(92) حد القذف واللعان (5)

حد القذف بالزنا ثمانون جلدة، ورد النص بها وانعقد الإجماع عليها، لا يزاد فيها ولا ينقص منها، وهو من حقوق الآدميين يستحق بالطلب ويسقط بالعفو.

  • التصنيفات: السياسة الشرعية -

الفصل الرابع: في حد القذف واللعان (5)

 

حد القذف بالزنا ثمانون جلدة، ورد النص بها وانعقد الإجماع عليها، لا يزاد فيها ولا ينقص منها، وهو من حقوق الآدميين يستحق بالطلب ويسقط بالعفو، فإذا اجتمعت في المقذوف بالزنا خمسة شروط، وفي القاذف ثلاثة شروط، وجب الحد فيه. أمَّا الشروط الخمسة في المقذوف فهي: أن يكون بالغًا عاقلًا مسلمًا حرًّا عفيفًا، فإن كان صبيًّا أو مجنونًا أو عبدًا أو كافرًا، أو ساقط العصمة بزنا حد فيه حد على قاذفه ولكن يعزر؛ لأجل الأذى ولبذاءة اللسان.

وأمَّا الشروط الثلاثة في القاذف فهي: أن يكون بالغًا عاقلًا حرًّا، فإن كان صغيرًا، أو مجنونًا لم يحدّ ولم يعزَّر، وإن كان عبدًا حُدَّ أربعين، نصف الحد للحر لنصفه بالرق. ويحد الكافر كالمسلم، وتحد المرأة كالرجل، ويفسق القاذف ولا يعمل بشهادته، فإن تاب زال فسقه وقبلت شهادته قبل الحدّ وبعده. وقال أبو حنيفة: تقبل شهادته إن تاب قبل الحد، ولا تقبل شهادته إن تاب بعد الحد، والقذف باللواط، وإتيان البهائم كقذف الزنا في وجوب الحد، ولا يحد القاذف بالكفر والسرقة ويعزَّر؛ لأجل الأذى.

والقذف بالزنا ما كان صريحًا فيه كقوله: يا زانٍ، أو قد زنيت، أو رأيتك تزني، فإن قال: يا فاجر أو يا فاسق أو يا لوطيّ كان كناية لاحتماله، فلا يجب به الحد إلا أن يريد به القذف، ولو قال: يا عاهر كانت كناية عند بعض أصحاب الشافعي لاحتماله، وصريحًا عند آخرين

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر»[1].

وجعل مالك رحمه الله التعريض فيه كالصريح في وجوب الحد، والتعريض[2] أن يقول في حال الغضب والملاحاة: أنا ما زنيت فجعله بمثابة قوله: إنك زنيت، ولا حدَّ في التعريض عند الشافعي وأبي حنيفة رحمها الله حتى يُقِرّ أنه أراد به القذف؛ فإذا قال: يا ابن الزانيين، كان قاذفًا لأبويه دونه، فيُحَدُّ لهما إن طلبا أو أحدهما إلَّا أن يكونا ميتين، فيكون الحد موروثًا عنهما.

وقال أبو حنيفة: حد القذف لا يورث؛ ولو أراد المقذوف أن يصالح عن حد القذف بمال لم يجز.

وإذا قذف ابنه لم يحد، وإذا لم يحد القاذف حتى زنَى المقذوف لم يسقط حد القذف. وقال أبو حنيفة: يسقط. وإذا قذف الرجل زوجته بالزنا حدّ لها إلا أن يلاعن منها.

واللعان أن يقول في المسجد الجامع على المنبر، أو عنده بمحضر من الحاكم وشهود أقلها أربعة: أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي هذه من الزنا بفلان، وأنَّ هذا الولد من زنا وما هو مني، إن أراد أن ينفي الولد ويكرر ذلك أربعًا، ثم يقول في الخامسة: لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا بفلان إن كان ذكر الزاني بها، وأنَّ هذا الولد من الزنا، وما هو مني، فإذا قال هذا فقد أكمل لعانه، وسقط حد القذف عنه، ووجب به حد الزنا على زوجته، إلَّا أن تلاعن فتقول: أشهد بالله أن زوجي هذا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا بفلان، وأن هذا الولد منه، وما هو من زنا تكرر ذلك أربعًا، ثم تقول في الخامسة: وعليَّ غضب الله إن كان زوجي من الصادقين فيما رماني به من الزنا بفلان، فإذا أكملت هذه سقط حد الزنا عنها، وانتفى الولد عن الزوج، ووقعت الفرقة بينهما وحرمت على الأبد.

واختلف الفقهاء فيما وقعت به الفرقة، فذهب الشافعي إلى أنَّ الفرقة واقعة بلعان الزوج وحده. وقال مالك: الفرقة بلعانهما معًا، وقال أبو حنيفة: لا تقع الفرقة بلعانهما حتى يفرق بينهما الحاكم؛ وإذا قذفت المرأة زوجها حدَّث، ولم تلاعن، وإذا أكذب الزوج نفسه بعد اللعان لحق به الولد وحُدَّ للقذف، ولم تحلّ له الزوجة عند الشافعي، وأحلها أبو حنيفة.

__________

(1) صحيح: (رواه البخاري في (كتاب البيوع [2053])، ومسلم في (كتاب الرضاع [1457])).

(2) التعريض: ضد التصريح يقال: عرض لفلان وبفلان إذا قال قولًا وهو يعيّنه، ومنه المعاريض في الكلام وهي التورية بالشيء عن الشيء (مختار الصحاح: ص [178]).

 

الكتاب: الأحكام السلطانية

المؤلف: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)

الناشر: دار الحديث  القاهرة

عدد الأجزاء: 1

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

المصدر: المكتبة الشاملة