المعلم القدوة
للمعلم أثر كبير في نفس الطالب، فهو يقوم مقام الأب في البيت، بل قد يفوقه أثرًا لأن مادته العلم وهو غذاء الروح الذي يفوق غذاء الجسد الذي يقدمه الأب لأفراد أسرته، ولذلك لا يفوق الأب المعلم في دوره إلا إذا كان يقدم لأبنائه الغذاء المادي للجسد، والغذاء الروحي للنفس..
- التصنيفات: تربية الأبناء في الإسلام - الدعوة إلى الله - محاسن الأخلاق - ملفات العودة إلى مقاعد الدراسة -
التعليم أسمى وظيفة يمكن أن يعمل بها إنسان، إن لم تكن هي الوظيفة الأهم على الإطلاق.
ومن يتصدى لهذه الوظيفة -أعني التعليم- لا بد أن يكون نموذجًا مثاليًا فيما يظهر للمتعلمين.
ويمكن توضيح هذا النموذج واختصاره في ثلاثة أركان، هذه الأركان هي:
أولا: استيعاب المادة التي يدرسها. ثانيًا: امتلاك وسائل الاتصال. ثالثا: صلاحيته لأن يكون قدوة.
إن المعلومات والقواعد التي يتلقاها الأبناء في محاضن التربية وأماكن التعليم، تبقى رسومًا جامدة لا حياة فيها ولا حراك، فإذا هيأ الله لها من ينفخ فيها روح التطبيق من أب أو أخ كبير آتت ثمارها وظهرت آثارها، ورسخت في أذهان الطلاب وعقولهم رسوخ الجبال الراسية، وأما إذا كان المعلمون يبنون كل يوم لبنة -وهي للأسف ضعيفة- ثم يهدم المجتمع ألف لبنة بما يراه المتعلم عليهم من مخالفات لما تعلمه، فأنى لبنيان العلم يومًا أن يقوم ويرتفع؟ وكيف لصرح الأخلاق والآداب أن يصلب ويشتد.
وللمعلم أثر كبير في نفس الطالب، فهو يقوم مقام الأب في البيت، بل قد يفوقه أثرًا لأن مادته العلم وهو غذاء الروح الذي يفوق غذاء الجسد الذي يقدمه الأب لأفراد أسرته، ولذلك لا يفوق الأب المعلم في دوره إلا إذا كان يقدم لأبنائه الغذاء المادي للجسد، والغذاء الروحي للنفس..
يقول مدرس لمادة التربية الإسلامية: "تعودت وضع الساعة في يدي اليمنى خلافًا لعادة الناس في وضعها في اليد اليسرى، وذلك حتى تأخذ اليد اليسرى راحتها في الحركة عندما أكتب بها على السبورة، ولئلا ينشغل الطلاب بالنظر إلى الساعة أثناء الكتابة، فجاءني طالب بعد فترة من بداية العام الدراسي وقال: يا أستاذ جرى نقاش بيني وبين بعض الزملاء حول لبس الساعة في اليد اليمنى أو اليسرى..
فقلت لهم: إن لبسها في اليد اليمنى هو السنة، وقالوا: ليس في ذلك سنة، بل تلبس في إحدى اليدين، فرددت عليهم:
بأن أستاذنا يلبس الساعة في يده اليمنى اتباعا للسنة، ففوجئت باستدلاله بي في حجته على زملائه، ثم ابتسمت وبينت له سبب لبسي لها في اليد اليمنى، ثم سألته مداعبًا له: الرسول صلى الله عليه وسلم لبس الساعة في اليد اليمنى أم اليسرى؟ ففكر ثم ابتسم وانصرف".
علمًا أن قاعدة الشرع كما ذكر الإمام النووي رحمه الله: "أن ما كان من باب التكريم والتزيين استحب فيه التيامن، وما كان بضد ذلك استحب فيه التياسر".
فهل أدركت أيها المربي الفاضل إلى أي درجة أنت تحت مجهر أعين الطلاب، بل وربما سائر أفراد المجتمع.
إنه ما لم يكن هناك توافق بين العلم والعمل، وتناغم بين التنظير والتطبيق، وبيئة داخل المدرسة وخارجها، يتهيأ للمتعلم فيها شواهد حية على إمكانية تحقق ما تعلمه واقعًا ملموسًا، فلن يزيدنا التعلم حينئذ إلا مقتًا لأنفسنا، وشاهد ذلك في كتاب ربنا، حيث يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2-3].
وحين يكون المعلم هو أول الهادمين بما يلحظه طلابه من فرق بين ما يقوله في المدرسة وما يعمله خارجها، وبما يرونه من مفارقات بين أوامره المثالية معلمًا في الفصل وتصرفاته المغايرة مواطنًا يمشي في الشارع أو في السوق، وكأنه لا يعرف مما كان يلقيه في دروسه شيئًا، فتلك هي أكبر خطيئة يرتكبها في حق مجتمعه، وأعظم ذنب يقترفه ويهون على طلابه اقترافه:
يا أيها الرجل المعلم غيره *** هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا *** كي ما يصح به وأنت سقيم
ونراك تصلح بالرشاد عقولنا *** أبدًا وأنت من الرشاد عديم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى *** بالعلم منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم
أساتذتنا من القرون المفضلة خرجوا إلى الشعوب الإسلامية في إندونيسيا وماليزيا، فبلغوا دعوة الله بأعمالهم قبل أقوالهم، لذا فإنا ندعوك أيها المعلم الفاضل في هذا العام الدراسي إلى أن تقدم للشبيبة المسلمة علمًا نافعًا، وعملاً صالحًا ورسالة خالدة، وكلامًا مؤثرًا، وأن تتقي الله عز وجل في هذا النشء، الذي ينتظر منك النصح، إنهم عطشى أمامك، فاسكب على قلوبهم من فيض حنانك وودك ما يكون بإذن الله بلسمًا شافيًا.
إنك تبني عقولاً ورجالاً لخدمة المجتمع، تستطيع أن تؤثر في طلابك بما يخدم المجتمع في شتى المجالات بتعليمهم كيف يستفيدون من أوقاتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الوعي الإسلامي- العدد:581
رشيد ناجي الحسن (باحث دراسات إسلامية)