وما تنافر منها اختلف
محمد علي يوسف
عرفت أناسًا من خلال أرواحهم قبل أن تتلاقى الأجساد، فلما تلاقت تلك الأجساد في دنيا الواقع لم يكن لتلاقيها كبير أثر، ولم يحدث فارقًا، فقد حدث التلاقي الروحي والتعارف الوجداني مسبقًا، والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف.
- التصنيفات: تزكية النفس - وسائل التكنولوجيا الحديثة -
رغم أن التواصل الإلكتروني عبر مواقع مثل (الفيس بوك، و تويتر) يتيح مساحة كبيرة للتجمل وتزييف خصائص الشخصية، ويمنح فرصًا ذهبية لراغبي الازدواجية والظهور بمظهر يختلف كثيرًا عن شخصياتهم الحقيقية، إلا أنه أيضًا يحتوي على خصيصة مهمة للغاية، يتمتع بها أولئك الذين قرروا أن يصدقوا ولا يزيفوا حقيقتهم، أو على الأقل أولئك الذين لا يسرفون في التجمل.
خاصية التخلية والتنقية..
تخلية الشخصية من كثير من عوامل التأثير وتنقيتها من مكونات الانطباع المسبق كـ(المظهر، والمنصب، والمستوى الاجتماعي، والكاريزما، والحضور الخطابي، ولغة الجسد) وجمال الشكل أو قبحه، ثم تتبقى الفكرة، تتبقى خلاصة الرأي ورحيق الفهم، وعبق الروح.. من هنا تنشأ علاقات إنسانية قائمة على التلاقي الوجداني والفكري وحسب.
وعلى العكس تتقطع أواصر أخرى بناء على تنافر تلك الأرواح والأفكار، التي ظهرت وعرضت بشكل خال من المؤثرات الشكلية الأخرى..
لدي كثير من التجارب في هذا المضمار، عرفت فيها أناسًا من خلال أرواحهم قبل أن تتلاقى الأجساد، فلما تلاقت تلك الأجساد في دنيا الواقع لم يكن لتلاقيها كبير أثر، ولم يحدث فارقًا، فقد حدث التلاقي الروحي والتعارف الوجداني مسبقًا، والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف.
وإن من الناس من يدخلون بكنى أو أسماء مستعارة فتشعر بألفة عجيبة تجاه ما يكتبون! ثم تفاجأ بعد حين أنك بالفعل تعرفهم وأنك قد وجدت عبق أرواحهم من خلال كلماتهم، قبل أن تعرف حقيقة شخصياتهم.
لعلي يومًا أتحدث عن هؤلاء الأخفياء أصحاب النفوس الراقية، إن تخلوا عن إيثارهم خمول ذكرهم..
أما نقيضهم من غليظي الأنفس، قساة الطباع فكلماتهم وضيق أفقهم يتبدى ويطفح على كلماتهم، وتنضح به أقلامهم، ولا أظن أني يومًا أكتب عنهم، فحروفهم كفيلة بفضحهم وغلظتهم صارخة على سطورهم، تصيح بخشونة فظة: إليكم عنا.. غادرونا.. لا نطيقكم فلا تطيقونا.
وما تنافر منها اختلف!