بين منتكس ومتشدد ومعتدل
خالد بهاء الدين
الناس بين منتكس عن عموم التدين ليأسه بسبب الأحداث، ومتشدّد مشدّد على نفسه وعلى الناس، وقليلون من يلتزمون التوسط المحمود بين الطرفين.
- التصنيفات: فقه العبادات -
الحمد لله وحده..
صاحبي الذي جعل صيغة التكبير الواردة عن الصحابة هي السنة، وما ينتحله العوام في مصر من التكبير بدعة يجب هجرها، لمجرد تقليده لشيخ عصراني لقّنه هذا.
صاحبي ذاك؛ ليس هناك أي فرق بينه وبين صاحبي الذي قرر فجأة أن صيغة التكبير التي يكبرها العوام لا بأس بها البتة، لمجرد أن الإمام الشافعي قد نص على استحباب بعضها أو ما هو قريب منها، كلاهما جاهل ببناء الحجة، ولا يدري في ما يتدين به: من أين ولماذا؟!
وأكره في الثاني -موضة-: (السلفيون متشددون متعنتون جاهلون لا يعرفون)، أو: (كان سلفيًا لا يفهم فصار يفهم وليس سلفيًا)!
ويعجبني في الأول حرصه على تجنب البدع، وإن كنت أحب له أن يضبطها ولا يغالي، مهما قيل عن تشدده.
وأذكر جيدًا أنني كنت أقول لبعض الإخوة من قديم (2001) ولفترة طويلة: إن من يبدأ طريق تدينه متشدّدا في أمور البدع والعبادات، يحمله على ذلك حبه للدين وحرصه على قهر نفسه، مصيره غالبًا إلى الاعتدال بشرط أن يتعلم ويقرأ بطريقة صحيحة، هذا إن كان صادقًا في حمله على نفسه لله وحده.
فالدين كله قائم على البذل والحمل على النفس وقهرها، ونهي النفس عن الهوى وخوف مقام الرب.
وأما من يبدأ طريقه متساهلاً غير عابئ بما يفهمه هو من الأمر والنهي، ولا معظما للأمر والنهي ولو على وفق فهمه؛ فماذا يصلحه؟ هذا كان الله له!
أقول هذا ولعلي إن شاء الله كنت من أول من كان يحرص على إذاعة نص الشافعي في الأم بين الناس من سنوات عديدة، لكن هناك فرق كبير بين إذاعة هذا من باب إصلاح خطأ فقهي ناشئ عن الجهل ببناء الحجة الفقهية، والجهل بقول الأئمة الشافعي أو غيره، وبين نهي الناس أو تقريعهم أو الحط من حرصهم على تنقية التدين والسعي في تجنب مبطلات العمل.
وبالجملة:
هزة السنوات السابقة ينبغي أن تكون حاملة لك على التعلم والفهم، وضبط قواعد السلف والأئمة في الدين، ثم ضبط تدينك على وفقها، لا أن تكون إمّعة تنقلك الرياح والعواصف بين الأقوال والأحوال، فلا أنت تدري لم كنت تقول ما تقول به مشدّدا على نفسك، ولا أنت تدري لم هجرته وتساهلت فيه.
والملحظ العام:
الناس بين منتكس عن عموم التدين ليأسه بسبب الأحداث، ومتشدّد مشدّد على نفسه وعلى الناس، وقليلون من يلتزمون التوسط المحمود بين الطرفين.
عافنا اللهم، واهد قلوبنا!