نحو نظرية معرفة إسلامية
أحمد السعيد
من عظمة الإسلام أن الثوابت فيه قليلة بينما الفروع والمتغيرات هي الغالبة على التشريع الإسلامي، مما يعطي للشريعة روح التجدد والتطور وأن تطبيقاتها -فيما يتعلق بالفروع- تختلف من مكانٍ إلى آخر، ومن زمانٍ إلى آخر، هذه هي نظرية المعرفة الإسلامية فما هو ثابت بنص الكتاب والسنة فهو مطلق، وما تم الاختلاف فيه بدون أن يكون فيه نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة فهو من القضايا الخلافية التي تحتمل آراء عدة.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
يمتلئ الفقه الإسلامي بالاختلافات والتنوعات في كافة المجالات، وفي الواقع فإن هذا التنوع يضفي ثراءً للفقه الإسلامي وليس شيئاً سلبياً على الإطلاق، إلا أن المشكلة تكمن في تمحور أتباع كل فقه حول الاجتهادات الفقهية لعلمائهم، وفي اعتقادهم أن هذه الاجتهادات الفقهية هي الصواب المطلق.
وحقيقة الأمر أن الشريعة تحتوي على ثوابت وهو ما يعرف بـ"المعلوم من الدين بالضرورة" أي ما ثبت من القرآن الكريم بقطعية الدلالة وما ثبت من السنة النبوية بقطعية الثبوت وقطعية الدلالة معاً، فهذه الثوابت لا تقبل التغيير أو التبديل أو التطور، فهي أمور قطعية، وهناك الفروع وهي أمور نسبية تحتمل التغير من بيئةٍ إلى بيئة، ومن زمانٍ إلى زمان.
المشكلة تكمن في أن معظمنا يتعامل مع الفروع على أنها ثوابت وأمور مطلقة، ولا ننسى عبارة الإمام الشافعي رحمه الله: "رأيي عندي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري عندي خطأ يحتمل الصواب"، هذا هو منطق التعامل الصحيح مع الفروع، فلا ينبغي على الآخذ بالعزيمة أن يتهم الآخذ بالرخصة أنه مبتدع أو آثم، ولا ينبغي على الآخذ بالرخصة أن يتهم الآخذ بالعزيمة أنه متشدِّد ومتنطِّع، فتلك الأمور نسبية وتحتمل كِلا الطرفين وكِلا الرأيين ما دام أن كل طرف يُقدِّم أدلة مستمدة من الكتاب والسنة.
ومن عظمة الإسلام أن الثوابت فيه قليلة بينما الفروع والمتغيرات هي الغالبة على التشريع الإسلامي، مما يعطي للشريعة روح التجدد والتطور وأن تطبيقاتها -فيما يتعلق بالفروع- تختلف من مكانٍ إلى آخر، ومن زمانٍ إلى آخر، هذه هي نظرية المعرفة الإسلامية فما هو ثابت بنص الكتاب والسنة فهو مطلق، وما تم الاختلاف فيه بدون أن يكون فيه نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة فهو من القضايا الخلافية التي تحتمل آراء عدة.
وهذا هو الاختلاف بين نظرية المعرفة الغربية ونظرية المعرفة الإسلامية، فالنظرية الغربية تقول بنسبية كل شيء وكل رأي، بينما تميز النظرية الإسلامية بين المطلق والنسبي فليس كل شي نسبياً على إطلاقه، بل هناك مجموعة من الثوابت المطلقة التي تُشكِّل أرضية صلبة للتطور والتنوع فيما يخص الأمور النسبية بعد ذلك..
فمتى يتطور إدراكنا لهذه الأمور ونعلم بأن الشريعة الإسلامية بها من الخلافات والتنوعات الكثير والكثير، وأن وجود الرأي والرأي الآخر -في إطار الثوابت- هو سنة الله في خلقه؟!
أحمد سعيد