تذكرة موجزة بشيءمن أحكام الصيام وآدابه

شميسة خلوي

إحياء ليالي العشر الأواخر من رمضان بالعبادة: لقد كان من هدي الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يوقظ أهله للصلاة في العشر الأواخر من رمضان، كما في البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل العشر شدَّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله"

  • التصنيفات: ملفات شهر رمضان -

بسم الله والحمد لله الذي جعل رمضان موسمًا للطاعات، وخصّه بجميل المزايا وأبهى الصِّفات، فأكرم وأنعم بسيِّد الشهور والأيَّام، شهر الخيرات والبركات، أهلَّه الله علينا باليُمن والإيمـان والسَّلامة والإسلام، أما بعد:

هذه جملة من الأحكام والآداب المتعلقة بشهر رمضان، حرصتُ على انتقائها في هذه الأسطر:

أوّلا: أركان الصوم:
1– النيَّة: النيَّة محلُّها القلب، وليس من الواجب التلفّط بها، وقد ذهب المالكية والشافعية إلى أنها ركن منفصل من أركان صوم رمضان، بينما ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنها شرط في صِحَّة الصوم، ولا يلزمنا تجديد النية في كلّ ليلة من ليالي رمضان، بل تكفينا النية التي عقدناها عند دخول الشهر، فإن باغت أختنا عذر شرعي وانقطعت عن الصوم ثم عزمت على مواصلته بعد زوال العذر، فلتجدّد النيَّة.

2– الإمساك عن المفطرات: الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.

ثانيا: مفسدات الصوم (المفطِّرات):
إنَّ أصول المفطرات ثلاثة: الأكل والشرب والشهوة، يقول الحقُّ تبارك وتعالى جامعا هذه الأصول: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة:187]، وبيّن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السُنَّة تمام ذلك.

وعلى هذا، فالمفطرات سبعة أنواع: الجماع والأكل والشرب، وإنزال المني بشهوة، وما كان بمعنى الأكل والشرب كحقْن الدَّم في الصائم أو تناول الإبر المغذِّية التي يُكْتَفَى بها عن الأكل والشرب، والقيء عمداً، وخروج الدم بالحجامة، وخروج دم الحيض والنِّفاس، على أن يقع الصائم في ما ذُكر أو في واحد منها متعمّدًا متذكِّرًا لصومه، عالمًا بالحُكم.

ثالثا: مكروهات الصيام:
مكروهات الصيام متعدّدة منها: جمع الصائم ريقه فيبتلعه، وذوق الطعام بلا حاجة، ومضغ العلك الذي لا يتحلَّل منه أجزاء، والقُبلة التي تحرِّك الشهوة، والاحتجام، والمبالغة في المضمضة والاستنشاق.

ومما يُكره للصائم أيضاً مخالفته بعض المندوبات:كتعمُّده تأخير الإفطار، أو مواصلته الصوم من غير أكلة السَّحَر، أو التلفُّظ بالهجر من الكلام إذا استرسل في الغضب، أو قضاء ساعات طوال أمام شاشة التلفاز، مما يكون ضرُّه أقربَ من نفعه، ويكره عند الشافعية السواك بعد الزوال، وزاد المالكية المبالغة في المضمضة والاستنشاق، وشم الطِّيب نهاراً، والإكثار من النوم بالنهار، وفضول القول والعمل.

رابعا: سنن رمضان وآدابه:
في شهر الطاعات تتأكد بعض السُنن، ويصبح الصائم حريصًا على تأديتها لينال الخير الكثير والأجر الكبير، نذكر منها ما يلي:

• الإكثار من قراءة القرآن ومُدارسته: وذلك لأن جبريل كان يلقى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن [1].

الدعاء: الدعاء مطلوب في كل الأوقات {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]، فكيف بموسم الخير والبركات؟ وقد ختم الله آيات الصيام بالحثّ على الدعاء فقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].
 

وإني لأدعو اللهَ والأمرُ ضيّقٌ *** عليَّ فما ينفك أن يتفرّجا
وربَّ فتىً ضاقتْ عليه وجوهُهُ *** أصاب له في دعوة الله مَخْرَجا


• الإكثار من الصَّدقة: والشاهد حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان، حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام، كان أجود بالخير من الريح المرسلة» (مُتَّفق عليه)، وما نقص مالٌ من صدقة، فلنجُد مما جاد الله به علينا.

• جبر نقص فريضة الصلاة بالنوافل: وذلك بالمداومة على صلاة الضحى وأداء السنن الرواتب، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى» (صحيح مسلم:1/498)، وأقلها ركعتان، وأكثرها ثمان ركعات، وتُصلَّى مثنى مثنى، ويبدأ وقت أدائها بعد طلوع الشمس بخمس عشرة دقيقة تقريباً، ويمتدُّ إلى ما قبل الزوال.

