وشهد شاهد من أهلها (1)

شميسة خلوي

أقلام حاقدة تغذِّيها أفكار مسمومة توجَّهت نحو تشويه صورة الإسلام وأهله، تشكيك وافتراء وطعن في القرآن الكريم، أوهام وأباطيل مسَّت سيرة سيِّد ولد آدم عليه الصلاة وأزكى التسليم، منهم من جاهر بعدائه ومنهم من تستَّر خلْف ورقة التوت!

  • التصنيفات: ماذا قالوا عن الإسلام -

بسم الله، والحمد لله الذي أرسل محمدًا بشيرًا ونذيرًا، وقال في محكم تنزيله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، وصلِّ اللهم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وبعد:
أقلام حاقدة تغذِّيها أفكار مسمومة توجَّهت نحو تشويه صورة الإسلام وأهله، تشكيك وافتراء وطعن في القرآن الكريم، أوهام وأباطيل مسَّت سيرة سيِّد ولد آدم عليه الصلاة وأزكى التسليم، منهم من جاهر بعدائه ومنهم من تستَّر خلْف ورقة التوت! 

لكن يأبى الله إلا أن يتمَّ نوره رغم أباطيل الحاقدين وأكاذيبهم، لأن إرادة الله هي النافذة ولأن التمويه والتضليل لا بد أن ينكشف طال زمانه أو قصر.

• وشهد شاهد من أهلها [1]؛ إطلالة على شهادات من نطق بالحق من علماء ومفكري الغرب، سواء عُرف بإنصافه لديننا ونبينا صلى الله عليه وسلم أو عُرف بأباطيله وكثرة شبهاته وطعنه في الإسلام.

• وشهد شاهد من أهلها؛ دعوة لدحض افتراءات بعض الغربيين على نبي الإسلام محمد عليه صلوات من ربي وسلام.

• وشهد شاهد من أهلها؛ مع توثيق جاد للشهادات.
• وشهد شاهد من أهلها؛ وإن سُبقت إليها، إلا أن نظرتي ستختلف إلى الشهادة وصاحبها، ومدى أهميتها مقارنة بأفكار الشَّاهد.

• وشهد شاهد من أهلها؛ دفاع عن إمام الهدى ومصباح الدجى محمد عليه الصلاة والسلام.

فمن أين نبدأ؟
إن ما صُنِّف في السيرة النبوية وبمختلف اللغات الأوروبية، بلغ تعداده الآلاف من المصنَّفات، حتى أن اللغة الأوردية التي لم تصبح لغة كتابية إلا منذ قرنين قد بلغ عدد المؤلفات بها عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من (1000) مؤلَّف [2].

وشهد شاهد من أهلها:
يقول مارجليوث (D. S. Margoliouth) في مقدمة كتابه محـمد -صلى الله عليه وسلم- ونهضة الإسلام (Mohamed and the Rise of islam) الذي صدر العام 1905م: "he biographers of the Prophet Mohammed from a long series it is impossible to end but in wich would be honourable to find a place" [3]. بمعنى أن الذين كتبوا في سيرة محمد صلى الله عليه وسلم لا ينتهي ذكر أسمائهم، وهم يرون أنه من الشرف للكاتب أن يجد له مكانًا بين من كتبوا في السيرة النبوية.


من هو مرجليوث؟
وهل لهذه الشهادة قيمة معتبرة مقارنة بما عُرف عن هذا المستشرق؟
ديفد صمويل مرجليوث [4] (David Samuel Margoliouth) مستشرق انجليزي (1858-1940م)، بدت عنايته بالدراسات العربية والسامية بعد أن عُيِّن أستاذا في جامعة أكسفورد سنة 1889م، كتب بحثًا عن أوراق البردي العربية في مكتبة بودلي بأوكسفورد 1893م، وترجم قِسمًا كبيرًا من تفسير البيضاوي إلى الإنجليزية سنة 1894م كما نشر رسائل أبي العلاء المعري سنة 1898م.

وفي سنة 1905م بدأ بنشر دراساته عن الإسلام، وذلك بكتاب (محمد ونشأة الإسلام)، ثم كتاب (الإسلام) سنة 1911م، ثم نشر محاضرات كان قد ألقاها عن تطوُّر الإسلام في بدايته سنة 1914م، والعلاقات بين العرب واليهود سنة 1924م، كما نشر مجموعة من الكتب التراثية المتنوعة، وقد اختاره المجمع العلمي العربي في دمشق عضوًا مراسلاً عند نشأته في سنة 1920م.

والحديث عن مرجليوث هو حديث عن قضية النحل والانتحال في أدب الجاهلية، والتي تناولها علماء اللغة القدامى منذ القرن الثاني للهجرة، وخصوصًا في القرنين الثالث والرابع، وتراوحت دراستها بين (ابن سلام الجمحي) قديمًا ثم (مرجليوث) من المستشرقين حديثًا ليتلقَّف (طه حسين) أفكار هذا المستشرق ويدلي بدلوه في المسألة.

على أن الناظر في تطور هذه القضية النقدية يلاحظ أن التشكيك في أدب الجاهلية أخذ منحى آخر مع المستشرق مرجليوث، إذ يعدُّ من أوائل من أثار مسألة الشك في الشعر الجاهلي حديثًا، من خلال البحث الذي نشره في مجلة (الجامعة الآسيوية الملكية) الإنجليزية والمعنون بـ(The original Arabic poetry)، والمترجم في كتاب (أصول الشعر الجاهلي)، وفيه يعتقد أن ما وصل إليه في بحثه: "كاف لوضع كل ما يُقال إنه شعر جاهلي، وبما فيه أيضًا كل الشعر السابق على العهد الأموي موضع الشك" [5].

فالشعر الجاهلي بالنسبة لمرجليوث ليس وليد فترة ما قبل الإسلام بل هو نتاج مرحلة تالية لظهور الإسلام، والشعر الإسلامي لا يرجع بدوره للعصر الإسلامي، ونرى (مرجليوث) وقد أبدى شكَّه في كيفية انتقال الشعر الجاهلي وحصَره في الكتابة أو الرواية الشفوية، مُثيرًا شكوكًا حول الطريقة الثانية.

ومجمل الكلام أن الشعر الذي يزعم أنه جاهلي إنما هو مرحلة تالية للقرآن لا سابقة عليه من منظور مرجليوث [6]، ومعلوم كيف أن هذا الموقف من الشعر الجاهلي والإسلامي بين مرفوض ومشكوك فيه، يحاول بطريقة ما أن يثير بعض الشبهات الخطيرة، ناهيك عن مقولات أخرى أطلقها هذا المستشرق وتبناها غيره.

فرفْض الشعر الجاهلي والإسلامي أو التشكيك فيهما هو تشكيك بفصاحة العرب، ولا ريب أن القرآن نزل بلسان عربي مُبين على أمة البلاغة والفصاحة والنظم، وهذا يعدُّ وجها من وجوه الإعجاز، فسموّ بلاغة الفرقان ونظمه وبديع أسلوبه أعجز أساطين البيان {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ . فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:33-34]، وهذا التحدي موجَّه لأناس هم أهل الفصاحة والبيان، وليس كما ادّعى (مرجليوث).

ناهيك عن تحامله على النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته الشريفة، وتأويله الخاطئ لكثير من أحداث السيرة النبوية، وتشكيكه في الأسانيد معارضًا بذلك ما توصَّل إليه المحقِّقون.

وخلاصة القول:
أن الله أجرى الحق على لسان هذا المستشرق المشكِّك صاحب هذه الآراء الفاسدة، وشهد بمكانة رسول الهدى عليه الصلاة والسلام وشرف الكتابة في السيرة النبوية.
يتبع بمشيئة الرحمن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
[1] لا يخضع ترتيب المستشرقين -في هذه السلسلة المتتابعة إن شاء الله تعالى- لضابط مُعيَّن، كما سأعتمد بساطة الشرح وسهولة العبارة.
[2] ينظر: عبد المتعال محمد الجبري، السيرة النبوية وأوهام المستشرقين، مكتبة وهبة، القاهرة، مصر، 42.

[3]Margoliouth David Samuel, Mohamed and the Rise of islam, G.P.Putman and Sons, New York and London, first published in 1905, preface iii.
[4] ينظر: عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، طبعة جديدة منقحة ومزيدة، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط3، تموز/ يوليو، 1993م، 576.

[5] ديفيد صمويل مرجليوث، أصول الشعر العربي، ترجمة وتعليق ودراسة د. إبراهيم عوض، دار الفردوس، 1427 هـ - 2006 م، ص107.

[6] المرجع السابق، وينظر أيضا: دراسة للموضوع من وجهة نظر المستشرقين فيما جمعه عبد الرحمن بدوي من مقالات بعض المستشرقين: دراسة المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي، ترجمها عن الفرنسية والألمانية والانجليزية: عبد الرحمن بدوي، ط1، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، 1979م. 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام