الحياة الموهومة!

أحمد كمال قاسم

لا يغرنك الوهم عن الحقيقة ولا الزوال عن المآل ولا الجسد عن الروح ولا المادة عن خالقها العزيز المتعال الذي لا يراه إلا من زكت روحه وعلت وطغت على دناءة جسده، عُد إلى الحقيقة، أزل غِشاوة الأوهام، تمعَّن في نفسك، في حاضرك ومصيرك، في لُبك وظاهرك، لا تكن سطحيًا جافًا فترى المادة الجوفاء دون ربك الذي يمسكها أن تزول...

  • التصنيفات: الزهد والرقائق - تربية النفس - الطريق إلى الله -

تفكّرت في معنى الحياة فوجدت عجبًا! وجدت الفرق بين الحي والميت، الفرق الحقيقي، لا ما يقوله ذوو بضاعةٍ رخيصة من العلم الجاهل.. عليك بالعلم المهتدي بالله، انظر فيه فستجد أن الفرق ليس جريان دم في عروق وشرايين ولا هو جريان كهرباء في أعصاب وعويصبات! إن الفرق هو تلك الطاقة التي تُفجِّر الدماء في الشرايين والكهرباء في الأعصاب.. إنها الروح.. نعم الروح.. يا لها من كلمةٍ ذات مفهومٍ عميق عمقًا لا يراه إلا ذوو البصيرة الثاقبة المخترقة لأوهام الدنيا...

تفكَّر قليلًا في الفرق بينك الآن وبينك في القبر بعد ثوينيات ولا أقول سويعات.. ستجد نضارةَ محياك قد ذهبت ورائحةً منتنة قد فُك أسرُها وحركة دائبة قد خارت.. لماذا كل هذا التحوّل؟ إنها الروح.. قد غادرت هذا الجسد.. وكأن صورتنا في القبر تقول لي.. ها يا صاح! أتظن أنك نضِر الوجه؟! أتظن أنك طيب الرائحة؟ أتظن أن بك حِراك؟!

لا يا واهم نفسك بنفسك، لا فضل لك في هذا إن كنت فعلًا كذاك! وإن لم تكن كذاك فتفكَّر في سِرِّ كل هذا الذي تتوهمه! إنها الروح... هل تعرفها؟ هل أنت على ألفةٍ معها؟ أم أنك نسيتها؟ أو تناسيتها؟ إن كانت الروح قد نُسيت وراح فِكرك يحيلك جسدًا خاوي الروح... فتجرّع تلك الحقيقة المريرة.. إنك تمامًا كهذا الجسد المُتآكل في القبر.. ولكنه ستر الله الذي جعل الناس يظنون فيك نضارة ويتوهمون فيك رائحةً حسنة، ويرونك هم بجريانهم في زمنهم وكأنك تتحرَّك في مقاليهم..

تأمَّل في نفسك إن نسيت روحك، والأدهى والأمر تأمَّل فيها إن لم ترها أصلًا، واعلم أنما رُقي الروح يُدرَك برُقيٍ وليس بدناءة.. فإن لم تك تشعر بنفخة ربك فيك، فاعلم أنك مَيْتٌ لا تملك إلا دناءة ممزوجة بوضاعة.. لأنك لو كنت تملك رُقيًا حقيقيًا لرأيت الرُقي برُقيك ولذُهِلْت عن الدناءة بسموك.. فالوضاعة لا تملك أن ترى رقيًا.. واعلم أنك إن لم ترَ روحك فلن تشعر بربِك نافخِ هذه الروح فيك.. وإن لم تشعر بربك وتُسبِّحه وتُمجِّده وتثني عليه وتشكره بروحك تلك التي نسيتها.. فاعلم أنك ميت في مظهر حياة موهومة.. حياة موهومة قد سترك الله بها رغم نسيانك إِيَّاه وروحك التي نفخها فيك..

خذ الأمر بجدية.. ترَى نفسك على حقيقتها إن كنت ناسيًا أصل رُقيُّك.. ستجد عجبًا... ستجد الحقيقة التي صنعتها أنت بنفسك بتناسي روحك التي من ديدنها أن تتصل ببارئها باستمرار.. الله العزيز الجبار.. ستجد أن وجهك عِظامًا متهالكة منخورة... ستجد أن رائحتك نتنةً مكروهة.. ستجد أن حركتك حركةٌ موهومةٌ في أعينٍ مخدوعةٍ مغرورةٍ...!

الخلاصة:

ألا يا هذا الذي هو أنا وبعض منك أنت أيها القارئ.. ألا فلا يغرنك الوهم عن الحقيقة ولا الزوال عن المآل ولا الجسد عن الروح ولا المادة عن خالقها العزيز المتعال الذي لا يراه إلا من زكت روحه وعلت وطغت على دناءة جسده، عُد إلى الحقيقة، أزل غِشاوة الأوهام، تمعَّن في نفسك، في حاضرك ومصيرك، في لُبك وظاهرك، لا تكن سطحيًا جافًا فترى المادة الجوفاء دون ربك الذي يمسكها أن تزول...

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام