رصيد نبوي لا ينتهي
محمد بن عبد الله الدويش
نعيش معه صلى الله عليه وسلم في أوقات الفرح وأوقات اللهو المباح، فهو صلى الله عليه وسلم يحضر أفراحهم يحضر أعراسهم يدعونه لها فيشاركهم صلى الله عليه وسلم الفرحة، شاركهم صلى الله عليه وسلم العيد فيعيش معهم اللهو المباح ويستمع لهوهم، بل يأمرهم صلى الله عليه وسلم بذلك ما دام في حدود الشريعة.
- التصنيفات: السيرة النبوية -
حينما نتأمل مواقف النبي صلى الله عليه وسلم في التربية والتعليم، والتوجيه والتعامل مع الناس، حينما نتأمل هذه المواقف ونسعى لاستجلاء تطبيقاتها التربوية نشعر أننا أمام رصيد ضخم، ونعيش مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعايش أصحابه، يعيش معهم في مسجده صلى الله عليه وسلم، يصلي فيصلون بصلاته، يتحدث فيصغون إليه ويستمعون لتوجيهاته وتعاليمه وأوامره صلى الله عليه وسلم، يعلمهم كيف يتوضأون، كيف يصلون، كيف يصومون، كيف يخرجون أموالهم، كيف يتعاملون مع الناس مع القريب مع البعيد.
يخطب فيهم صلى الله عليه وسلم في المسجد، يصغون إليه كأن على رؤوسهم الطير، يعيش معهم صلى الله عليه وسلم خارج مسجده، يعايشهم فى بساتين المدينة، يزورهم صلى الله عليه وسلم في بيوتهم، يعود مريضهم يتبع ميتهم، يعيش معهم صلى الله عليه وسلم في السراء والفرح والعيد، ويعيش معهم صلى الله عليه وسلم في الضراء والأزمات والمعانات والصعوبات.
لا تقف حدود علاقته صلى الله عليه وسلم بمجتمع أصحابه داخل إطار المدينة، بل تتجاوز هذا الإطار فيخرج صلى الله عليه وسلم معهم، يخرج معهم صلى الله عليه وسلم مسافر للحج للعمرة، فيعيش معهم صلى الله عليه وسلم أحوال العبادات، يطوف بالبيت ويطوفون معه، يعظم شعائر الله فيتعلمون منه صلى الله عليه وسلم كيف يعظمون هذه الشعائر، يتعلمون كيف يؤدون هذه العبادات، كيف يتضرعون، كيف يبتهلون إلى خالقهم تبارك وتعالى.
يخرج معهم صلى الله عليه وسلم خارج المدينة لملاقاة عدو أراد اجتياحهم وغزوهم، أو لمبادرة عدو بالغزو لا طمعاً ولا جمعاً للمال إنما نشراً لهذه الرسالة، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فيعيش معهم صلى الله عليه وسلم في السفر الذي أخبر صلى الله عليه وسلم فيه أنه قطعة من العذاب.
يعيش معهم صلى الله عليه وسلم، يشبع حين يشبعون ويجوع حين يجوعون، يأمن حين يأمنون ويحزن حين يحزنون، يعايشهم صلى الله عليه وسلم وهم يتعاملون مع مسلم جديد جاء ودخل في الإسلام وأقبل، ويعايشهم صلى الله عليه وسلم وهو مع عدواً صاداً مستكبر لدود يأبى الاستجابة لدعوة الخير والحق، يعايشهم صلى الله عليه وسلم وهو يغزو ويحارب ويقاتل العدو، ويعايشهم صلى الله عليه وسلم وهو يتعامل مع المخذلين والمنافقين، الذين كانوا يخرجون أو يسعون للخروج ليزيدوا المؤمنين خبلاً وتهوينًا وضعفًا.
يعود صلى الله عليه وسلم معهم إلى المدينة، فلا تقف حدود الصلة والعلاقة بينه وبينهم صلى الله عليه وسلم عند المجامع العامة، بل يعيش مع أفرادهم وأحدهم، فيعيش مع أحدهم وهو يستشيره، يعيش مع أحدهم وهو يبادره صلى الله عليه وسلم بالتعليم والتوجيه والتسديد، بل إن حدود علاقتنا مع سيرته صلى الله عليه وسلم ومع منهجه لا تقف عند حدود المجامع العامة.
ها نحن ندخل معه صلى الله عليه وسلم بيته، نعم ندخل معه صلى الله عليه وسلم بيته، فنرى النبي صلى الله عليه وسلم الإنسان، نراه صلى الله عليه وسلم وهو يعيش مع زوجاته، يعلمهن ويوجههن ويربيهن، يعيش معهن صلى الله عليه وسلم وهن يعيشن قمة التميز البشري، يعيشن السمو الذي يمكن أن يصله الإنسان، السمو الذي يمكن أن تصله المرأة كيف لا وهن أمهات المؤمنين إختارهن الله تبارك وتعالى لصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، واصطفاهن عز وجل لهذه المنزلة، يعيشن معه هذه الحالة، ويعيشن معه أيضاً حالة أخرى.
يعيشن معه حالة المرأة الإنسان ببشريتها بطبيعتها كما تحدث نساء النبي صلى الله عليه وسلم، يأخذنهم ما يأخذ سائر النساء من الغيرة من الرغبة البشرية، فيعايش النبي صلى الله عليه وسلم هذه المواقف في بيته بحلوها ومرها، بضرائها و سرائها، ونرى هذه الصفحة المفتوحة أمامنا.
نعيش معه صلى الله عليه وسلم وهو مع الأطفال ببرائتهم ولطافتهم، مع الأطفال يضاحكهم، مع الأطفال يلاعبهم، مع الأطفال يداعبهم، مع الأطفال يأمرهم ينهاهم يعلمهم، كيف يطعمون الطعام، يعلمهم كيف يلقون السلام، يعلمهم كيف يحفظون السر.
مع الأطفال وهو يهدي لهم صلى الله عليه وسلم، مع الأطفال وهو صلى الله عليه وسلم يطعمهم ويحنكهم، يتسابق المهاجرون والأنصار في إحضار أولادهم الصغار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليكون ريقه صلى الله عليه وسلم أول ما تتذوقه أجسادهم، أول طعام ينزل إلى أجوافهم، ذلك الطعام الذي اختلط بريقه صلى الله عليه وسلم.
نعيش معه صلى الله عليه وسلم في كل مواقفه وأحواله، في السفر والإقامة، في العبادة والجهاد والغزو، وفي إطعام الطعام وإفشاء السلام والعيش مع الناس.
نعيش معه صلى الله عليه وسلم في أوقات الفرح وأوقات اللهو المباح، فهو صلى الله عليه وسلم يحضر أفراحهم يحضر أعراسهم يدعونه لها فيشاركهم صلى الله عليه وسلم الفرحة، شاركهم صلى الله عليه وسلم العيد فيعيش معهم اللهو المباح ويستمع لهوهم، بل يأمرهم صلى الله عليه وسلم بذلك ما دام في حدود الشريعة.
ها نحن نرى أن أمامنا صفحات واسعة عديدة من هذه المواقف العظيمة، مهما أُتينا من علم من إحاطة من بحث من تقصي فلن نستطيع أن نستوعب الجوانب التربوية في سيرته صلى الله عليه وسلم، لكن هذا لا ينبغى أن يعوقنا عن أن نقرأ ونقرأ ونقرأ وأن نبحث ونحلل ونستنتج، وسيبقى ما نصل إليه لا يمثل إلا قطرة في بحر.