، كدليلٍ على الرجعية والبربرية والعنف والتطرُّف، وهو ما صار عليه الإعلام الذي يرضع من لبانهم، وينشر سمومهم..!
فهل من الصواب وصف كل امرأة تلبس نقابًا أو جلبابًا أسودًا أو رجلًا ذا لحية وقميص بأنهم داعشيون؟!
نشأت "داعش" في ظروف ملتبِسة، وأيَّا كانت نشأتها، فقد تبناها الإعلام المعادي للإسلام في نشراته وبرامجه؛ لينتقل إلى مستوى أشد من التدليس - بمحاولته التأثير على الرأي العام وتوجيهه لمعاداة التدين عمومًا وتوهِمه بأن كل مسلم غيور على دينه قد يكون داعشيًا...
إن إطلاق تسمية "داعش" على دولة جماعة البغدادي أولى من تسميتها بالدولة الإسلامية كما أطلقوا عليها بعد إعلان البغدادي خليفة للمسلمين!
فالصحافة الغربية والمتعلمِنة صارت تُركِّز على تسمية هذه الجماعة بالدولة الإسلامية عن قصدٍ حتى يرتبط مفهوم "الدولة الإسلامية" وحقيقتها بالدم وجرائم جز الرؤوس وتهجير الآمنين.. وليعلِق بمخيال المتلقي من المسلمين قبل الغربيين أن الدولة الإسلامية لا تعرِف سوى إقامة الحدود، والقتال، ونهب الثروات.. وهذا عين ما يريده من يبتغي الإساءة للإسلام، وله أيادٍ ماكرةٍ في توجيهِ وتمكين هذه الجماعة المارقة، ولتكون الطريق الميسرة لإعادة التدخل الغربي في دول المسلمين...
نُسميها "داعش" ليس من باب إغاظة أتباع هذه الجماعة؛ فمن المعلوم بأنه لا تعجبهم هذه التسمية وإنما نقول: "داعش" دفاعًا عن الإسلام، ولن نقول: "الدولة الإسلامية"، لأنها لا شرعية لها، بل من هم رجالها؟ ومن هم علماؤها؟ وما هي مقوماتها؟ وما هي أهدافها، وآلياتها؟ بل وحدودها الجغرافية؟!
ولست هنا بصددِ الخوض في تفاصيل هذه الجماعة ولا لأُناقش مخالفاتها؛ وإنما لأُبيِّن موقفنا الواجب منها، فما هكذا ينبغي أن تقوم الدول! وما يجب أن تبدأ بقطع الرؤوس وجلد الأبدان، وما يجب أن تُحارِب إخوانها من أهل الإسلام، وهي جماعة لا يتَّسِع صدر أصحابها لخلافٍ فقهي ولا لخلافٍ عقدي، فقد يصِفون بسرعةٍ معارضيهم من المسلمين بالمرتدين، بل ويقاتلونهم ويُنكِّلون بهم أيَّما تنكيل! علاوةً على بغيهم وتجبرهم، وحكمهم على مخالفيهم بالمرتدين، وإن كان الجميع يصلي تجاه قِبلةٍ واحدة، وقد يُستغل تطرُّفهم ويُوظَّف من قِبل الغرب والشرق المعادي للإسلام وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم..
قد يجب الحذر من أن نرد على الشر بشِرٍ مِثله بوصفنا لهم بأنهم خارجون عن من ملة الإسلام رغم ما يصدر منهم من مخالفاتٍ بل ورغم كل ما يقومون به من إجرام، بل هم مسلمون لكنهم بُغاة، ولو وصفناهم بالكفر المُطلَق لوقعنا نحن في مصيبة التكفير من دون أساسٍ شرعي وإنما أساسٍ عاطفي محض، كما أنه من التطرُّف أيضًا أن يصف العوام من عليه مظهر من مظاهر التدين بأنه "داعشي" -كما أسلفت الذكر- سواءً كان ذلك بُهتانًا مقصودًا أو سخريةً واستهزاء.
مهما اختلفنا مع أتباع "داعش"، ومهما عارضنا فِكرهم، ومهما أنكرنا على إجرامهم، ومهما نظَّرنا يبقى من واجبنا النصح لهم، وأن يكون من أساسيات مواجهتهم الحوار والنقاش بالعلم الشرعي ومن قبل العلماء الربانيين ومن قبل الجهات القادرة على محاورتهم والتفاوض معهم، فذلك أكثر تأثيرًا وأجدى نفعًا مع الكثير منهم من المواجهة العسكرية من جيوش مسلمة قد تُسبِّب خسارةً كبيرةً للأمة، ومن أدلة ذلك مناظرة عبد الله بن عباس رضي الله عنه مع الخوارج في زمن خلافة علي رضي الله عنه، ورجوع كثير منهم إلى جادة الصواب، بعد بيان بطلان ما ذهبوا إليه.
كما أنه لا يجب أن نُعين الغرب الصليبي عليهم، ولا أن نؤيد ذلك؛ لأنه إن تدخل الغرب للقضاء عليهم فإنه توغّل جديد له في بلدان المسلمين، واحتلالٍ جديد ستستنزف معه الثروات والخيرات وتُستباح به دماء المسلمين العُزَّل وتُنتهَك أعراضهم، وتُخرّب معه البيوت والمنشآت.. كما يحتمل مع أي غزو جديد ظهور قوةً مضادة قد تكون أشد من "داعش" لأن كل تعدٍ وقوة قد يواجهان بما هو أقوى وأشرس...
ختامًا..
نُذكِّر بأننا ضد "داعش" ولسنا من أتباعها، وأننا نخالف "فاحش" (الليبراليون، والحداثيون الذين ينشرون الفاحشة في الذين آمنوا)، ومع محاربة ومواجهة "حالش" (حزب الله الشيعي الخبيث)، و"ماعش" (ميلشيات إيران الشيعية التي تدخلت في العراق)!
إكرام الفاسي