أما أداء السنن الرواتب الاثنتي عشرة، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا، غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ» (صحيح مسلم:1/503)، وهي: ركعتين قبل صلاة الصبح، وأربع ركعات قبل صلاة الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد صلاة المغرب، وركعتان بعد صلاة العشاء.

• تعجيل الفطر: لقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ» (متَّفق عليه).
• الدعاء عند الإفطار بـ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» [2]، والفطر على تمرات وترًا وإلا على ماء.
• تفطير الصائمين: لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا» (سنن الترمذي:3/162، الحديث صحّحه الشيخ الألباني).

• الاعتكاف: ويدل على ذلك: حديث عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده" (متَّفق عليه).

• السَّحور: السَّحور وجبة يتقوَّى ويتنشط بها الصائم على صيام النهار وتعينه على تحمُّل مشاق العمل، وهي تهيئة للمتسحِّر على أداء صلاة الفجر والذكر والدعاء، وهي الفارق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، وهي أيضًا امتثال للهدي النبوي وأمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» (متَّفق عليه)، وعلى المسلم تأخير وجبة السحور، ويتحقق السحور ولو بشربة ماء، والأفضل أن يكون تمرًا، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ» (سنن أبي داود:2/303).

• إحياء ليالي العشر الأواخر من رمضان بالعبادة: لقد كان من هدي الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يوقظ أهله للصلاة في العشر الأواخر من رمضان، كما في البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل العشر شدَّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله" (صحيح البخاري:3/47).

• قيام ليالي رمضان: لحديث أبي هريرة رضي الله عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (مُتَّفق عليه)، -ويدخل في هذا صلاة التراويح-، ولا سيما في العشر الأواخر من رمضان.

• قول الدعاء الوارد لمن وافق ليلة القدر: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "يا رسول الله أرأيتَ إن علمتُ أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي»" (سنن الترمذي:5/534، الحديث صحّحه الشيخ الألباني).

العمرة في رمضان: للعمرة في رمضان فضل وثواب ليس في غيره، إذ روي في الصحيحين أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأم سنان الأنصارية حين لم يكتب لها الحج معه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي» [3]، وما أجمل أن يغتنم الصائم فرصة الجمع بين شرف الزمان والمكان!

• حفظ الجوارح واستعمالها فيما يرضي الله: على الصائم صون لسانه وغض بصره وكف سمعه عن الاستماع لما حرَّم الله، وكذا حفظ جميع جوارحه.

• الاستكثار من أنواع الخير والعمل الصالح: للخيرات مواسم والفطِن من يغتنمها، ورمضان فرصة لنيل الخير الكثير والأجر العميم، بالذكر والدعاء وبرِّ الوالدين وصلة الرحم ومساعدة الضعفاء والإحسان إلى الجيران وتفطير الصائمين وزيارة المرضى وتوزيع الأشرطة والكتيِّبات وحث المحسنين وأهل الخير على الإنفاق، وغير ذلك كثير، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون..

ألا أقبل يا خير الشهور.. اللهم سلِّمني وإخواني وأخيّاتي إلى رمضان وسَلِّم رمضان لنا وتسلَّمه منّا مُتقبَّلا يا أرحم الراحمين.

• عن أركان الصوم، ينظر على سبيل المثال لا الحصر: الحطاب الرُّعيني المالكي: مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، وابن نجيم المصري: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، وشمس الدين بن حمزة شهاب الدين الرملي: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، وعبد القادر التغلبي: نيل المآرب بشرح دليل الطالب.

• عن مفسدات الصوم، ينظر على سبيل المثال لا الحصر: محمد بن صالح العثيمين، مجالس شهر رمضان، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، 1408هـ.

• عن مكروهات الصوم: محاضرة: (شرح أخصر المختصرات) للشيخ ابن جبرين يرحمه الله، وخالد الجريسي، الصوم جُنَّة، الرياض، 1426هـ - 2005م.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
[1] عن ابن عباس، قال: "كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجود بالخير من الريح المرسلة" (صحيح البخاري:1/08).

[2] مما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا أفطر قال: «ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»" (سنن أبي داود:2/306).

[3] متَّفق عليه، واللفظ للبخاري: "لما رجع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حجته قال لأم سنان الأنصارية: «مَا مَنَعَكِ مِنَ الحَجِّ؟» ، قالت: أبو فلان -تعني زوجها- كان له ناضحان حج على أحدهما، والآخر يسقي أرضًا لنا، قال: «فإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي» (صحيح البخاري:3/19). 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام