(4)

شميسة خلوي

نأتي في هذه الأسطر إلى بسط الجزء التطبيقي -الذي يسبق الحلول المقترحة- كدعامة أساسية لما ذهبنا إليه في الأجزاء السَّابقة من البحث، ومنه فسَّرنا الظاهرة وأعطينا أحكامًا وحلولًا.

  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة - قضايا المرأة المسلمة - قضايا إسلامية معاصرة -

لقد تحدَّثنا في أجزاء سابقة من الدِّراسة عن مختلف القيم غير الإسلامية التي تمرَّر عبر المسلسلات المدبلجة، ثم توقَّفنا عند الوسائل التي تُتَّخذ لجلب الجمهور العريض لتتبُّع هذه المسلسلات بما في ذلك فئة المراهقين، وتتبَّعنا بعد ذلك عناوينها موضِّحين ما تُخلِّفه من آثار اجتماعية ونفسية لدى المشاهد.

ونأتي في هذه الأسطر إلى بسط الجزء التطبيقي -الذي يسبق الحلول المقترحة- كدعامة أساسية لما ذهبنا إليه في الأجزاء السَّابقة من البحث، ومنه فسَّرنا الظاهرة وأعطينا أحكامًا وحلولًا.

لقد قُمنا بدراسةٍ إحصائية اتَّبعنا فيها منهج مسح جمهور المسلسلات المدبلجة من المراهقين، من خلال توزيع استبيانات ميدانية كأداةٍ رئيسة لجمع المعلومات على (200) مراهق ومراهقة كعيِّنة عشوائية من تلاميذ المدارس الثَّانوية بالجزائر.

وقد تنوَّعت عيِّنة الدِّراسة بين الذُّكور والإناث، وإن كانت نسبة الإناث أكبر نظرًا لاكتساحهن صفوف المرحلة الثَّانوية على حساب الذُّكور، بحيث بلغ عدد المتمدرسات ما نسبته 72.5% وبلغ عدد المتمدرسين 27.5% من مجموع العيِّنة المدروسة.

وتراوح سن التلاميذ الذين طُبِّق عليهم المسح، ما بين خمسة عشر سنة وعشرون سنة؛ لأنَّ العيِّنة وُزِّعت على تلاميذ المستويات الثلاثة في المرحلة الثانوية، السنة الأولى والثانية والثالثة.

كما عمدنا إلى تنويع التخصُّص الدراسي لهؤلاء التلاميذ ما بين الشُّعب العلمية والشُّعب الأدبية، لتكون النتائج معبِّرة عن فئة المراهقين المتمدرسين بالثَّانويات بصفة عامة.

إضافة إلى اعتمادنا على أسئلة لها أجوبة اختيارية بـ (نعم) أو (لا)، وأسئلة أخرى سجَّلنا فيها الاحتمالات المتوقَّعة وتركنا للتلميذ اختيار ما يُناسب حالته، وأسئلة أخرى طُلِب فيها من التلميذ أن يجيب عنها كتابيًا بُغية التَّعبير عن وجهة نظره أو أحاسيسه.

فيا ترى ما هي أهم النَّتائج التي خرجنا بها من دراسة الاستبيانات؟

سنحاول عبر هذه النِّقاط التالية أن نلخِّص أهم ما استطعنا أن نتبيَّنه من خلال دراسة متأنية لإجابات التلاميذ المختلفة:

1- إن أكثر القنوات التي يُدمن عليها شبابنا لمتابعة أغلب المسلسلات المدبلجة هي مجموعة قنوات مركز تلفزيون الشَّرق الأوسط المعروفة باسم: (mbc) وما أطلق من قنوات تابعة لها، والتي تبثُّ برامجها من مدينة دبي للإعلام، والمتمثِّلة حسب نتائج الاستبيانات في: mbc, mbc4, mbc drama, mbc2, mbc max, mbc action - إذ بلغت نسبة تتبُّع المسلسلات المدبلجة عبر هذه القنوات ما نسبته 60.5% من مجموع القنوات التي تُلتقط بالجزائر.

بينما حلَّت قناة أبو ظبي الأولى وأبو ظبي دراما في المركز الثاني بنسبة 23.5% تليها قناة زي ألوان بنسبة 6.5% ثم القناة الجزائرية الثالثة بنسبة لا تتعدى 3%، بينما كانت 3% المتبقية موزَّعة بين القنوات: نسمة، دبي، 2m, fox.

2- لقد استطاعت المسلسلات التركية المدبلجة أن تستقطب أكبر عدد من المتابعين على حساب الهويات المختلفة لبقية المسلسلات، بحيث استحوذت على ما نسبته 36%، ثم تليها المسلسلات الهندية بنسبة 20.5%، ثم المسلسلات الأمريكية بنسبة 15.5%، لنجد بعدها المسلسلات الكورية بنسبة 15%، وأخيرًا المسلسلات المكسيكية بنسبة 13%.

مع الإشارة إلى أنَّ النسبة الأكبر من المتتبعين للدراما التركية تقع بين الفتيات بخلاف الذكور الذين يفضل أغلبهم متابعة المسلسلات الأمريكية مع القلة من الفتيات أيضًا.

وهذا ليس مُختصًا بالجزائر فحسب، فآخر نتائج بعض الاستفتاءات توحي بأن الدراما التركية هي المتصدِّرة للمشهد عربيَّا!

فبالرجوع لأشهر القنوات العربية التي تبثُّ المسلسلات المدبلجة (mbc) نجد أنها استرعت اهتمام ما يُقارب سبعة ملايين صوت عربي قام بالتَّصويت للأفضل عام 2013م على موقعها الرسمي، وفيها تنافس (140) نجمًا -كما شاعت تسميتهم- عربيًّا وتركيًّا وكذا (40) مسلسلًا ما بين عربي ومدبلج، ليُتوَّج في الأخير مسلسل تركي ويتصدّر القائمة.

3- حسب نتائج الاستبيان بلغ عدد المسلسلات المشاهدة ما بين مسلسل واحد إلى أربعة مسلسلات يوميًا لكل واحد من التلاميذ، ومعلوم أن أسئلة الاستبيانات تمحورت حول المسلسلات المدبلجة، فماذا لو أضفنا إليها المسلسلات العربية؟!

4- من خلال سبر آراء التلاميذ حول الحالة النَّفسية التي تنتابهم إذا ما فاتتهم حلقة من حلقات مسلسلهم المدبلج المفضل لديهم، وجدنا ما نسبته 60% ما بين متضايق وغاضب وحزين والإحساس بفقد أمر ما، بينما أبدت النسبة الباقية والمتمثلة في 40% عن عدم اكتراثها.

لكن هذه النِّسبة التي توحي مبدئيًا بعدم الاكتراث حيال فوات الحلقة، جعلتنا نُفتِّش عن أسباب عدم الاهتمام المتناقض مع الإقبال على المتابعة، فوجدناها في الخيارات المتاحة التي تمكِّن مَن فاتته الحلقة من متابعتها من جديد أو معرفة ما حدث خلالها، بحيث يقوم 43.5% من العيِّنة المدروسة بالتَّواصل مع من تابع الحلقة لمعرفة ما حدث، مما يؤكد إقبال من حولنا على مشاهدة هذه المسلسلات وسهولة إيجاد من تابع الحلقة، في حين بلغت نسبة من يشاهدون الحلقة التي تلي الحلقة التي لم يشاهدوها لفهم ما حدث حوالي 35%، وهذا يعني أنه بالإمكان تجاهل حلقة كاملة لكثرة التفاصيل التي لا تُسمِن ولا تُغني من جوع، وهذا من أسباب إطالة المسلسل إلى عشرات الحلقات.

ويقوم آخرون بتحميل الحلقة عبر الأنترنت لمشاهدتها وهو ما يعادل 19% من المجموع الكلي، خصوصًا إن كانت الحلقة الأخيرة، فالخبر ليس كالمعاينة! ويعتمد البقية على مشاهدة الإعادة التي تبثُّها نفس القنوات للحلقة بما نسبته 2.5%.

5- يؤثر تتبُّع المسلسلات المدبلجة على العبادة بشكلٍ ملحوظ، بحيث سجَّلنا ما يعادل 48.5% من مجموع العيِّنة يكملون مشاهدة ما تبقى من المسلسل رغم دخول وقت الصلاة وسماع صوت الأذان، و41% منهم يقطعون تتبعهم للمسلسل ويصلُّون، بينما يجد 4% منهم مخرجًا أثناء عرض الإشهار بغية أداء الصلاة ثم الرجوع لمتابعة الحلقة، وبنفس النسبة سجَّلنا مَن لا ينتبه أصلًا لرفع الأذان حين تكون جوارحه كلها متَّصلة بالمسلسل وأبطاله وأحداثه، إضافة إلى 3% من التلاميذ لا يُصلّون أصلًا.

بينما نجد ما يعادل 44.5% من العدد الإجمالي للعيِّنة يشاهدون المسلسلات المدبلجة في شهر رمضان، مما يؤثِّر سلبًا على العبادة في شهر الصِّيام بإطلاق النَّظر والسَّمع لما حرَّم الله، وقد استرعت انتباهي وجود بعض التعليقات التي لم أطلبها منهم على شاكلة تكرار (نعم) للدلالة على استحالة مرور شهر رمضان دون تتبُّع المسلسلات المدبلجة، أو مثل: (أكيد) أو كقول أحدهم: "إذا لم أتابع المسلسلات في رمضان كيف أقضي على الوقت!".

6- يؤثر تتبُّع المسلسلات المدبلجة بشكلٍ جليٍّ على المردود الدراسي أيضًا، بحيث يفضِّل التلميذ الجزائري متابعة الحلقة أولًا ثم إنجاز الواجبات المنزلية ثانيًا، إذْ بلغت نسبة هذا التفضيل 65%، ونلفي 16.5% منهم ينجزونها قبل بداية الحلقة، للتفرُّغ التَّام للمتابعة، بينما نجد 14.5% منهم يتركون واجباتهم لقُبيل تقديمها، أما ما تبقى فيلجؤون إلى الاعتماد على حلول زملائهم.

7- تُعدُّ الأسرة المنبع الأوَّل لتفشي ظاهرة الإدمان على متابعة المسلسلات المدبلجة بدليل وجود من يُتابع المسلسل مع المراهق كالإخوة والأخوات والأم التي يُفترض أن تكون القدوة، ثم المحيط الدراسي بالتفاهم مع الزملاء والزميلات.

وبلغة الأرقام سجَّلنا 42.5% من العيِّنة المدروسة يشاهدون المسلسلات المدبلجة مع الأخوات والإخوة، و32% منهم يشاهدونها رفقة الأمهات، كما يتَّفق جزء منهم مع زملائهم لمتابعة الحلقات بما نسبته 9.5%، وتتَّفق مجموعة أخرى مع الأصدقاء من غير زملاء الدراسة وكذا الجيران بمعدل 8.5%، في حين يفضِّل 5% من المشاهدين المراهقين تتبُّع المسلسلات المدبلجة بمفردهم، ونجد مرافقة الأب أمام الشاشة الصغيرة في ذيل القائمة بما نسبته 2.5%.

وقد تجمع بعض الحالات السابقة، فيَجمع المسلسل المدبلج الأم والبنات مثلًا، أو الأم مع البنات وبالاتِّفاق مع الجارات، وهكذا.

8- بطرح سؤال جوهري على التلاميذ المعنيين بالاستبيان قلنا: هل لهؤلاء الأبطال وجود في حياتك ومجتمعك؟ فكانت النِّسب متفاوتة بين من يقول: "لا" ومن يقول: "مستحيل" بما نسبته 39%، وبين من يقول: "لا أدري" بنسبة 36%، بينما اعتبر 25% منهم أن هذه الشخصيات (موجودة في حياتنا).

9- ولأن حق الوالدين قُرن بحق الله تعالى علينا حاولنا معرفة مدى تجاوب المراهق مع نداء والديه وقضاء حوائجهما أثناء عرض المسلسل المدبلج، فكان ما نسبته 76.5% من الفئة المدروسة يأتمرون بما يطلب الوالدان ثم يعودون إلى متابعة الحلقة، و20.5% منهم يكملون الحلقة ثم يقومون بما طُلب منهم، و3% منهم لا ينتبهون أصلًا لنداء الوالدين.

وهناك بعض التعليقات التي لم أطلبها ووجدتها في هذا العنصر، مثل قول إحداهن -كتابةً-: "إن كان والدي هو الذي يناديني أأتمر بأمره أما والدتي فأنتظر حتى آخر لقطة من الحلقة!".

بينما كان تعليق آخر يقول: "إن كان الطلب يُنجز داخل البيت أنجزه وأعود لمتابعة الحلقة، أما إن تطلَّب الخروج من البيت فلن أخرج حتى انتهاء الحلقة!".

10- من أهم الأسئلة التي تكشف لنا لمَ يُدمن المراهق على متابعة المسلسلات المدبلجة، هو قولنا في إحدى أسئلة الاستبيان: ما هي الشخصية التي تمنيت أن تكون أنتَ/أنتِ؟ وما الذي يعجبك في هذه الشخصية؟

فكانت مجموعة من القيم التي يفتقدها المراهق أو يسعى لتحقيقها في شخصيته أو التي انعدمت في محيطه، ووجدها من خلال أبطال المسلسل، ونُلخِّصها في: الجمال، حنان الأم، الحب، الصَّبر، الثِّقة بالنفس، مواجهة مصاعب الحياة، الصَّراحة، الجرأة، تحمُّل المسؤولية، التَّسامح، الطيبة، حب الوطن، الشَّجاعة، القوة، وكلها حسب ما نلاحظ قيم ايجابية في ظاهرها، لكن أي حب وأي ثقة بالنفس وأي جرأة يسوِّقونها لشبابنا؟

إن الإطار الذي يجمع هذه الصفات خاطئ من أساسه، فقد يكون الحب بين امرأة ورجل أجنبي عنها وقد تكون الجرأة لفتاة في مواقف غير أخلاقية - وهذا ما تناولناه في عنصرٍ سابقٍ من البحث.

ولكن هنا نطرح السؤال: ألا توجد نماذج صالحة للاقتداء حتى يصبح البطل فلان رمزًا للحب، والبطلة فلانة رمزًا للثِّقة بالنفس وهلم جرا؟ إنه باختصار فقدان القدوة لدى المراهق!

ومن ذلك أيضًا قيم دخيلة قلبًا وقالبًا، ألفيناها في عداد أسباب التعلُّق بأبطال تلك المسلسلات -حسب نتائج الاستبيانات دائمًا- كاتِّباع الموضة، واللِّباس العصري الفاضح، وطريقة العيش، وحب أكثر من حبيب، والقدرة على كسب قلوب الفتيات، وطريقة كبت مشاعر الحب اتجاه الزميلة في العمل، واللَّطافة في الحديث مع النِّساء، والتَّضحية من أجل العشيق، وطريقة الايقاع بشاب غني رغم فقر البطلة، وأغرب إجابة رثيت لحال صاحبتها كانت: لأن حبيبها هو مهنَّد!

ومن ذلك أيضًا حالات عبَّرت فيها بعض التلميذات عن رغباتهن المكبوتة والتي انعكست في صورة البطلات، مثل قول بعضهن: البطلة نحيفة والسَّبب أنها هي نفسها بدينة وتتمنى أن تكون رشيقة القدِّ، وقول أخرى: البطلة طبيبة، والسبب أنها هي من ترغب أن تصبح طبيبة!

والقِلَّة القليلة والتي تعدُّ على أصابع اليد الواحدة ردَّدوا قائلين: أنا تعجبني شخصيتي ولا أريد أن أكون صورة طبق الأصل لشخصيةٍ منهم.

11- حاول التلاميذ تذكُّر عدد المسلسلات التي تابعوها طيلة حياتهم التي لا تتعدى العشرين سنة، فكانت العشرات!

12- الفتيات أكثر متابعة للمسلسلات المدبلجة مقارنة بالذكور نظرًا لوجود برامج أخرى تستميلهم مثل مباريات كرة القدم وكثرة الخروج من البيت.

13- أغلبية المسلسلات المدبلجة يتخلَّلها إشهار، مما يُساهم في توسيع دائرة القيم الدخيلة المتنافية مع الإسلام، فالإشهار يكون ترويجًا للمنتجات الأجنبية أو منتجات محلية بوجوه وأجسام أجنبية، أو إشهارٍ لحصص فنية، فإلى أين المفر؟

لكن النُّفور من الإشهار لحدِّ الكره هو النُّقطة الوحيدة التي عليها شبه إجماع من طرف العيِّنة المعنية بالدراسة، بسبب قطعها لذلك التآلف والتعايش الجميل بين الأحداث والمشاهد.

هذا هو الدَّاء... فكيف تكون أولى خطوات العلاج؟!

يتبع...

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام