هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجمعة وذكر خصائص يومها (6)

أبو الهيثم محمد درويش

هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وخصائص يوم الجمعة.

  • التصنيفات: السيرة النبوية -

الخامسة عشرة: أنه يستحب فيه تجميرُ المسجد، فقد ذكر سعيدُ بن منصور، عن نعيم بن عبد الله المُجمِر، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أن يجمَّرَ مسجدُ المدينة كُلَّ جمعة حين ينتصِف النهار.
قلت: ولذلك سمي نعيم المجْمِر.

السادسة عشرة: أنه لا يجوز السفرُ في يومها لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول وقتها، وأما قبله، فللعلماء ثلاثةُ أقوال، وهي روايات منصوصات عن أحمد، أحدها: لا يجوز، والثاني: يجوز، والثالث: يجوز للجهاد خاصة.
وأما مذهب الشافعي رحمه الله، فيحرم عنده السفر يومَ الجمعة بعد الزوال، ولهم في سفر الطاعة وجهان، أحدهما: تحريمه، وهو اختيار النووي، والثاني: جوازه وهو اختيار الرافعي.
وأما السفر قبل الزوال، فللشافعي فيه قولان: القديم: جوازه، والجديد: أنه كالسفر بعد زوال.
وأما مذهب مالك، فقال صاحب (التفريع): ولا يسافر أحدٌ يوم الجمعة بعد الزوال حتى يُصليَ الجمعة، ولا بأس أن يسافر قبل الزوال، والاختيار: أن لا يسافر إذا طلع الفجر وهو حاضر حتى يُصليَ الجمعة.

وذهب أبو حنيفة إلى جواز السفر مطلقًا، وقد روى الدارقطني في (الأفراد)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول أللّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَن سَافرَ مِنْ دارِ إقامَته يومَ الجمعةِ، دَعَتْ عَلَيهِ المَلائِكةُ الا يصحَب في سَفَرِه» وهو من حديث ابن لهيعة.

وفي (مسند الإِمام أحمد) من حديث الحكم، عن مِقْسَم، عن ابن عباس قال: بعثَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن رواحة في سرية، فوافق ذلِكَ يَومَ الجمعة، قال: فغدا أصحابُه، وقال: أتخلَّف وأصلي مع رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ألحقهم، فلما صلَّى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رآه، فقال: ما مَنَعَك أَنْ تَغْدُوَ مَع أصحَابِك؟ فقال: أردت أن أصلّيَ معك، ثم ألحقَهم، فقال: «لَوْ أَنفَقْتَ مَا في الأَرضِ ما أدْرَكتَ فَضلَ غَدْوَتِهم».
وأُعِلَّ هذا الحديثُ، بأن الحكم لم يسمع من مقسم.

هذا إذا لم يَخَفِ المسافرُ فَوتَ رفقته، فإن خاف فوت رفقته وانقطاعَه بعدهم، جاز له السفرُ مطلقاً، لأن هذا عذر يُسقط الجمعة والجماعة.
ولعل ما روي عن الأوزاعي -أنه سئل عن مسافر سمع أذان الجمعة وقد أسرج دابته، فقال: لِيمضِ على سفرهِ- محمولٌ على هذا، وكذلك قولُ ابن عمر رضي الله عنه: الجمعة لا تحبِسُ عن السفر. وإن كان مرادهم جواز السفر مطلقًا، فهي مسألة نزاع. والدليل: هو الفاصل، على أن عبد الرزاق قد روى في (مصنفه) عن معمر، عن خالد الحذاء، عن ابن سيرين أو غيره، أن عمر بن الخطاب رأى رجلًا عليه ثيابُ سَفَر بعد ما قضى الجمعة، فقال: ما شأنُك؟ قال: أردتُ سفرًا، فكرِهْتُ أن أخرُجَُ حتى أصلي، فقال عمر: إن الجمعة لا تمنعُك السفرَ ما لم يحضُرْ وقتُها فهذا قول من يمنع السفر بعد الزوال، ولا يمنع منه قبله.

وذكره. عبد الرزاق أيضًا عن الثوري، عن الأسود بن قيس، عن أبيه قال: أبصرَ عمرُ بن الخطاب رجلًا عليه هيْئَةُ السَّفرِ، وقال الرجلُ: إن اليومَ يوم جمعة ولولا ذلك، لخرجتُ، فقال عمر: إن الجمعة لا تحبسُ مسافرًا، فاأخرُج ما لم يَحِنِ الرواح.

وذكر أيضًا عن الثوري، عن ابن أبي ذئب، عن صالح بن كثير، عن الزهري قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسافرًا يوم الجمعة ضُحى قبل الصلاة.
وذكر عن معمَر قال: سألت يحيى بن أبي كثير: هل يخرج الرجل يومَ الجمعة؟ فكرهه، فجعلت أحدِّثه بالرخصة فيه، فقال لي: قلما يخرج رجل في يوم الجمعة إلا رأى ما يكرهه، لو نظرت في ذلك، وجدتَه كذلك.

وذكر ابن المبارك، عن الأوزاعي، عن حسان بن أبي عطية، قال: إذا سافر الرجُلُ يوم الجمعة، دعا عليه النهارُ أن لا يُعَانَ على حاجته، ولا يُصاحب في سفره.
وذكر الأوزاعي، عن ابن المسيَب، أنه قال: السفر يومَ الجمعة بعد الصلاة. قال ابن جُريج: قلت لعطاء: أبلغك أنه كان يُقال: إذا أمسى في قرية جامعة مِن ليلة الجمعة، فلا يذهب حتى يُجمِّعَ؟ قال: إن ذلك ليكره. قلت: فمِن يوم الخميس؟ قال: لا، ذلك النهار فلا يضره.